استيقظت الساعة الثالثة فجراً على وقع الم في الكلية اليمنى من الجسم كان الم خفيف ترددت على الحمام عدة مرات .. ازداد ذلك مع تعرضي لضربة برد المكيف ،، سمعت صوت الاذان ثم صليت السنة ثم الفرض قائماً ولهج لساني بالدعاء .. بعدها سمعت صوت اذان آخر ادركت اني لا زلت في توقيت الاذان الاول توالى صوت الأذان من مساجد مختلفة بين الفينة والفينة والتي جعلتني في حيرة من التوقيت !! اه لو وحدوا وقت الآذان !! لكننا في بلد سمته التفرق والشقاق ..
انشغلت بألمي لكن كان عندي مساحة كبيرة من الوقت من التفكير من المنطقية حاولت تبديدها بين السرير والحمام تذكرت اشياء كثيرة !!!! منها مقابلة لاحد العلماء على اليوتيوب اسمه بروس ليبتون يتحدث عن أن للإنسان خمسة واربعين بليون خلية وكل خلية لها ذاكرة خاصة حيث يمكن لكل ذاكرة ان تتبرمج بمشاعر مختلفة، الحب ، الفرح ، الحزن ، المرض ، العافية ، ذكرت انه يقول انه منذ عشرون عاما لم يزر طبيباً قط لانه برمج خلاياه ان صحته جيده ... لكني كنت عبثاً احاول ان اتبرمج وانا في قلب الالم متمثل قول الشاعر العربي :
اتت وحياض الموت مني قريبة .. وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل شرعت اقرأ في سورة الملك علها تخفف عني ومع القراءة كنت اسرع بسبب الالم ويبدو ان التوتر هيج الالم فجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن . يا لها من ليلة في احدى سفراتي التي لا تحصى الى الحمام سمعت صوت الامام يصلي بالناس من المسجد القريب ... والالم كان يسابق الوقت يريد ان يبلغ منتهاه لكن كأنه يسير معي برتم معين .. غسلت مواضع الوضوء مره اخرى لكني كنت على وشك الانهيار سحبت كرسي وصليت الفرض جالساً ولم استطع ان اصلي سنة الفجر التي لا اتركها دائماً .
عندها استيقظت زوجتي تسألني مالك قلت صحي الولد يوديني العيادة واذا ما قام من نومه اعطيني مفاتيح السيارة ... أيقظته واستعدت لمرافقتي كشرطي يرافق سجين الى المشفى مررنا على مستوصف قريب من البيت كان مغلق فاليوم فجر الجمعة والمستوصف خاص ويقدم خدمات محدودة ثم انطلقنا بين شوارع الممدارة و الشيخ عثمان حتى وصلنا مستشفى السعيدي في السيلة .. وقد اخذت مني حفر الطريق وقطع الاطارات المحترقة ورائحة دخانها والحواجز على طول الطريق بسبب الاحتجاجات في الليلة السابقة الكثير من الطاقة والتعب ومزيدا من الارهاق .
استقبلنا بالبوابة رجل أمن بوجه جاد يبعث على الامل وكان ذلك يعني لي الكثير وطلب مني الانتظار قليلا قبل أن يدخلني غرفة الطبيب العام والذي تأخر علي ما يبدو انه كان نائم بنفس الغرفة ... جلست على الكرسي سألني الطبيب ايش تحس؟ كيف السكري والضغط ؟ ما عندي سكري ولا ضغط . باعمل لك جهاز قياس الضغط !! قلت له عندي ترسبات او حصاة بالكلية اليمنى واحس وكأني تلقيت ركله قوية بالخصيتين ..
فتح يدي لقياس الضغط وكأنه يحاول يكسب وقت لترتيب افكاره .. احسست بغثيان وكانت تحتي سلة نفايات وعلى طول افرغت بعض الماء الصافي من بطني اذ لا يوجد بها شي وهذه المرة الثانية التي انتابني فيها الغثيان ... ترك يدي وادار وجهه للجهة الاخرى ممسكاً بابهامه وسبابته بين عينيه متخيلاً روائح ومنظر مقزز ..
اخيراً قاس الضغت ..سألني مره اخرى كيف السكر عندك ؟ زاد توتري قلت : ما عندي سكر هل طلع عندك شي قال لازم فحص كتب روشتة علاجات وقال انقلوه الطوارئ استلقيت على السرير سحب الممرض الفحوصات ...واحضر ياسين العلاجات وكانت عبارة عن قربة مغذي ولا ادري ما فعل بداخلها .. تقيأت مرة اخرى واخرى دون ان احس بالارتياح ..ثم كنت اتنازع انا والقي منازعة إذ لم يجد فيّ ما يستخرجه الا انتزاع عيناي الفاغرتان .
ازداد الالم وانا اتأؤه اه اه يا الله يا الله .. وكأنه يقول خليهم ينفعوك ....
دخل موظف الامن الذي استقبلنا ويقول هاه كيف تحس الان ياعم محمد قلت: لا فائدة (لا ادري سر مناداته لي يا عم مع ان الشيب واضح في شعره ) قال : اصبر عاد العلاج يمشي الصحة مش بسرعة .. واحده ، واحده ... لم اعره اهتمام ولم يأتني بجديد .. وبدأت افقد الامل بالمستشفى .. ثم عاد ومعه اوراق الفحوصات وقال خاف الله ياعم محمد!!! �� كيف صابر التهابات وترسبات وو كنت اصيح بصوت خافت ومتواصل كمن غيب الموت عنه حبيب او قريب ،، .. التفت الى زوجتي المكتئبة قلت لا تخافي انا اصيح لاني اشعر بأن الصياح يخفف المي ، اقتربت المسكينة مني وجلست على السرير لمواساتي ومع جلوسها اهتز السرير واهتزت كليتي كسكين غادر ينحرني .. فقلت بصوت الشاني قومي من السرير لا تحركوه لا احد يحرك شي بالغرفة عادت الى مكانها واقفة. يا الهي ..هنا كنت اتساءل ما الذي يمكنه وقف هذا الالم ولاول مرة تبادر الى ذهني عن قرب حقيقة الموت !!! قلت نعم الموت وحده من سيوقف هذه القطعة من الجسم عن العبث بي .. تذكرت الكلمات الدارجة عندنا والتي كنت اعتقد انها تقال بدون معنى حقيقي بل للاستهلاك فقط وهي (( والله اني تمنيت الموت )) تذكرت من يطلبون الموت ليرتاحوا من التعذيب في الزنازين والمعتقلات !!! تذكرت من يستعذب عذاب الاخرين بقوله سأجعلك تتمنى الموت الف مره ولن تجده .. شعرت بشعور هولاء المساكين .. عرفت ماذا تعني رصاصة الرحمة. ادركت بكل تفصيل ماذا يعني ذلك وأن الانسان قد يصل لهذه المرحلة ويطلب الموت في لحظة فارغة من حياته بكل رضا ليرتاح . نظرت الى قربة الدواء وهي معلقة وتكاد قطراتها تنفذ ومع كل قطرة من قطراتها لا اجد الراحة المتوخاة. الممرض بالغرفة رثى لحالي وسجل ابره مهدئه دون الرجوع للطبيب ،،، حضر الدكتور بسرعة لمست منه انه معترض قلب الورقة سأل من سجل هذا ؟؟ لكنه رق لحالي ثم قال احضروها ..
ثم سألني كيف حالك قلت لازال الالم ولكنه تراجع من المثانة وعاد الى الكلية تحسس بطني باصبعه وكان يضغط ثم يسحب .. قال هل تحس بشي .. قلت: لا قال: خلاص انته عد الان الى البيت وتناول العلاجات وغداً السبت تعال اعمل جهاز تلفزيون لاني خفت لما شفتك تطرش ان يكون معك صبع الزائدة ولم اكتب لك المهدئات وجعلتك على العلاج فقط .. كل ما فهمته منه انه مسيطر على المرض وتجنب اعطائي المسكنات ..
وفي فلسفة علماء الاجتماع يفضل عدم معرفة المريض بتفاصيل العلاج وجعله يعتقد بالطبيب لذا تجد الاغلبية قبل ان يصل للدكتور يبدأ بالتشافي وعند خروجه يقول هذا الدكتور ذكي او ممتاز .. ويعود يقص عن ذكاء الدكتور ولا يعلم ان الحالة النفسية فعلت فعلها .. لذا لا نستغرب من شخبطة الدكتور المتعمدة على الروشتة التي لا يفهمها حتى الصيدلي احياناً.
وقد نكون في هذه الحالة لا نختلف عن من يذهبون بهم الى الاطباء الشعبيين او دجلة السحر والقصص في هذا كثيرة. واثناء ما الممرض مستعد لفصل القربة .. دخل اربعة شباب ويبدو عليهم الفقر والعوز وقد تعرضوا لحادث دراجه نارية وبهم سلوخ واثار دماء تمددوا على الأسرّة واخذ الممرض يقوم بمجارحتهم تناسيت مرضي حينما رايتهم وقد كتبت لهم حياة جديدة
ثم جذبني اشبه بمغناطيس ليضعني على منصة الحياة بعد ان كان خيال الموت وامثولته قد شغلت جزء من تفكيري وتصوري للعلاج واصبحت مع تسلل اشعة شمس الصبااااح من نوافذ المستشفى على ثقة بالله وحسن توكل .. سبحان من خلق هذا الانسان المعقد في تكوينه البنائي والفكري اكثر من اربع ساعات وانا في حالة صراع حسي وعقلي وانطباع في الذاكرة لتصورات كثيرة ومتضاربة .. قال رسول الله في الحديث ( من اصبح معافى في بدنه امنا في سربه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها .
وكأن الخمسة واربعين بليون خلية من خلايا جسمي التي ذكرها بروس ليبتون قد تبرمجت بمشاعر اخرى اذ نقلتها العين الى الدماغ والدماغ عمم الصورة على هذه الذواكر وتناست ان تشعرني بالالم الحسي السابق الى الالم الذهني وهو لعمري اخف وطأة واعمق شعوراً .. فقلت الحمد لله على كل حال وعدت بيتي ليتواصل يومي بنوم ثقيل ممتع وكأنني لم اذق طعم النوم ليالاً وايام ،،،.