حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    أول تصريح للرئيس العليمي عقب وصوله مارب "معقل الثورة والجمهورية"    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس الحراك الثوري يتحدث عن حدث سياسي هو الأول من نوعه في عدن    رئيس مجلس القيادة يصل مارب برفقة نائبيه العليمي ومجلي    عاجل: إصابة سفينة بهجوم حوثي قبالة المخا بالبحر الأحمر وإعلان بريطاني بشانها    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    موعد الضربة القاضية يقترب.. وتحذير عاجل من محافظ البنك المركزي للبنوك في صنعاء    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلى محمّد طه بقلم: حسين أحمد سليم
نشر في الجنوب ميديا يوم 22 - 02 - 2014


ليلى محمّد طه
فنّانة تشكيليّة سُوريّة مُبدعة ومربّية متألّقة
تتماهى في عالم فنّيّ يجمع مفردات التّراث الشّرقي بحلّة معاصرة
تغمس فرشاة ألوانها في عمق التّاريخ الّذي تحمله أوغاريت بين ثناياها
وتمارس رسالتها التّربويّة بتكليف إنسانيّ إجتماعيّ علميّ في مجتمعها
بقلم: الحسين أحمد سليم (آل الحاج يونس)
كاتب وفنّان تشكيلي متجدّد من بلدة النّبي رشادة البقاعيّة نجمة هلال غربي بعلبك
الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, هي معاصرة من القطر العربي السّوري الشّقيق, ومن مواليد العام 1964 للميلاد, في رحاب بلدة الحفّة, من قلب ريف محافظة اللاذقيّة السّاحليّة, المدينة التّاريخيّة العريقة...
موهبتها الّتي حباها بها الخالق والّتي برزت مبكّرة, ومراحل وحيثيات ظروف حياتها الشّخصيّة, تضافرت معا وتفاعلت في كينونتها الإنسانيّة, ومكّنتها عبر زمن قدريّ, من صقل موهبتها الفنّيّة التّشكيليّة المميّزة. بحيث شاء لها قدرها ما شاء, وبدأت رحلتها الفنّيّة التّشكيليّة, عبر الدّراسة الخاصّة, في معهد إعداد المدرسين والمعلّمين ومركز الفنون التّشكيليّة بمدينة اللاذقيّة. وتخرّجت في العام 1996 للميلاد, وبدأت مسيرة الحياة الفنّيّة, كمُدرّسة للفنون, وفنّانة تشكيليّة, ومن خلال مشاركاتها الفنّيّة الدّائمة, ومنذ تخرّجها, لمعارض الدّولة الرّسميّة الجماعيّة والفرديّة, وإقامة مجموعة من المعارض الفردية داخل المحافظات السّوريّة وفي مدن البلاد العربيّة, إستطاعت بناء عالمها الفنّي التّشكيلي, لتتماهى إلى جانب نتاجاتها التّشكيليّة, بما يعكس شخصيّتها المميّزة في مسارات هذا العصر...
الفنّأنة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, هي عضوة ناشطة في إتّحاد الفنّانين التّشكيليين في سّوريّة, وعضوة فاعلة كذلك في بيت التّشكيليّين في جدّة بالمملكة العربيّة السّعوديّة، وعضوة لافتة أيضا في جمعية أصدقاء دمشق للفنون... وتعتبر الفنّانة طه من أكثر الفنّانات التّشكيليّات, نشاطا ووجوداً في إمتدادات مساحة العروض والمعارض الفنّيّة من جهة, وغزارة الإنتاج الفنّي التّشكيلي اللاّفت من جهة أخرى...
شاركت الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه في العديد من المعارض الجماعيّة في داخل سوريا وخارجها, وفي المملكة العربيّة السّعودية ودولة مصر.. وأقامت معرضا فرديّا لها بصالة بيت التّشكيليين بجدّة في المملكة العربيّة السّعوديّة, وعدة معارض فرديّة في مدن, دمشق واللاذقيّة وبعض مدن محافظات سوريا, ومنها: معرضها الفردي في المتحف الوطني في مدينة اللاذقيّة عام 1996 للميلاد, ومعرضا فرديّا لها في المركز الثّقافي الرّوسي بمدينة دمشق عام 2000 للميلاد, ومعرضا فرديّا لها في صالة الشّعب بالعاصمة السّوريّة دمشق عام 2001 للميلاد, ومعرضها الفردي الحادي عشر في صالة المركز الثّقافي العربي في أبو رمّانة بمدينة دمشق وذلك في رحاب شهر نيسان من العام 2008 للميلاد، ومعرضا لها في صالة تمرحنة في مدينة دمشق القديمة, القيمريّة عام 2009 للميلاد.
ونالت الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, عدة شهادات وتنويهات تقديريّة فنّيّة من جهات رسمية وأهليّة. ومجموعات من أعمال الفنّانة طه مقتناة في كلّ من, المتحف الحربي السّوري, ومديرية الثقافة السّوريّة, ووزارة الداخلية في سوريا, وفي دولة مصر والمملكة العربيّة السّعودية, ودول, بريطانيا وفرنسا وكندا والسويد والمانيا...
من اللاذقيّة, من تلك المدينة التّاريخيّة الرّابضة والنائمة بأوابدها السّاكنة على إمتدادات جزء واسع من السّاحل العريي السّوري, المدينة العريقة والشامخة بتاريخها الموغل في حقب القدم, وبعد أن أهدت البشريّة جمعاء أبجديّتها الأولى وخطابها الإنسانيّ الأوّل, لخلق حوار حميميّ بين الأمم بعد أن جابت بمراكبها الفينيقيّة شواطيء البحر الأبيض المتوسّط... هناك وُلِدت الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, لتتعملق فنّا تشكيليّا في فضاءات مدينتها وبلدتها وباقي فضاءات سوريا ومنها إمتدادا لفضاءات العالم العربي فالعالم...
بدايات الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه تحكي أنّها كانت منذ الصّغر تُعبّر بالفرشاة والألون عن مكنوناتها، الّتي كانت تتفاعل في دواخلها, كأنثى مغايرة لطينة أمثالها من بنات جنسها, وأكسبها تشجيع الأهل لها, الإطمئنان النّفسيّ, وزاد في الثّقة الّتي مكنّتها من تطوير قدراتها الذّاتيّة, عبر تجربتها الشّخصيّة، ثم شعرت بقيود التّصوير، وشعرت أيضا بما لا بد من كسر هذه القيود وتحطيمها وإختراقها, فبدأت تجمع عناصر لوحاتها ومشهديّاتها من روابط تستمدّ من روح الفكرة وتشاغف العاطفة ونبل الإحساس ورؤى الوجدان في البعد, وليس من الواقع المجرّد وحسب، وأدركت الفنّانة طه بفطنتها ونباهتها, ويوما بعد يوم أنّ في الفنّ بشكل عام, لا يقيّده إلاّ الصّدق والوفاء والإخلاص، فأتت تفاصيل العناصر جامدة, وغالبا ما كانت قاصرة في التّعبير, رسمتها الفنّانة طه بعين فنّيّة ثاقبة جديدة, فإعتمدت على عناصر الخطوط في كافّة سِماتها, وإمتطت صهوة فلسفة الأشكال الهندسيّة المجرّدة, والّتي تضجّ بالحيويّة والإنتعاش, لتنسخ منها لوحة فنّيّة تشكيليّة مترابطة...
اللوحة التّشكيليّة عند الفنّانة طه, تبدأ من فكرة تتراءى لها في البعد الخيالي, تتناهى لوجدانها كما الرّذاذ الممزوج ببعض الإنفعالات الإنسانيّة الداخلية، ثم تهيم نفسيّا لتتخيّل العمل كشكل في الفراغ أو ككتلة ما، ثم تغوص في أبعاد ما تكتنز في وعيها الفنّي وعرفانها التّشكيليّ الذّاتيّ, لتبحث عن علاقات وأواصر متجانسة متماذجة, تربط عناصر الأجزاء بالكتلة الرّئيسيّة, وتعطيها مسحات من تصوّرات روحانيّة وإنسانيّة, عبر حركة بدائيّة أولى, لمسارات الخطوط المختلفة, الّتي تأخذ خصائص التّماثل والتّناظر والإنتظام، ثم تحملها في لمسات أناملها الحانية الدّفء, ممسّدة شعيرات ريشتها عازفة على أوتار الألوان, لتحلّق بعيدا في فضاءات الرّوح, وتسبح هياما بجماليّات لا متناهية...
الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه هي بنت البيئة الرّيفيّة ووليدة المجتمع القروي العصامي، ويُعتبر الفنّان فلسفة وصفيّة, إبن بيئته الّتي ولِد ونشأ بها, الغنيّة بالموروثات الشّعبيّة والحضاريّة... إعتمدت الفنّانة طه على هذا الموروث الشّعبي, وضمنت حركة فعل تشكيل عناصر مشهديّاتها, أفكارا ومعاني إنسانيّة واجتماعيّة, وعبّرت عن واقع يكمن وراء هذه المعاني والرّموز, والّتي هي موجودة في عناصر لوحاتها بدلالاتها التّرميزيّة ومظاهرها الشّكليّة، والّتي تتراءى فيها مادّة خصبة, تستحق أن يقف عندها المشاهد والمتلقّي، وقدّمتها الفنّانة بلغة تشكيليّة جميلة ولافتة, تعكس بصدق روح الأصالة العربيّة...
المتابع لنتاجات الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, يتلمّس من إيحاءات لوحاتها ومشهديّاتها الفنّيّة والتّشكيليّة, أنّ الفّنانة طه لا تنتمي إلى أيّ مدرسة معيّنة وأعمالها هي مزيج بين مدرستين وإتّجاهين، التّجريد الزّخرفي والرّمز الّذي لا تحدّه الفكرة، والّذي يعكس التّصوّرات الدّينيّة والرّوحيّة والآمال, وذلك عن طريق مزج الأفكار بالمشاعر وخلق ما هو جديد، والفنّانة طه فيما ذهبت إليه في تشكيل عناصر إبداعاتها الفنّيّة, تكون قد كسرت الشّكل التّقليدي والجمود الموجود في الزّخرفة, وجعلتها متحرّكة ومفتوحة لتنطلق من ثوابت طرحها على اللوحة الفنّيّةبعفويّة، تلك المنظومة الواسعة من فنون الزّخرفة, وجدت الفنّانة طه فيها مساحة للتّأمّل من أجل الوصول لأقرب نقطة للمطلق هذا من جهة، ومن جهة أخرى, ركّزت الفنّانة طه مؤكّدة على دور الزّخرفة في التّعبير عن المشاعر, وولاء الإنسان وإرتباطه بأرضه، أحيانا تضيف الفنّانة طه بعض الرّموز في التّشخيص كالكرسي مثلا, لتحقيق التّوازن, وتستخدم مصطلح الصّندوق رمز الحفاظ على القيم والمثل، وهي دعوة صادقة للحوار الفكري اليقظ بين الموروث والمتلقّي...
تناولت الفنّانة ليلى محمّد طه الموروث والرّموز الشّرقيّة المأخوذة من العمارة العربيّة والإسلاميّة، ومنها راحت تصوغ عناصر لوحتها وتشكيليّاتها, بطريقة زخرفيّة قابلة للحياة وقادرة على التّعبير، وهذا الإرث كما المطر يتمدّد بإستمرار في كلّ دفعة تعجّ بالرّؤى والأحلام، وأخذت من المصادر مُكوّنات البيت العربي الذي وجدت فيه ضالّتها لتسجيل الحياة اليوميّة، ومن المصادر الّتي إعتمدتها الفنّانة طه أيضا الحصان العربي, وذلك عبر رؤية معادلة للزّمن الرّاهن، الحصان الثّائر يصهل وكأنّه جريح, يبحث عن فارسه المفقود ولا يقبل التّرويض الدّوني، وهو بكلّ ألمه ما زال يحتفظ بجموحه وكبريائه، ومن المصادر الّتي إعتمدتها أيضا السّلالم، دلالة على الصّعود والإرتقاء بلا حدود، ومن المفردات راحت تصوغ الحرف العربي بطريقة تعبيريّة, تأخذ الإنحناءات وهي تزرع الإحساس بالدّفء وهي خصوصيّة الأنثى الفنّانة وخلق الإحساس المعادل بينها وبين الرّجل، وتجسيد توقها للعيش في فضاءات من الحرّيّة المفتقدة أمام المفاهيم والعادات، ممّا أثبتت من خلالها أنّها رمز الجمال الّضي تبحث عنه داخلها وفي دواخل وكوامن الآخرين، ومن مصادر الفّنانة أيضا الأشكال الهندسيّة في العمارة, كالمربّع والمثلّث والدّائرة، فالمربّع هو وحدة بناء بتحوّلاته, حيث يؤلّف ويتآلف عبر التّسامي والسّموّ في شكل المثلّث والدّائرة للدّيمومة...
وتناولت الفنّانة طه في الكثير من أعمالها عناصر البيت العربي, الّذي هو مساحة للتّأمّل وإستنباط الذّاكرة لتعتمد على التّناسق والتّرابط، وفيها إستحضار للقيم الرّوحية والإنسانيّة المتوارية خلف مساحات اللون وحشود الكرّاسي الفارغة, وهي الوجه الآخر للغربة وللصّمت المتعب والمتفجر معا, والمفتقدة للأنس والأضواء ولمّة الأهالي تلك الكراسي الّتي لا يجلس عليها إلاّ الهواء وبعض أصص الزّهور كتعويض عن الآخر، الهارب من مساحة اللون والحلم من أجل التقاط نبض المكان, ولمس الجوهر وتعريتها من قشورها الخارجيّة لمعرفة خفايا الرّوح التي صنعتها...
الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه لكيّ ترسم نفسها كإنسانة وفنّانة تشكيليّة في لوحة الحياة, تغمس ريشتها الحالمة في عمق التّاريخ الّذي تحمله أوغاريت، تلك الحضارة النّائمة بأوابدها على السّاحل السّوري، الّتي أهدت البشريّة أبجديّتها وخطابها الإنسانيّ ليكون حواراً حميميّاً بين الأمم، إنّها فلسفة الفنّ يتدفّق المضمون من الفكرة ومجبولة بدفء الذّات الّتي هي أصل الإبداع، وتنهض لخلق صورة مغايرة للواقع... الفنّانة طه من مصداقيّة حبّها وعشقها للآخرين جعلتهم في مفردات أعمالها وفي رائحة أزهارها, فنّانة إمرأة مغايرة, من حوّاء أتت ولكنّها لا تشبه بنات جنسها, فهي تحب الطّموح والقوّة, لذلك رسمت الحصان العربي، تحب الصّدق والأصالة, فرسمت الموروث، تحب الألفة فرسمت البيت، ترسم الأحزان بألوان تعكس الفرح الّذي تنتظره من زمن بعيد، تفرد دموعها على المساحة التي تجمع المطر بالعطش والإنسان بالتّراب، تهرب من لوحة إلى لوحة ومن نفسها إلى نفسها وتخلق باللون، لتوكيد الفكرة الّتي تنبض بها أعمالها...
الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, تحاول بما تكتنز به من وعي ثقافيّ فنّيّ وعرفان تشكيليّ ذاتيّ, وبما يسكن كينونتها من جرأة في البوح, وإنعتاق من القيود التّقليديّة وتحرّر من الشّكليات, تحاول بقدراتها الّتي أسكنها الله في صدرها ووجدانها وخيالها وعقلها وفكرها, وما تحمل من مفاهيم منفتحة على الإنسانيّة, أن تبعث من جديد وتخلق من تحت الرّماد, طائر الحياة المتجدّد, فينيق الأسطورة التّاريخيّ, لخلق أبجديّة بصريّة خاصّة بها, وبتلك البقعة الجغرافيّة من العالم, لتهديها عبر أعمالها الإبداعيّة الفنّيّة, المولودة من رحم هذه المدينة القديمة الحديثة, مؤكّدة من خلال بحثها البصريّ العميق والمتجذّر, على أننا مازلنا كأسلافنا, نمتلك روح الإبتكار والخلق والإبداع والعطاء...
المُتبحِّر في أعمال الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, يتكتشف أنّه أمام فنّانة ذات موهبة رفيعة, تمتلك روحا شفّافة ودفق حميمي ينبض بذاكرة التّراث العربي, وهي تصهل كمهرة عربيّة أصيلة, لتعيد صياغة هذا التّراث والمخزون الإنساني, برؤية معاصرة مؤكّدة على أهمّيّة الغوص في التّراث والنّهل من مفرداته ودرره الثّمينة والأصيلة، لتعلن وبكل جرأة على إستعدادها للمغامرة اللونيّة في كلّ عمل فنّي جديد لإكتشاف كلّ ما هو مثير من حيويّة وجمال في مفردات تراثنا العربيّ الغنيّ بمادّته وروحه...
العناصر والرّموز والمصطلحات والمفردات والعناصر, الّتي إستخدمتها وتستخدمها الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه في تشكيل مكوّنات لوحاتها ومشهديّاتها, متعددة وكثيرة, نستطيع أن نحدّد بعضها, كالحصان العربي, والسيف, والمنمنات, والمشرّبيّات, والمآذن, والقباب, والكتب القديمة, والدّلاّل, والقناديل وغيرها.. وكذلك تعتمد الفنّانة طه على جملة من الأشكال الهندسيّة بمدلولاتها الحسّيّة والرّمزيّة والميثولجيّة, كالمربّع والمثلّث, والدّائرة, والمعين وأشكال أخرى... وكلّها أجزاء من المفردات التّشكيليّة الّتي تعزف عليها الفنّانة طه بمهارة العارف لأسرار الفنّ, عبر تناغمات درجاتها اللونيّة والشّفافة على السّلّم الموسيقي البصري, ملامسة بريشتها أوتاره الحسّيّة والبصريّة, وبكلّ شاعريّة لتفجّر إشعاعها اللوني والحضاري والرّوحي والمتوسّطي ضمن مساحة اللوحة....
يستطيع المتابع النّاقد التّحليلي أن يستخلص من نتاجات الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, أنّ ذاكرة الفنّانة البصريّة غنيّة بمخزونها الثّقافي على صعيد المفردات والمدلولات والصّياغات اللونية المتعدّدة, حيث تعتمد على تداعيّات الأشكال عبر الزّمن, لتخرج عن حدود نطاقه الضّيّ, والآني, ليأخذ بعداً مكانيّاً وزمانيّاً عبر الذّاكرة البصريّة الموروثة والمكتسبة, لتفصل بذلك الزّمان عن مضمونه الفيزيائي...
أستطيع من خلال دراستي لنتاجات الفنّانة التّشكيليّة ليلى محمّد طه, أن أستكشف أنّ هناك صبغة عامة تميّز أعمال الفنّانة طه, أختصرها بالإعتماد على حركة وفعل الدّسامة اللونية والمشبّعة بطبقات الألوان, وصولاً إلى النّافرة منها, مستفيدة من أساس اللوحة وكثافة الطّبقات اللونية المتراكمة, تلوحي للمشاهد بأنّها تمثّل أحقاب جيولوجيّة إنسانيّة نابعة من تأثّر الفنّانة بالطّبيعة المحيطة بها, من بحر وجبال وسهول وفضاءات مفتوحة إلى اللامدى...
أعود لبعض أعمال الفنّانة طه التّشكيليّة, والّتي تناولت فيها الحصان العربي الأصيل , وذلك عبر رؤية لهذا الرّمز العربي, والذي يصهل وكأنّه جريح أو أنّه يبحث عن فارسه المفقود بكل كبرياء وجموح, وأرى في بعض أعمالها الأخرى, أنّها تناولت صياغة الحرف العربي بطريقة تعبيريّة, ضمن هندسة زخرفيّة شرقيّة الرّوح, تعتمد على الإنحناءات الحنونة للحرف العربيّ, والأحرف توحي في بعض أعمالها الفنّيّة الحروفية للمشاهد, وكأنّها تحدّد لحظة إنفجارها الحميميّ والعاطفيّ واللغويّ في آن واحد, عبر الوميض اللوني المشعّ في الفراغ, ضمن مساحات اللوحة, لتعلن تمرّدها وخروجها عن المعنى المحدّد لمدلولها الصّوتي, ثمّ تعود لتحتضن بعضها البعض من جديد, عبر تعشّقات اللون الفستقي فالأخضر الحشيشي فالغامق...
دنيا الوطن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.