زيارة بن مبارك إلى المكلا لإقتسام أراضي الخور والطريق الدائري الجديد    معهد دولي أمريكي: أربعة سيناريوهات في اليمن أحدها إقامة دولة جنوبية    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    انتشال جثتي طفلتين من أحد السدود بمحافظة صنعاء وسط مطالبات بتوفير وسائل الحماية الأزمة    تحذير حوثي من هجرة رؤوس الأموال والتجار من اليمن نتيجة لسياسية النهب    ما وراء امتناع شركات الصرافة بصنعاء عن تداول العملة النقدية الجديدة !    حكم الجمع في الصيام بين نية القضاء وصيام ست من شوال    "إيران تسببت في تدمير التعاطف الدولي تجاه غزة"..كاتب صحفي يكشف عن حبل سري يربط بين اسرائيل وايران    هل ستطيح أمريكا بالنظام الإيراني كما أطاحت بنظام "صدام حسين" وأعدمته بعدما قصف اسرائيل؟    اليمن يطرح مجزرة الحوثيين بتفجير منازل رداع على رؤوس ساكنيها في جلسة لمجلس الأمن الدولي    ماذا يحدث بصنعاء وصعدة؟؟.. حزب الله يطيح بقيادات حوثية بارزة بينها محمد علي الحوثي وعبدالملك يضحي برجالاته!    لا داعي لدعم الحوثيين: خبير اقتصادي يكسف فوائد استيراد القات الهرري    فيرونا يعود من بعيد ويفرض التعادل على اتالانتا في الدوري الايطالي    حضرموت تستعد للاحتفال بالذكرى الثامنة لتحرير ساحلها من الإرهاب    مصرع جنديين وإصابة 4 في حادث انقلاب طقم عسكري بأبين والكشف عن حوادث السير خلال 24 ساعة    "قد لا يكون عسكريا"...صحيفة امريكية تكشف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران    - ماهي الكارثة الاليمة المتوقع حدوثها في شهر شوال أو مايو القادمين في اليمن ؟    القوات الأمنية في عدن تلقي القبض على متهم برمي قنبلة يدوية وإصابة 3 مواطنين    الليغا .... فالنسيا يفوز على اوساسونا بهدف قاتل    نونيز: كلوب ساعدني في التطور    الحكومة: استعادة مؤسسات الدولة منتهى أي هدف لعملية سلام    مسلسل تطفيش التجار مستمر.. اضراب في مراكز الرقابة الجمركية    شيخ مشائخ قبائل العلوي بردفان والضالع يُعزَّي المناضل ناصر الهيج بوفاة زوجته    المبعوث الأممي يحذر من عواقب إهمال العملية السياسية في اليمن ومواصلة مسار التصعيد مميز    الوزير الزعوري يشيد بمستوى الإنضباط الوظيفي بعد إجازة عيد الفطر المبارك    إصدار أول تأشيرة لحجاج اليمن للموسم 1445 وتسهيلات من وزارة الحج والعمرة السعودية    خلال إجازة العيد.. مستشفيات مأرب تستقبل قرابة 8 آلاف حالة    إنتر ميلان المتصدر يتعادل مع كالياري بهدفين لمثلهما    "العمالقة الجنوبية" تسقط طائرة مسيرة حوثية على حدود شبوة مأرب    كيف نتحرك في ظل هذه المعطيات؟    جريمة قتل في خورة شبوة: شقيق المقتول يعفوا عن قاتل أخيه فوق القبر    البنك الدولي.. سنوات الصراع حولت اليمن إلى أكثر البلدان فقراً في العالم مميز    مجلس الامن يدعو للتهدئة وضبط النفس والتراجع عن حافة الهاوية بالشرق الأوسط مميز    إسرائيل خسرت 1.5 مليار دولار في ليلة واحدة لصد هجوم إيران    العوذلي: البلاد ذاهبة للضياع والسلفيين مشغولين بقصّات شعر الشباب    12 دوري في 11 موسما.. نجم البايرن الخاسر الأكبر من تتويج ليفركوزن    زواج الأصدقاء من بنات أفكار عبدالمجيد الزنداني    الوحدة التنفيذية : وفاة وإصابة 99 نازحاً بمأرب في حوادث حريق منذ العام 2020    هل يعيد التاريخ نفسه؟ شبح انزلاقة جيرارد يحلق في سماء البريميرليج    جماعة الحوثي ترفض التراجع عن هذا القرار المثير للسخط الشعبي بصنعاء    هل صيام الست من شوال كل إثنين وخميس له نفس ثواب صومها متتابعة؟    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    فضيحة جديدة تهز قناة عدن المستقلة التابعة للانتقالي الجنوبي (صورة)    الخميس استئناف مباريات بطولة كرة السلة الرمضانية لأندية ساحل حضرموت    ليفربول يصطدم بكريستال بالاس ويبتعد عن صدارة الدوري الانجليزي    البنك الدولي يضع اليمن ضمن أكثر البلدان فقراً في العالم    رئيس الوزراء يعود الى عدن بعد أيام من زيارته لمحافظة حضرموت    حلقة رقص شعبي يمني بوسط القاهرة تثير ردود أفعال متباينة ونخب مصرية ترفض الإساءة لليمنيين - فيديو    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    أهالي تعز يُحذرون من انتشار فيروس ومخاوف من تفشي مرض خطير    حتى لا يُتركُ الجنوبُ لبقايا شرعيةٍ مهترئةٍ وفاسدةٍ.    نزول ثلث الليل الأخير.. وتحديد أوقات لإجابة الدعاء.. خرافة    موجة جديدة من الكوليرا تُعكر صفو عيد الفطر في اليمن    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    يستقبلونه ثم تلاحقه لعناتهم: الحضارم يسلقون بن مبارك بألسنة حداد!!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    سديم    بين الإستقبال والوداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرسم التعليمي الحر

في الشارع الرئيسي في المعلا في عدن، الذي تصطف على جانبيه عمارات عالية فارهة في إيقاع معماري غاية في الجمال والتناغم، لعله الأول في أبهته على مستوى الجزيرة العربية، شواهد عديدة على لحظات مدينية حديثة غائبة، لم يتح لها الوقت الكافي أن تتشكل على امتدادات الزمان برغم محاولات استعادتها في مختلف المنظورات؛ وبين ترنح رغبات الاستعادة وثبات المكان في مواجهة اهتزازات الفاشلين، تختزن كل زاوية من هذا الشارع جانباً من تاريخ المدينة والمارين بها، يصبح للمكان ذاكرته الخاصة في مواجهة أنواع الغياب، وعتبة مفتوحة على المزيد من الأوجاع ومشاهد النار والدخان.
في إحدى لحظات استدعاء صورة المكان من ذاكرته المتخمة بالألم، وقبل ثلاثة عقود من الآن، في مدخل الشارع من جهة اليمين كانت إشارة ضوئية للمرور بألوانها الزاهية الثلاثة؛ الأحمر والبرتقالي والأخضر، يا لها من علامات سيميائية ضاربة بقوة في عميق الدلالات! كانت واحدة من إشارات وألوان مرورية وغير مرورية، لم يعد لها اليوم أو لفكرتها من وجود، كانت تزهو بها الشوارع، قبل أن تكتسيها عتمة وغبرة كالحة ليست غبرة المارين من الكادحين وحدهم، وإنما طبقات من غبار راكمته مختلف المراحل في انتظار الشوارع أن تنفض غبارها ذات يوم من أجل استعادة بهجة الألوان.
وإذا كنت في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي زمن فيه بقايا من ألوان أخيرة ونظرت في اتجاه يمين يمين أول الشارع من أعلاه، سيلفت انتباهك ما تبقى من المطعم الصيني العريق بكتاباته المختلفة، قبل أن تثيرك أطعمته ونكهته المتفردة، وإذا واصلت النظر لأمتار في الشارع سترى «مكتبة دار التقدم»، وهي فرع ل«دار التقدم الروسية» التي كانت تنشر روائع الأدب الروسي العالمي باللغة العربية في مجلدات بأسعار رمزية مدعومة، سلة كبيرة من أعمال غوغل وتورجنيف وتولستوي ودوستويفسكي وتشيخوف وبوشكين وآخرين أمثالهم بدراهم معدودة، وكتابات لأنجلز وماركس ولينين وفلاسفة ومفكرين آخرين، بثمن بخس، بأقل من قيمة الورق المطبوع.
إذا أنعمت النظر ستجد في أسفل إحدى العمارات مساحة من لون اسمها «المرسم التعليمي الحر» الذي حاول شبابه أن يتعاطوا مبادئ الفنون التشكيلية، وأن يصنعوا مفارقة مدهشة من الألوان: دارسة تقنية المنظورات، طريقة توزيع الظل والضوء بشكل منطقي، تناغم عناصر التكوينات، مزج الألوان واستحداثها، فنون الرسم والبورتريه، بعض المعلومات عن الفن التشكيلي ومذاهب الفن والرسم... أشياء كثيرة كانت أكبر من مساحة مكان المرسم وعتبته الزمانية المترنحة نحو المجهول، لكن هذه المساحة الضيقة كانت مفتوحة في أفق زماني حافل بالدهشة، وعلى أحلام شباب كانوا يتعاطون دروس الرسم بعد الظهيرة من كل يوم بعد أن يفرغ العاملون منهم من أعمالهم، والموظفون من دوائرهم، والطلاب من مدارسهم، يحلمون بأن يصبحوا من الفنانين التشكيليين. شكل المرسم التعليمي الحر البسيط آنذاك على الرغم من قصر مدته، وتجربته التي لم يتح لها تكتمل كذلك، والشارع الذي انبثق منه لوحة كرنفالية من مختلف أنواع الحواس لن يبصرها إلا من ينقب بحب في ذاكرة المكان.
ارتبطت فكرة المرسم التعليمي الذي يتيح للهواة والمحترفين ممارسة الرسم وتلقي مبادئه بحرية تامة، والانفتاح على الممارسة التطبيقية بعيداً عن الطابع المدرسي النظامي، فالفن في جوهره حالة من التمرد على المألوف، بمبادرة فنانة من شخصيات فنانة في وزارة الثقافة في عدن، تنتمي إلى عالم الفن والإبداع الأصيل، وإلى فكرة جماهيرية الفنون والوعي بأهميتها، وبالاتساق مع فعاليات شبابية وثقافية كانت في الثمانينيات مثل جمعية التشكيليين الشباب، وإقامة معارض الفنون التشكيلية، كان المرسم ومضة قصيرة من التاريخ الثقافي للمدينة لكنها كاشفة عن معاني كثيرة في ثنائية الفن والحياة.
أذكر حين ذهبت لتسجيل اسمي في المرسم مقابلة الفنان الكبير الباسم بسخاء محمد عبده زيدي (رحمه الله)، الذي كان مديراً لدائرة الفنون الجميلة، والفنان التشكيلي الكبير عبدالله الأمين الذي أظنه أحد القائمين على فكرة المرسم التعليمي، بالإضافة إلى آخرين، وفي المرسم كان الفنان الكبير محمد دائل يقدم دروسه وخبراته التشكيلية بمحبة وكرم أصيل، أما بعض الزملاء من رواد المرسم من شباب الهواة، فقد أصبحوا اليوم من الفنانين الكبار، ليس لأنهم قد تخرجوا من المرسم، فهو لم يكتب له الاستمرار، وإنما لأن أكثرهم قد وجد من خلاله النافذة التي يطل من شرفاتها إلى عالم من الفن والجمال.
واليوم هل يمكن استعادة فكرة المرسم التعليمي الحر من جديد، فيما يمكن استعادته من صور الحياة في مواجهة مشاهد الموت والدمار، هل يمكن أن يبادر الفنانون بالتعاون مع قسم الفنون الجميلة في كلية الآداب في جامعة عدن مثًلا إلى فتح دورات مسائية للهواة وتنظيم المعارض الفنية للأعمال المتميزة، وأن يتحول المرسم من فكرة ثمانينية شاردة إلى حالة إبداعية واقعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.