تقرير: محمد فهد الجنيدي دخل جنوباليمن في واقع مظلم هو الأسوأ بمراحل من نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح سياسيا وخدماتيا وأمنيا، وبات مايعرف بالقيادات الجنوبية التي كانت تتوعد بنظام العدل والمساواة والقانون هي المعرقل الرئيس لنهضة الجنوب. لم تشفع أربع سنوات من الحرب في الجنوباليمني بتلاشي الفوضى وسد الثغرات خصوصا في العاصمة المؤقتة للبلاد "عدن" ، بل إن الوضع يزداد سوءاً وتعقيداً. من يعرقل الجنوب؟ عدن تُذبح بأيادٍ جنوبية هكذا لخص السياسي الجنوبي عبدالكريم السعدي واقع الجنوب وعاصمته الذي كان يحلم الجنوبيون بها في حين الإعلان عن قيام دولتهم وكذا اجاب على السؤال الذي لم يلقَ اجابة منذُ أربع سنوات، إذ أن المتسبب الرئيس في نهضة الجنوب سياسيا وامنيا وخدماتيا هي القيادات الجنوبية. ويبدو مؤكداً أن سوء الإدارة الجنوبية والارتزاق للخارج كانا سبيين رئيسيين لما آل إليه الجنوب فيما بعد حرب العام 2015، حيث بات الجنوب متشظيا يبحث عن مخرج لأزمته، إلاّ أن المتسلطين على المشهد يأبون التراجع عن الأخطاء ويكررونها ببجاحة، وبالتالي فإن إنتهى الأزمة العاصفة مستحيلة في وقت قريب. الأخطاء المتكررة من القيادات الجنوبية أمنيا وخدماتيا وسياسيا أفشلت التجربة الجنوبية، وهي متمثلة أمنيا في عدم توحيد القوات المدعومة من التحالف وتكرار اخطائها بشكل مستمر حيث استبدلت حماية المواطن بالبلطجة عليه، وسياسياً احتكرت الجنوب في شخوصها وباتت تتصارع فيما بينها لتمثيل الجنوب، أما خدماتيا فهي دوماً ماتفشل عمل الحكومة إما بدعوات اسقاطها او بالتحريض المستمر عليها، وصولاً الى منع بعض الوزراء من الوصول الى عدن وعرقلة مهامهم حتى داخل المدينة. وقتلت هذه الأخطاء في نهاية المطاف والتي لاتزال مستمرة ولا أفق يلوح بانتهاؤها الحُلم الجنوبي في استعادة الجنوب او حتى استعادة المواطنين لخدماتهم الأساسية. حُلم يتلاشئ من استعادة الجنوب بدأت القصة بعد انتهاء الحرب، حيث كان معظم الناس المطالبين بإستعادة الجنوب يقرون بأن دولتهم آتية بلا شك كون الجنوب بات في أيادٍ جنوبية، لكن ذلك الحُلم سرعان ماتلاشئ بعد مرور سنوات، واليوم لم تعد قضية الجنوب هي الأهم بل بات الناس يطالبون بخدماتهم الأساسية إستقرار ومعيشة كريمة ليس أكثر من ذلك. وعلى الرغم من أن الطلب بسيط ولا يتطلب جهدا نتيجة الدعم الدؤوب الذي يوليه تحالف دعم الشرعية في قطاع الأمن إلاّ أنّ القيادات الجنوبية لم تلبي ذلك أيضاً وباتت هي المعرقل للإستقرار. ويقول مواطنون انهم صبروا بما فيه الكفاية عام تلو آخر لكن لم يجدوا أي تحسن أو تغيير، بل إن الأخطاء تزداد بشكل شبه يومي وهو مايتطلب وقفة جدية لوقف الأعمال العدائية ضدهم خصوصا في مجال الخدمات. ودعا المواطنون القيادات الجنوبية الى ترك الاقتتال السياسي فيما بينهم وعدم جعل المواطن ضحية صراعات لاشأن له بها لامن قريب ولا من بعيد. هكذا تحول الجنوب الى ساحة صراع ويرى مراقبون للشأن اليمني، بأن تحالف دعم الشرعية في اليمن كان سبباً في إنحراف القيادات الجنوبية من الثبات على مواقفها إلى تخبط في مواقفها إلى جانب حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي. وكان التحالف العربي يضم المملكة العربية السعودية ودولة الإماراتوقطر والسودان قبل أن تخرج قطر من ساحة المعارك العسكرية إلى تحريك الأدوات المحلية نتيجة مقاطعة الرباعي العربي لها وهي السعودية والإمارات ومصر والبحرين وهو ما اخرجها من هذا التحالف. هذا التحول المفاجئ غير المشهد الجنوبية تماماً حيث تساقطت أقنعة القيادات الجنوبية وتوزعت مابين الدوحة وابوظبي والرياض وكذا حكومة الرئيس هادي وباتت كل جهة منهم تحرك ادواتها المحلية في الجنوب ضد الآخر لزعزعة الأمن والإستقرار. وتمول هذه الجهات الأربع قيادات جنوبية بارزة تتحكم بالمشهد الجنوبي تحت غطاء القضية الجنوبية، وبات الجنوب اليوم ساحة صراع لهذه الأدوات. وعلى غير المتوقع سقطت هذه القيادات الجنوبية في وحل التبعية والقوى الإقليمية بسهولة وجعلت الجنوب التي توعدت بقيام دولته وبناءه على العدالة والمساواة مرتعا للفوضى. نضال مقابل مناصب وذهب نضال استمر لنحو سبع سنوات في ليلة وضحاها بعد إنطلاق عاصفة الحزام التي قادتها المملكة العربية السعودية في اليمن لدحر جماعة الحوثيين، حيث كشفت الحرب التبعية العمياء للقيادة الجنوبية التي طالما هتفت واوهمت الناس في الجنوب بقرب الاستقلال ودعتهم للخروج من اجل التظاهر. كما كشفت هذه الحرب بأن القيادات الجنوبية كان يهمها مصالحها الشخصية التي تتمثل في الحصول على مناصب وتقاضي الأموال على الجنوب وشعبه. ولم تكن هذه القيادات مجبرة على تغيير مواقفها إلاّ أنّ المال الذي قدم لها أفسدها وباتت اليوم تفسد الجنوب دون أدنى إحترام لمن قتل وجرح منذُ انطلاق الثورة الجنوبية، بل بات اليوم لديها قوى على الأرض توالي مُموَّلوها تمارس القتل لمواطنين عزل دون اي مسوغ قانوني. مابين صالح والجنوب تكررت مأسي القتل في الجنوب والاعتقالات القسرية على غرار ماكان يفعله نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بالحراكيين آنذاك، لكن هذه المرة كان القتل والفوضى بأياد تدعي حرصها على الجنوب. واظهرت القوى الجنوبية المتسلطة على الجنوب حكماً هو الأسوأ بأضعاف المرات من نظام صالح الذي كان لايمس من يخرجون ضده، كما ان الخدمات كانت متوفرة وكذا كان الجنوب ينعم باستقرار في عهده، على غرار المتحكمين اليوم بالمشهد الجنوبي الذي لم يسلم منهم المواطن المسالم الذي لايخرج ولا يوالي احد، فضلا عن ان المواطن الجنوبي اليوم لم يعد ينعم بإستقرار ولا خدمات، وهو مايؤكد ان نظام العدل والمساواة والقانون كان كذبة مررتها القوى الجنوبية طوال اعوام من اجل التحكم بالمشهد ولجم الاصوات كافة بل حتى لمن لايظهر صوته الى العلن. لا تسليم للجنوب إلى ذلك يرى المحلل السياسي الجنوبي، عبدالسلام عاطف جابر أن انهيار الشرعية او موت الرئيس هادي لايعني أن التحالف سيسلم السلطة للجنوبيين في الجنوب. وعلى الرغم من مشروع التحالف العربي الواضح في استعادة الشرعية والتشديد على وحدة اليمن الا ان مكونات جنوبية مثل الانتقالي الجنوبي الذي نشأ حديثا، وادعى تمثيل الجنوب يدعم التحالف وهو مايثير استغراب واسع. واضاف جابر: انتظار المجلس الانتقالي الجنوبي انهيار السلطة الشرعية أو موت الرئيس هادي ليس نضال كما أن انهيارها لايعني أن التحالف سيعطيهم السلطة في الجنوب. وتابع جابر: بل لايعني أن التحالف يستطيع السيطرة على البلاد في حالة انهيار السلطة المهترئة ولن يكون هناك متسع من الوقت لمصالحة سياسية تمنع الصوملة. اعتراف من جانبه اعترف القيادي الجنوبي عبدالرحمن الوالي، ان الحراك الجنوبي وهو فصيل يطالب ايضا بانفصال الجنوب عن الشمال ويدعي احقيته للتمثيل، اعترف بأن هناك قوى إقليمية عملت بالمال والاعلام على اختراق الحراك الجنوبي. وقال الوالي إنه لايتفق مع من يقول ان الحراك الجنوبي فشل، موضحا، ان ذلك اكذوبة، ومؤكدا في ذات الوقت ان الحراك وشعبه اوصلوا قضيتهم الى العالم بالاصرار والتضحيات. وأشار إلى إن هنالك": قوى إقليمية ودولية عملت ولاتزال بالمال والاعلام والقوة على اختراق الحراك وزرع وشراء ضعفاء النفوس ولكنها كما نرى فشلت، ونرى ان كل من يعمل ضد الاستقلال سيفشل ، وموعد الفجر قريب.