دائما لا يرثى الانسان إلا الأشخاص القريبين منه خاصة أن الرثاء لا يخرج من الانسان بشكل مجاني كما قد يحدث مع المدح. بالأمس فقدنا أحد رجالات المحافظة الذين ساهموا في نهضتها ووضع أسس تنميتها. في الأحد الماضي ذهبت لتشييع جنازة العم المهندس محمد عيدروس علي، لم اتفاجئ بالأعداد الكبيرة التي حضرت لوداع هذا الرجل الإنسان، وبعد خروجي من المقبرة قال لي صديق: نحن لا نبكي فقدهم بقدر ما نبكي أنفسنا في الفقد . وأكملت: نعم نحن نبكي أنفسنا، قبل أن نبكي أولئك الذين شيدوا صروحًا ومنجزات ومواقف كبيرة. كل واحد من هؤلاء الكبار له منجزه العظيم وحضوره الكبير، وعندما نتصفح اوراق التاريخ ونقرأ، نجد أن منجزهم يفوق الخيال، لا لأنهم يختلفون عن البشر، بل لأنهم أرادوا أن يكونوا كبارا بأفعالهم ومواقفهم.. ومنهم الاستاذ الكبير محمد عيدروس علي السليماني. غير أن هذا الرجل مختلف عن الآخرين، بشكل كبير، رجل عصامي، صنع من اللاشيء شيئًا. في شبوة وحضرموت والمهرة وإلى الآن وغداً يتذكر ابناء هذه المحافظات مواقفه الإنسانية خلال فترة توليه منسق التنمية الريفية التي سخر فيها كل امكانياته لمساعدة المزارعين والمساكين.. قبل ذلك يقول من عاصروه انه لم يفرق في يوم من الأيام بين انسان وآخر، كان يعامل من معه على أنهم إخوة وأبناء، لذلك أحبه الكثيرون، وتعلموا أن كل شيء يمكن أن تحصل عليه، إلا الحب، فعندما يحبك الناس.. يكون هذا المنجز الأعظم الذي يبقى لك في الحياة، يذكرك الآخرون بين حين وآخر، وهذا الحب هو أحد ما ميز هذا الرجل العملاق عن الكثيرين.. ففي يوم وداعه كانت شبوة واقفة على دمعة وساق. بعد كل ما سبق: اتساءل هل الكبار يرحلون؟.. هل الأرض تنسى وفاء ابنها؟ هل الفقراء ينسون يدا امتدت لهم طوال حياتها بالخير؟ هل ينسى المزارعون قلب الكبير المعين؟ هل ينسى الأيتام.. تلك الأصابع التي تمسح تعبهم ودمعهم؟.. هل.. وهل.. وهل. بالتأكيد لا احد ينسى، الطائي من مئات السنين ومازال حديث الناس، وفي هذه المحافظة نتذكر كل يوم كبارا رحلوا... وغدا لن ينسى أحد تاريخًا إنسانيًا وشبوانيًا اسمه محمد عيدروس علي (رحمه الله). لذلك أقول: محمد عيدروس لم يرحل.. لأن الكبار لا يرحلون. علي الخليفي