رغم أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح لم يعد في السلطة، إلا أن ظلاله ما زالت مخيمة تهدد مسار الحكومة الجديدة نحو التغيير، وتمت الإطاحة بصالح عن السلطة بعد ثورة الشباب السلمية واستنادا إلى اتفاق تم بوساطة مجلس التعاون الخليجي في 23 نوفمبر 2011، والذي وقع عليه علي عبد الله صالح نتيجة للضغوط الدولية، وتطلبت مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي تخليه عن الحكم ونقل سلطاته إلى نائبه مقابل منحه الحصانة، جنبا إلى جنب مع أسرته، من الملاحقة القضائية. وعدت هذه الخطوة التي خطتها دول مجلس التعاون الخليجي حدثا هاما نحو استعادة السلام والاستقرار، والحفاظ على الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار، ووضع حجر الأساس للانتعاش الاقتصادي في اليمن. وفي الوقت الذي كان فيه اليمنيون يمنون أنفسهم بأن يؤدي التحول السياسي إلى إنقاذ البلاد من التدهور الاقتصادي والإنساني، بدأت معركة ما بعد عهد صالح، فبعد وقت قصير لم يتجاوز الأربعة أيام من جلوس الرئيس المنتخب حديثا عبدربه منصور هادي، والذي فاز بالتزكية في الانتخابات التي جرت في 21 فبراير، على مقعد الرئاسة، بدأت القوات الموالية لصالح بقيادة العميد أحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس السابق، تقاتل باستماتة من أجل إعادة النظام القديم. واستمرت الاشتباكات بين العسكريين الموالين لصالح والقوات الحكومية في الاندلاع، والتي يعتقد كثيرون أنها محاولة لعرقلة الانتقال السلمي للسلطة في اليمن وزعزعة استقرار أمن نظام الرئيس هادي، وزاد الوضع سوء بعد الهجمات العسكرية التي استهدفت مسؤولين في النظام الجديد. وفي الحادي والثلاثين من يوليو من هذا العام، احتلت مجموعة منشقة من رجال الشرطة مبنى وزارة الداخلية، واشتبكوا مع القوات الحكومية في تبادل لإطلاق النار أسفر عن مقتل 15 شخصا، ونسبت اللجنة الأمنية العليا الهجوم إلى "مجموعة من المحرضين في صفوف قوة الشرطة تهدف إلى زعزعة الأمن"، واتهمت الحكومة من يقفون وراء الهجوم بالسعي لنشر الفوضى في محاولة يائسة لتقويض العملية السياسية في اليمن، كما اتهم ناشطون من معارضي نظام صالح، الرئيس السابق بالتحريض على العنف لعرقلة مسيرة التحول السياسي التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي. ومع تنامي حالة الفوضى واستمرارها في اليمن، أصدر الرئيس باراك أوباما أمرا تنفيذيا باتخاذ إجراءات في حق الأشخاص الذين يهددون السلام والأمن والاستقرار في اليمن، ويسمح القرار لوزارة الخزانة الأمريكية بتجميد أصول أي شخص يعرقل عملية الانتقال السياسي في اليمن، كما أعرب الاتحاد الأوروبي كذلك عن دعمه للرئيس هادي وجهوده لتطبيق أحكام اتفاق مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي لنقل السلطة. وظلت تدخلات صالح وأقاربه العقبة الرئيسية في تحقيق الاستقرار في اليمن، فبعد 33 عاما من حكمه الاستبدادي، ترك اليمن في وضع على حافة الانهيار، وانكشاف سجل تاريخه الطويل الملطخ بالفساد من خلال حالة الشعب اليمني وافتقاره لأبسط مقومات الحياة، وأيضا من خلال سياسة التمييز والمحاباة التي كان يتبعها في تعيينه للكثير من أقاربه وأصدقائه المقربين في مناصب عليا في الجيش والأمن، وهكذا أنشأ قوة لا يستهان بها يقودها أعوانه المقربين له. وتتضمن الخطة المرحلية للرئيس هادي خلال فترة حكمه المحددة بعامين، إعادة هيكلة الجيش، وإجراء حوار وطني شامل وصياغة دستور جديد للبلاد، ويأتي كل ذلك بالتزامن مع استعادة الأمن وبسط السلام في ربوع البلاد التي أضرت بها النزاعات، وذلك من أجل تمهيد الطريق للانتخابات العامة المقرر انعقادها في 2014. وكانت أولى خطوات هادي الإصلاحية قد بدأت بإعادة هيكلة جيش النظام السابق، والذي تشكل في الماضي إما من أعوان وأقرباء صالح أو الموالين له، وتعهد الرئيس الجديد بإنهاء الدكتاتورية العسكرية عبر إزالة جميع رموز النظام السابق من أسرة وأقارب الرئيس صالح، من جميع المناصب القيادية في المؤسسات العسكرية والمدنية، وذكر المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، جمال بن عمر، أن قرارات الرئيس عبدربه منصور هادي المتعلقة بإعادة هيكلة قطاع الأمن تعد خطوة مهمة على مسار إدماج القوات المسلحة تحت قيادة وطنية موحدة ومهنية في إطار سيادة القانون. وفي السادس من أبريل من هذا العام، أقال هادي اثنين من القادة العسكريين ضمن تغييرات شملت نحو 20 من كبار قيادات الجيش اليمني من أقرباء سلفه صالح، وكانت إقالة كل من محمد صالح الأحمر، الأخ غير الشقيق لصالح، والذي كان يشغل منصب قائد القوات الجوية، واللواء طارق محمد عبد الله صالح، ابن أخ الرئيس صالح، الذي كان على قيادة الحرس الرئاسي، قد أحدثتا هزة كبيرة في أوساط الجيش. ومع ذلك، فلقد ظل بعض أعوان صالح في مناصبهم القوية، فما زال ابنه قائدا للحرس الجمهوري، كما لا يزال ابن أخيه يحيى محمد عبد الله صالح، قائدا لقوات الأمن المركزي. ووصلت الحكومة اليمنية المؤقتة إلى مرحلة مصيرية وهي تواجه عددا من التحديات المتمثلة في تآمر عناصر النظام القديم، والمتظاهرين، وحركات التمرد الإقليمية. وإذا لم يملأ الرئيس هادي فراغ السلطة بالكامل، فسوف تستمر الحكومة السابقة في تدخلاتها السافرة لإعاقة عملية الانتقال السياسي، لذا يجب على الرئيس هادي، رغم قصر فترة عمله في إدارة الدولة، لابد من التأكيد على وفائه بوعده باجتثاث عناصر النظام السابق من قوات الأمن دون الانقلاب على أولئك الموالين لصالح. كما أصبحت مسألة تنظيم القاعدة تشكل أيضا تهديدا، إذ يخشى المجتمع الدولي من تنامي قوة مقاتلي التنظيم خلال فترة الانتفاضة، وعبر هادي عن عزمه على اتخاذ إجراءات صارمة ضد تنظيم القاعدة واستعادة السيطرة على مناطق الجنوب التي تسيطر عليها. وفي غضون ذلك، فإن الوضع الإنساني في اليمن لم يتغير رغم الأشهر التي شهدت فيه البلاد استقرارا سياسيا ورغم تدفق حملات الإغاثة كذلك، كما يواصل اليمن مواجهة تحديات اقتصادية بالغة الصعوبة على المدى البعيد، بما في ذلك شح الموارد المائية وارتفاع معدل النمو السكاني، وتنتظر كل هذه المشاكل معالجتها من قبل الرئيس هادي، من أجل مساعدة اليمن على التخلص من آثار أزمة 2011 السياسية. ومع وقوف عملية التحول السياسي على أرضية غير ثابتة، فإن اليمن يظل بعيداً عن تحقيق أهدافه وغاياته العليا، ولكن البلاد لديها فرصة للمضي قدما لتحقيق إصلاح ذي معنى من خلال مؤتمر الحوار الوطني المقبل المقرر عقده في أواخر العام القادم، وقال الأمين العام للأمم المتحدة في بيان ألقاه نيابة عنه المتحدث باسمه مارتن نسيركي في يوليو الماضي: "إن الحوار الوطني سيكون فرصة لجميع القوى الفاعلة في اليمن للعمل بشكل جماعي من أجل إيجاد عقد اجتماعي جديد وتحقيق المصالحة الوطنية"، وإذا فشل النظام الجديد في مواجهة التحديات السياسية الماثلة أمام البلاد منذ أمد طويل، فسيكون اليمن عرضة لخطر المزيد من العنف والتجزؤ وعدم الاستقرار والانفصال. لقد أمسكت الحكومة المؤقتة بيد البلاد الهشة وهي على حافة انهيار الدولة، بمساعدة الدعم الدولي والخليجي الذي صعد مواجهته ضد الحكم الاستبدادي للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وسيظل توقف الأزمة السياسية في اليمن رهينا إما بدعم صالح وعائلته لمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، عبر الانسحاب من الحياة السياسية خلال الفترة الانتقالية، أو بمغادرته لليمن لإفساح المجال للإدارة الجديدة. ومن جانبه، ينبغي على هادي تجنب أي تعيينات تقوم على أساس قبلي، والتواصل مع الشعب وأصحاب المصلحة بشفافية حول القضايا الرئيسة المتعلقة بالتناوب في الخدمة المدنية والعسكرية، والتقاعد القسري، والتعيينات. وعلى أي حال ستنبئنا الأيام المقبلة ما إذا كان اليمن على استعداد للإصلاح السياسي الحقيقي أم لا، أما في الوقت الراهن، فنتمنى من المجتمع الدولي ومجلس التعاون الخليجي دعم حكومة الرئيس هادي الانتقالية لتجنيب البلاد المخاطر وسقوط مزيد من الضحايا، وحتى يخرج اليمن متعافيا من الربيع العربي إلى ربيع الحرية والتنمية والاستقرار. *الشرق القطرية