الكل مُجِمع على أهمية القضية الجنوبية وخطورة تأثيرها ليس على المستوى الداخلي وحسب وإنما على مستوى الأقليم والعالم عموماً, إلا أن مشكلة الجنوبيين أن لهم قضية تمخضها حقٌ زآعق يقر الجميع بضياعه, وعندما كادت الحكمة قاب قوسين او أدنى من إنتاج الحل بدأ التحجج بإنصاف الحلول, واخر ما انتجه العقل المأزوم بالوحدة: "إعادة صياغة مفهومي الجنوب والشمال جغرافياً وديمغرافياً" كما ورد لأحدهم في جريدة الشرق الأوسط عدد 20 نوفمبر, أي إقتطاع 84 الف كلم مربع من اراضي الجنوب وضمها لأراضي الشمال, وتوطين 8 مليون شمالي في اراضي الجنوب, طرحٌ بهذه الجرأة مع نسب لجنة التهيئة للحوار عرّى النية المبيته, ويؤكد أن طراز عبث صالح قد إنصهر فيما يتخّلق من عبث, يتهدد اليوم جغرافية وديمغرافية الجنوب. يجدر باصحاب حلول معالجة الماء بالماء التذكر أن القضية نتاج معطيات جهوية عسكرية وقبلية غير جنوبية أسندتها جهود غير يمنية نكاية, بهذا الطرف أو ذاك, وأن من يقود التهيئة للحوار هو عرَّاب تلك الجهود, لذا وقبل أن يشطح الخيال بحلول من داخل الصندوق, يجدر التأكيد أن الصراع المحتدم هو بين فلسفة الدولة المدنية في الجنوب وفلسفة دولة القبيلة في الشمال, وأن تجربة عقدين من الوحدة أثبتت, أن النخبة المتنفذه في الشمال مثل سمك البحر لا تستطيع العيش بعيداً عن القبيلة, بمفهومها المتحجر لا بمفهومها الحديث كما في الكويت, العراق او ليبيا, والفشل الذي ندفع ثمنه هو نتاج وحدة بين طرفين متناقضين لا يتفقان لا بالصياغة ولا بالنسب, والحل اعمق من توزيع غرف او دوائر البرلمان شمالاً او جنوباً, لأن المجلس مختزل بشيخ القبيلة الذي يصر على صعود طائرة البوينج مؤللاً بكامل اسلحته الخفيفة والمتوسطة, أماغرفتاه الأولى والثانية, فهما مبرز ومنظرة شيخ المشائخ حيث تطبخ الحلول وتوزع النسب على قاعدة القضية جنوبية والحلول غير جنوبية.. كما وأن القضية أكبر من أن تُختزل برأي او موقف قيادة في الخارج, والأَدعى توفير تذاكر السفر من والى, لأن عدن اقرب من القاهرة وبيروت, حتى وإن جمعتم الشعبين قسراً على أي صياغة ونسبة فإن السلوكيات والأفكار متعارضة الى حد التنافر.
فقوة القضية في جنوبيتها أرضاً وإنساناً وفي أنها لم تُكّ من مخرجات المَسّارِب المذهبية او الدينية ولا تتنفس خارج النص من هنا أو هناك, ومتن وطنيتها في بعدها عن أي أحَمَاَل إثنية أو عرقية لذا لم تحكُّ لها المنظمات الأممية على حقوق أقلية, كما أن اهلها لم ولن يرموها (جاه) أو (عِروَّة) بين أرجل العم سام نكاية بالدب الروسي أو الولي الفقيه دعوكم من طهران ووهران, فالعاشق الولهان يفرح بالتهم, كما يقول المثل, فالقضية إحتدمت لأن وراءها شعب يأبى التعامل معه ك( إشتراطات مسبَّقه كبيرة او صغيرة لهذه الطرف او ذاك) كما جاء في (الشرق الأوسط) في 19 الجاري على لسان مستشار رئيس الوزراء وللشعب تفاصيل أهمها: الحياة الكرامه, الهوية وشعور الأنتماء وهي قيم لا يستشعر ها إلاّ من إفتقدها إنتزاعاً بفعل فاعل.
القارىء المحترم (ابو عبدالعليم) سألني متعجباً في (مأرب برس)"هل السلطة تكرهكم؟" وأقول إن كان الموضوع يختزل بمشاعر من قبيل حب او كره فقد كَرِهتُ وحدة 7/7, وأنتهت معنوياً عندي, وأزعم عند الكثير من الجنوبيين في اللحظة التي كنا نتابع فيها طائرتها ال(سيخوي) وهي تقصف محطة الكهروحرارية في منطقة الحسوة في مايو 94 لتُغِرَق بعدها المحافظات الجنوبية بظلام دآمس, أما مشروعها الوطني فدخل في حالة موت سريري مع بداية الحرب ولفظ أنفاسه بعد أن دَكَت الصواريخ خزانات وشبكة المياه في منطقة بئر (ناصر) الى الشمال من عدن, وأخرجت شرايين الحياة من الجاهزية, لتشرب بعدها عاصمة الجنوب من البحر العربي لما يربو عن الشهر ومن عوادم مكيفات الهوأ في عز صيف المدينة الساحلية. وأقول للقراء المحترمين الذين يكررون مِنِّة الحكم, أقول إن في الإدعاء ما يضحك, فالرئيس الذي يُصْدِر القرارات الجمهورية لم يُك يأمن حياته إن حضر إحتفالية اليوبيل الذهبي لثورة 26 سبتمبر, وللسبب ذاته آثر عدم الإحتفال بذكرى ثورة 14 إكتوبر, كما ويمتنع عن الإحتفال بذكرى الأستقلال الوطني للجنوب في 30 نوفمبر, وهو الرئيس الذي لا يأمن حياته من أشباح القصر الجمهوري وإذا دعاه السفر لا يأمن الطريق الى المطار إلا بحماية نصف صنعاء غير المحازب له من النصف الأخر المتحازب معه (يمكن إعتبار الحاله ثامن العجائب السبع), كما هو الهم ذاته عند رئيس الوزراء الذي لا يأمن النصفين معاً, لذا نجده أحياناً يتابع ما يعرض عليه من ملفات من بيته (هوم ورك), وثالثهم وزير الدفاع الذي اصبح الهدف الأول لأعداء الحياة هو الأخر وليس الأخير لا يأمن التحرك بين البيت ومقر العمل الأ بعربة مصفحة!
فنحن أمام شيخٍ وأفندم يَستمدان جبروتهما من بسالة وأرواح الأخرين, نحنُ أمام أشخاصٍ خبرتهم القُصور والكراسي وغرف القيادة ولم تختبرهم جبهات القتال, أشخاصٌ يُهيئون لأدوات الدمار أكثر من تهيئتهم وسائل البناء, أشخاصٌ يحصون حروبٍ خاضوها بدماء الأخرين بالأرقام لا بالأسماء, نحن أمام أناسٌ ما زآلوا يؤصلون حربهم على الجنوب التي أحصوها بالساعات (1000 ساعة), يؤصلونها كما أمس اليوم, ففي فتوى حزب الأصلاح هي: حربٌ ضد أعداء الله (الديلمي), وفي ميزان حزب صالح: حربٌ ضد الخارجين عن شرعية الصندوق المحفوظ لإنتخابات 2014, وإن كان قد جَدَّ تطورٌ أثمر عناوين فرعية ك: إشتراكي, بعثي, ناصري وحق, الاّ أن الأمر بأيٍ من أحواله لا يعني تغيرٌ في المشهد فالجميع بربطة (المعلم) بن عمر يراوح أمام ثقافة الفيد بالحرب وإستثمار التهديد بها.
وبإسم المبعوث الأممي يتم ابتزاز انصياع الجنوبيين لحوارٍ كيفما دَرَج الإتفاق بينهم, وبإسم المجتمع الدولي يحذرون ما يتيسر من قيادات جنوبية منفية خارجاً من مقب إفشال الحوار, وكأنهم بها قادةٌ للحرس الجمهوري اوللفرقة الأولى مُدرَّعة, أو بهم تُسَّير أذرُع الأمن المخفي منها والمعلن, أو من لدنهم يُرسل المفخخ من السيارات والدراجات او الناسف من الأحزمة لقتل الأبرياء من الضباط والجنود في المعسكرات والشوارع وفي أقسام الشرطة. طالعين تنبيه لمن له رأي آخر, نازلين تحذير لمن لا يقبل برأيهم, وفي النقطة يسألون القادم في بطن دبابه معك سلاح؟؟, مشهدٍ الكل فيه منهمك بحثاً عن حل تحت حَجَر القبيلي وفي زُماّلة العسكري, مع إدراك الجميع أن مكالمة من احدهما للأخر أكثر أثراً من غابة الميكرفونات التي تُزّرع أمام رئيس لجنة الحوار قبيل مؤتمراته الصحفية, ويدرك الجميع أنهما لوحدهما من يملكان وسائل التواصل ووسائل زج الشعب الأعزل في الأقبية والملاجىء إن إستدعت حاجتهما التحكم في ساحات الوطن وشوارعه, وقد اثبتت المراحل إنَّ: ياما لحاجاتهما من تحكمات في حياة وقوت المستضعفين.
واقع الحال اعادني بالذاكرة الى ما نقلته مجلة (المجلة) السعودية, عدد مارس 94م ان لم تخني الذاكرة, والأزمة في أوجها قبيل العدوان بالحرب على الجنوب, نَقَلَتْ القول عن احد الدبلوماسيين العرب: "بعد سنتين خدمة في صنعاء اكتشفتُ إنني حُمار", مستدركاً: "في المساء نتفق على حلول مع الأفرقاء وما إن يأتي الصباح حتى نكتشف إننا لم نتفق على شيء", هذا الإستدراك للدبلوماسي العربي هو واقع حال اليوم, فنحن أمام عقول تحجرت فشلاً: فشلت في إمتحان المرحوم الدكتور فرج بن غانم رئيس الوزراء(97 - 98) بتفضيلها 150 فاسد على الوحدة, وفشلت برفض توصيات لجنة (باصرة-هلال) في2007 بها كان يمكن إحتواء الحراك قبل رفع مطلب الإنفصال, فالغَلَبَهْ للفساد عند عقول يعربد الفيد في نفوس أصحابها, عقولٌ أفشلت كل جهد سابق وسَتُفشل أي جهد لاحق أكان حوار أو غيره .. فنحن أمام معضلة لا رادَّ يوقف عربدت أصحابها سوى تدمير تابوهات الشيخ وتؤمه الأفندم, وإزاحت السلاحف المحترقة والديناصورات المحنطة من المشهد نهائياً, حينها وحينها فقط, يمكن للمراهنين على الحوار الخروج بنتيجة, أما دون ذلك, فأن كل ما يُعتمل ليس سوى حَرثٍ لبحر, وأن الجميع في طريقٍ لفُراق.