يعاني اليمن من تركة كبيرة, ومخلفات جمة, من قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر, حيث بقيت المشاكل والأزمات تعصف باليمن, مثل كرة الثلج المتدحرجة دون معالجات جذرية في شمال اليمن وجنوبه وبين الشطرين, حتى خلفت جروح عميقة هنا وهناك, ثم استبشر اليمنيون بالوحدة وأنها ستكون العلاج الشافي, لكن ذلك لم يحدث ولم ينقل اليمن إلى الأمام لان مشروع الوحدة كان مشروع عاطفي وولد ميتا والظروف لم تكن مواتية له. حيث عاش كل شطر بطريقته منذ عقود من الزمن, فكان للجنوب وضع خاص ورثه من بريطانيا, وإدارة رسخت النظام والقانون في أذهان الناس, بعكس الشمال الذي بقي يسير على الطريقة التقليدية والسوق الحر, فيما اعتمد الجنوبيين على الدولة في كل شيء, وصارت شراكة بين المجتمع والدولة و مؤسسات القطاع العام, فكان التعليم والصحة مجانيان, والوظيفة العامة متوفرة بيسر, ولم يراعي ذلك المتفقين على الوحدة في العام 90م.
لم تدم فرحة الوحدة وكانت أثار نهاية الحرب الباردة لها فعلها ايضا, فما جرى هو انعكاس لعداء قديم بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي, فتفجرت الأزمة بين الشركاء, ثم اندلعت الحرب في صيف 1994 لتزيد الطين بلة, وسرعان ما تهاوى المشروع الوحدوي الذي بني دون أعمدة ومقومات, وترتب على تلك الحرب انعكاسات كبيرة أحدثت جرح عميق يصعب اليوم تضميده وعلاجه خلال فترة انتقالية قصيرة, ومع الأسف لم يستوعب البعض متطلبات المرحلة, بل لازال يلوك الماضي ويسير عكس التيار.
ان الحوار هو الحل الوحيد والطريقة الحضارية وهو لغة العصر, لكن يجب الإدراك ان التركة كبيرة, وان الأرضية ملغمة وغير صالحة لإنجاح الحوار, كما يجب عدم حشو الحوار بقضايا عادية حتى لا يفقد الحوار قيمته, وإذا ما توفرت النوايا الحسنة, وطرحت القضايا بحجمها, بالتأكيد ستزول العقبات, وتقل مبررات الهروب من الحوار, والسؤال الذي يجب ان يطرح هو, هل الأولى يكمن في طرح القضايا وتثبيتها؟ ام البحث عن من يناقش تلك القضايا؟
الطرف الجنوبي غير متفق على طريقة المعالجة, لكنهم متفقين على ان الوحدة أسقطتها الحرب, ومتمسكون بقضيتهم, فهل تسقط عدالة القضية الجنوبية في حال إصر الجنوبيين على الدفاع عن قضيتهم؟ وهو حق مشروع! كما ان الإخوة في الشمال غير موحدين ومختلفتين على السلطة, وان كانوا متفقين على الوحدة , وعلى هذا الأساس يجب ان يبدأ الحوار بين الجنوب والشمال و يعترف الجميع بان الوحدة أسقطتها الحرب, وان معالجة الأمر تقع على عاتق الجميع وعلى الطرفين اختيار من يمثلهم بالمناصفة, إذا ما أرادوا الحل, والأمن والاستقرار لليمن والمنطقة.
لقد فشل الاستقواء الداخلي وذهب إلى غير رجعة, فهل تمارس الدول الراعية الاستقواء بفرض الوحدة على طريقة حرب 94م, بطريقة الحوار واختيار الشخصيات المناسبة الجنوبية الباحثة عن الكرسي والبائعة لقضاياها, واعتبارها ممثلة للجنوبيين, وترك الجنوب وقضيته دون معالجة, وبذلك لن يصلوا إلى ابعد مما وصل إليه الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد حرب 94م.
الوضع في اليمن ليس بالأمر السهل والهين, فهو ربما يكون أصعب من الوضع السوري, لان اليمن وضعه مختلف على دول الربيع العربي التي مطلبها سقوط الأنظمة فقط, فاليمن دولتان في دولة, وبحاجة للبحث عن مخرج يتم فيه موافقة الجنوبيين على النظام القادم, والخروج من النفق المظلم التي تعيشه اليمن, ونجن لا نقول ذلك نقول ذلك تجنيا ولا انحيازا ولا أماني ولا سياسة كما قد يعتقد البعض ولكن نقوله من فهمنا لواقع الأرض, ولان إقامة الحوار على أرضية غير سليمة ستكون له انعكاسات سلبية على الساحة اليمنية وعلى المنطقة, وعلى الجميع ان يحذر من تكرار الأخطاء, او كما يقول المثل البدوي الجميل (( ماحد يحط المصاويب على المقاتيل)).