نُهى البدوي يتواصل عرض الفيلم السينمائي التجاري «عشرة أيام قبل الزفة» للمخرج المبدع جمال عمرو في مدينة عدن، وسط ارتياح شعبي، ونجاح كبير تحققه عروضه التي بدأت خلال إجازة عيد الأضحى المبارك، وناقش الفيلم مشاكل وآثار الحرب والخراب، والدمار، وتشريد الأسر والسكان بسبب الدمار الذي لحق بمنازلهم، وتكاليف الزواج والايجارات، وكل المظاهر التي انتجتها الحرب. بالإضافة إلى النجاح الذي حققه الفيلم، فأنه يمثل خطوة متقدمة وكبيرة استطاع من خلالها تحطيم «تابوت الفن والإبداع» الذي تناوبت على فتحه في وجه كل المبدعين معظم التيارات السياسية التي حكمت عدن، بالتحديد التيارات الدينية والإسلامية والتنظيمات الإرهابية؛ لتقويض نشاطهم في فترة ما بعد التسعينات من القرن الماضي.
شهدت عدن منذ بداية القرن العشرين حركة فنية واسعة كان لها أثرها الكبير في إبراز التراث الأدبي، والفني والشعبي الأصيل، وإيصال صوته إلى الجزيرة والخليج، حيث بدأت الحركة المسرحية عام 1910م بعرض مسرحية بعنوان «يوليو قيصر» لشكسبير أداها أوائل رواد المسرح آنذاك، ولعبت دور السينما في مدينة عدن، دوراً فاعلاً في ستينات القرن الماضي، لتعريف المواطن بروائع الفن الإنساني العالمي من خلال عروض الأفلام لمختلف الثقافات الانسانية، عبر عدد من دور السينما التي أنشأت في المدينة حينها إلى جانب مختلف أنشطة الفنون الشعبية الأخرى كالرقص والأناشيد والموسيقى.
تعرضت الحركة الفنية التي شهدتها مدينة عدن لانتكاسة مدمرة على فترات متوالية بعد مغادرة بريطانياجنوباليمن، حيث لعبت السياسة والحكام دوراً سلبياً في تقييدها وجعلها تابعاً له، ودمرت الدور الفنية، نتيجة الإفلاس، وتخبط السياسات الاقتصادية الفاشلة، وباستهداف غير مباشر لكل عمل فني ونشاط إبداعي يرتبط بعدن، فن، دور سينما ، تلفزيون، إذاعة، وتراجع التشجيع للأعمال الإبداعية وأغلقت دور السينما وأُهمل معهد الفنون الجميلة، ولم يتم مواكبة التطورات الفنية في المجال التعليمي، وتراجع الاهتمام بالفن، واستثمار طاقات الشباب الإبداعية، باستثناء فترة منتصف الثمانينات التي حظي فيها الفنانون والرياضيون والمثقفون بشيء من التشجيع المعنوي والاهتمام بالتأهيل والتدريب، لتأتي حقبة التسعينات التي كانت أخطر حقبة مُدمرة للفن في جنوباليمن؛ لتقضي على كل ما تمتلكه مدينة عدن من ثروات وطاقات اقتصادية وإبداعية وفكرية وفنية، من قبل الأنظمة التي تعاقبت بالهيمنه عليها التيارات السياسية والدينية والتنظيمات الإرهابية «القاعدة» التي دفعت إلى عدن بعد عودتها من أفغانستان؛ لتدميرها تحت ذرائع، وحجج ليس لها علاقة بالدين. ولا يزال أبناء عدن يتذكروا جريمة مقتل مالك ستيريو التسجيلات الفنية بعدن، وكثير من الجرائم التي كفرت بالفن والمبدعين، وإرهاب كل المشتغلين به، ومحاربة الفن والفنانين والمبدعين بصورة علنيه؛ لتجميد كل طاقات الشباب الإبداعية فن، غناء تمثيل مسرح شعر، أدب وجعلها تابعة لخدمة السلطة والفرد الحاكم أو البقاء في «تابوت الفن والإبداع» أو اتخاذ خيار الهجرة إلى الخارج حيث وجدوا التشجيع ومناخ حرية الإبداع.
ربما استطاع نجاح الفيلم التجاري «عشرة أيام قبل الزفة» تحطيم «تابوت الفن والإبداع» والترهيب للمبدعين في عدن، لكن التخلص من آثار وحطام هذا التابوت ودفنه إلى الأبد يبدُ مهمة صعبة ويحتاج إلى مراجعة السياسات، وإيجاد طرق تشجع المواهب وتنتشل وضع الفن ومبدعيه، ليس بالاهتمام المرحلي، ولكن بخطوات واجراءات مؤسسية تعيد له الحياة، وتجذب الاستثمار وتحفز شركات الإنتاج الفني لاستثمار الطاقات الإبداعية الفنية للشباب في عدن واعادة الثقة لهم لاختيار هذا المجال، وابتكار السلطات موارد مالية جديدة مستدامة لدعمهم مثل تأسيس صناديق لدعم المواهب الفنية.