سلام عليك يا أبتي .. سلام عليك يا نبض حياتي .. سلام عليك يا كل كياني .. أكتب إليك يا أبي .. ولست مصدقا أنني أرثيك ، فأنا لم أفق بعد من هول الصدمة . أكتب إليك بكلمات حبرها دمع عيني الممزوج بدم قلبي .. فليس من السهل على الإبن أن يرثي أباه .. فما أصعبها من لحظات هذه التي أكتب إليك فيها ، يفيض الدمع من عيني ، والعبرات تخنقني وتكاد تكتم أنفاسي .. أتدري يا أبي أنك فارقتنا في لحظة كانت تنهال فيها رسائل التهاني بين الأصدقاء والأحباب بمناسبة السنة الهجرية الجديدة 1440 .. لم أهنئك يا أبي بهذه المناسبة تماما كما لم أتلق التهاني بها .. فحين كان الجميع يتبادلون التهاني كنت أنا استقبل التعازي في فراقك يا أبي .. وستظل مناسبة تؤرق قلبي كلما حلت . أحقا لن أراك بعد اليوم .. أحقا لن أسمع صوتك ؟ إنه شيء لا يطاق .. صدى صوتك لا زال يدوي في أذني ، وصورتك لم تغب عن ناظري ، فأنت لم ترحل يا أبي ..أنت لم ترحل .. لم ترحل ، فأمثالك لا يرحلون . كيف يرحل من عاش لأجل الآخرين .. ؟!! كيف يرحل من وهب حياته لبلده وأبناء بلده ؟!! فمثل هذا لا يرحل ..؟!! هل تدري يا أبي أنني اليوم فهمت لماذا جعلتني أرافقك في عملك في العيادة وأنا لا زلت في مستوى الصف السادس الإبتدائي ؟!! هل تدري يا أبي أنني تعلمت اليوم منك (( معنى الحياة )) ؟ .. معنى أن تعيش من أجل الآخرين ، فعدت لمطالعة سيرتك الذاتية .. وهاءنذا يا أبي أقوم بنشرها اعتزازا بمواقفك الإنسانية النبيلة :
ولد الدكتور عبد الحميد عبد الهادي سنة 1954 في منطقة شعب / مديرية طور الباحة / محافظة لحج . تلقى تعليمه في سنواته الأولى على يد الأستاذ عبد الكريم عبد القوي في مسقط رأسه (( شعب )) قبل بناء مدرسة شعب ، حيث درس السنوات من الأول إلى الرابع في تلك الغرف الشعبية القديمة المجاورة لمسجد القرية التاريخي (( مسجد الفقيه يحيى )) قبل بناء المدرسة . أكمل تعليمه الإبتدائي للسنتين الخامس والسادس في مدرسة شعب . درس السنتين الأوليين من المرحلة الإعدادية (( الأول إعدادي والثاني إعدادي )) في إحدى مدارس طور الباحة . انتقل لإكمال دراسة السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية (( ثالث إعدادي )) في مدرسة الشهيد المجعلي في عاصمة محافظة لحج (( الحوطة )) . درس المرحلة الثانوية في محافظة / عدن في إحدى مدارس مدينة الشعب . كان متفوقا في تحصيله العلمي ، حيث احتل مركزا متقدما طيلة سنوات دراسته الثانوية .. تخرج من الثانوية بتقدير جيد جدا وبنسبة 85% وهي تعتبر نسبة عالية في تلك الفترة مما أهله للإلتحاق بمجال الطب . بعد تخرجه من الثانوية وقبل التحاقه بدراسة الطب عمل في مجال التعليم ، إلا أن تحقيقه لنسبة في الثانوية تؤهله لدراسة الطب قد جعلت الكثير من أقاربه يشجعونه على الإلتحاق بكلية الطب ، وتحديدا (( خاله )) الوالد الفاضل / محمود عبد المجيد - رحمة الله عليه - الذي كان يعمل في مهنة الطب ، (( وابن عمه ))، المهندس القدير / سعيد عبد الله محمد _ مدير المؤسسة العامة للمياة سابقا _ اللذان كان لهما الدور الأكبر في الإنتقال بهذه الشخصية للإلتحاق بكلية الطب . التحق بكلية الطب عام 1976 م بعد أن تقدم لامتحان القبول واجتازه بتفوق . تخرج من كلية الطب عام 1983 م بتقدير جيد جدا . بعد تخرجه من كلية الطب اختار العمل في منطقته دون غيرها من المدن والعواصم ، فانتقل الى مسقط رأسه لخدمة أبناء المديرية والمناطق المجاورة . عرضت عليه عروضا عديدة للإنتقال للعمل في المدينة لتحسين وضعه لكنه رفضها جميعا وفضل العمل في المديرية خلافا للكثير ين من ابناء المديرية الذين تركوها بعد أن توظفوا على حسابها . كان الطبيب الوحيد في مستشفى طور الباحة ، فقدم من خلالها خدماته الطبية للمديرية والمديريات المجاورة ، وكان مستشفى طور الباحة حينها يقدم أفضل خدماته الطبية . عمل مديرا لمستشفى طور الباحة . ثم عمل مديرا لمكتب الصحة في طور الباحة أيضا . أثناء توليه منصب مدير مشتشفى طور الباحة وأثناء عمله مديرا لمكتب الصحة لم يثنه ذلك من مزاولة مهنته كطبيب بل ظل يمارس مهنته الى جانب عمله في إدارة النشاط الصحي . حصل على العديد من شهادات التقدير لحسن أدائه في عمله . ظل ما يقارب 18 عاما لم يطلب فيها إجازته المستحقة . لم يكن روتينيا يوما ، فقد عمل بعيدا عن الروتين الوظيفي ، يقدم خدماته للمرضى في غير أوقات الدوام الرسمي ، ولم يتردد يوما في إجابة أحد يطلب خدمته ، في ليل أو في نهار ، كان يستجيب لطلب أقارب المرضى بزيارة مرضاهم إلى منازلهم لعدم قدرتهم على تحمل متاعب الطريق ، فيحمل حقيبته الطبية وينتقل إليهم في قراهم ، ليس لشيء إلا لتقديم خدماته إليهم ، فلم يتوانى أو يتردد يوما في تقديم خدماته لمن يحتاجها .
لم تمنعه ظروفه الشخصية أو الصحية عن تقديم خدماته ، فلم يقل يوما لأحد أنا مشغول أو أنا مريض لا أستطيع أن أزور مريضك ، فكان يقدم منفعة الآخرين على نفسه .. لقد عرف حقا معنى الإنسانية فكان إنسانا بما تعنيه الكلمة . لازمته في عمله وأنا ما زلت في سن مبكرة منذ أن أكملت الصف السادس الإبتدائي ، لكني .. أعجز عن وصف أخلاقه التي تميز بها في تعامله مع المرضى . كانت تأتي إليه حالات في أوقات أحوج ما يكون فيها إلى الراحة فينادونه فيجيبهم للوهلة الأولى حتى وإن كان نائما أو متعبا .. فهل مثلك يرحل يا أبي ؟!! إن مثلك لا يرحل .. فكيف ترحل وأنت في قلوب محبيك ؟!! كيف ترحل ومآثرك حية في نفوسنا . إن كان جسدك قد رحل عنا فأنت لم ترحل عنا واقعا ، فأنت حي بيننا .. أنت حي بأخلاقك .. أنت حي بخدماتك .. أنت حي بمآثرك .. فبصماتك في كل مكان تقول أنك لم تمت أعدك يا أبي أن نسير على دربك .. صحيح أننا لن نكون في مستواك من حيث الكفاءة ، .. لكننا سنحمل أخلاقك في نفوسنا .. لقد كنت حقا أحد ملائكة الرحمة الذين أحوج ما تكون لهم البلد في هذه الأيام .. لن تموت أخلاقك يا أبي .. فستبقى أخلاقك فينا إحدى بصماتك المنتشرة في في كل مكان تقول : إنك لم تمت . رحمك الله يا أبي وجعل الجنة مأواك .. وسأبقى ولدك الصالح الذي يدعو لك مدى الحياة .. وأسأل الله أن يجمعني بك في مستقر رحمته ..