وأنا امشي في الطريق سمعت صوتاً يردد بيت شعري قائلاً لا عدل إلا ان تعادلت القوى وتصادم الإرهاب بالإرهاب لفت نظري هذا الكلام واستقر في ذهني بسرعة لألتفت نحو القائل فوجدتهُ مجنوناً بقرب برميل القمامة حالته حاله ثيابه متسخة جداً يبحث عن بقايا طعام. تقدمت نحوه وبدأ بمخاطبته قائلاً له : وإذا التعادل ما ارتضت فيه القوى وتحالف الإرهاب بالإرهاب فقال لي : شوف لك حل . ظننت ان ذلك الرجل لم يكن مجنوناً وقد يكون شخصية استخبارات ولكن اتضح انه مجنون بالفعل والكلام الذي قاله ولفت نظري إليه جاء مجسداً للمثل الشعبي القائل خذو الحكمة من افواه المجانين . في أي بلد يعاني من صراع داخلي وإرهاب بسبب وجود عدة قوى سياسية وعدة إطراف إرهابية ، فممكن ان تستخدم طريقة بناء دولة بما يحقق توازن شامل واستقرار تام عبر اشراك جميع قوى البلد بنسبة متعادلة في السلطة كي يشارك الجميع في خدمة الوطن وينجح مشروع الدولة العادل بين الكل وينتهي اي صراع داخلي ويتحقق سلام شامل عادل . وايضاً استخدام طريقة لمحاربة الإرهاب عبر تصادم طرف إرهابي بطرف آخر بما ينهك الطرفين ويضرب عصفورين بحجر وينتهي الإرهاب داخل البلد. لكن عندنا في اليمن لن تنجح طريقة إشراك جميع القوى بنسب متساوية داخل السلطة لكي ينتهي الصراع ويتحقق الاستقرار والتوازن ومشروع الدولة القوي والناجح وذلك لسببين: الأول : ان هناك عدة قوى لا تؤمن بمبدأ الشراكة والتعاون والتكامل في خدمة الوطن والاقتناع بما حصلت عليه ، فهدفها الحصول على الكل وسعيها نحو السيطرة التامة داخل الدولة لوحدها ، فتستخدم طريقة الإقصاء والتهميش ومحاربة الآخرين داخل السلطة مما يجعل عملية الشراكة تؤدي لصراع داخلي متواصل يسعى فيه الطرف لافشال الطرف الآخر لتفشل الدولة كافة وتعجز عن تحقيق الهدف العام للوطن والشعب تصبح مجرد مشروع ذو نزاع داخلي دائم يتعامل مع ساحة شعبية ذو مماحكات وانقسامات تابعة للاطرف وذو رأي عام شعبي مستاء من اداء الدولة وغاضب عليها. السبب الثاني: ان الإطراف الإرهابية في اليمن ذكية جداً ، لا يستطيع احد ان يجعلها تتصادم مع بعضها ، رغم الخلاف الفكري بين تلك الإطراف والمشاريع التي تؤمن بتفرد كل طرف بالحكم وعدم اشراك الطرف الآخر ، إلا انها تتحد لمواجهة الدولة وتتعاون في محاربتها وتتحالف ضدها بطريقة خفية تؤدي لمحاربتها من الداخل والخارج. فتلك الإطراف الإرهابية تعرف انها مستهدفة معاً فيفسح كل منهما المجال للآخر ويتحالفان بما يجعل كل منهما محافظ على الاخر وبما يستهدف إضعاف الدولة بمحاربتها من الداخل في مناطق سيطرتها ومن الخارج في مناطق سيطرة الانقلاب عليها. وهنا اعتقد ان الحل يأتي عبر تحالف بعض القوى ضد البعض الآخر بما ينتج عنه تحقيق توازن واستقرار ووجود مشروع دولة قوي يضمن بقاءه بشكل مستمر بما يضمن تحقيق العدل والسلام والتوازن والتنمية بصورة مستمرة ودائمة في المستقبل. هناك طريقتان لتحقيق التوازن في اليمن عبر تحالف بعض القوى ضد بعض. الطريقة الأولى : تحالف شامل عام . وذلك من خلال ترجيح كفة من القوى ضد البعض الاخر باعتبار اليمن حالياً لديها سبع قوى وهي كالتالي: 1- مؤتمر هادي 2- مؤتمر صالح 3- حزب الاصلاح 4- الجماعة السلفية 5- الحراك الجنوبي 6- جماعة الحوثي 7- عدة أحزاب يمينية ويسارية كالاشتراكي والناصري بالإضافة لبعض شخصيات وقيادات مستقلة لها تأثير مجتمعي وهذه جميعها تشكل قوة واحدة. هذه القوى اذا تحالف اربعة إطراف منها ضد ثلاثة انتهت الثلاثة الأخرى وفشلت و تحقق التوازن والاستقرار داخل اليمن ككل ، وهذه الطريقة في ظل الوقت الحالي تفرض الحسم العسكري والتحرير الشامل . الطريقة الثانية : طريقة مجزأة مناسبة لكل منطقة حسب وجود الصراع فيها ، وهذه الطريقة يجب ان تتم في حالة وجود صلح سياسي وعدم تحقيق الحسم الكامل . وذلك عبر التعامل في ثلاث مناطق باليمن لعقد تحالف بين قوى كل منطقة بما يؤدي لتحقيق التوازن والاستقرار . المنطقة الأولى : جنوباليمن . وفي هذه المنطقة توجد خمس قوى كأطراف وكيانات وثلاث قوى كقوى مناطقية . قوى الخمس الإطراف هي : 1- مؤتمر هادي 2- الجماعة السلفية 3- المجلس الانتقالي كجزء من الحراك الجنوبي ,4- الحراك الجنوبي الوطني المتخلي عن الانتقالي ومشروع الانفصال وله قاعدة واسعة في الجنوب تتمثل بابناءه الذي يهمهم مشروع دولة ناجح أياً كان ويرون ان مشروع الانفصال لم يعد مطلوباً بعد انتهاء الطرف الذي كان سبب في مظلومية الجنوب وحرف الوحدة عن مسارها . 5- حزب الاصلاح هنا إذا تحالفت ثلاثة إطراف ضد اثنان انتهى وفشل الطرفان الآخران و تحقق التوازن والاستقرار في الجنوب.
الثلاث القوى المناطقية هي 1- حضرموت 2- أبين 3- الضالع اذا تحالفت واتحدت قوتان ضد الثالثة انتهت وفشلت الثالثة. المنطقة الثانية : المنطقى الوسطى الشاملة لمحافظات تعز وإب والحديدة وريمة والبيضاء ومأرب . وفي هذه المناطق هناك خمس قوى بارزة كأحزاب مما يعني ان الصراع في هذه المنطقة هو صراع حزبي. الخمس القوى هي : 1- مؤتمر هادي 2- مؤتمر صالح 3- حزب الاصلاح 4- الجماعة السلفية 5- عدة أحزاب كالناصري والاشتراكي مضيفاً بجانبها قيادات وقواعد مستقلة . هنا اذا تحالف ثلاثة إطراف ضد اثنان انتهى وفشل الطرفان الآخران وتحقق التوازن والاستقرار ، مع العلم ان اي صلح سياسي يجب ان لا يتم الا بعد تحرير هذه المنطقة كلها عسكرياً وتصبح تحت سيطرة الدولة الشرعية. المنطقة الثالثة : المنطقة العلياء في شمال اليمن كمحافظة صنعاء وذمار وحجة وعمران وصعدة . هذه المنطقة توجد بها ثلاث قوى كأطراف سياسية وثلاث قوى كقوى قبلية. قوى الإطراف السياسية 1- مؤتمر صالح 2- حزب الاصلاح 3- جماعة الحوثي إذا اتحد طرفان ضد طرف انتهى الطرف الأخر . القوى القبلية هي : 1- قبيلة حاشد 2- قبيلة بكيل 3- السلالة الهاشمية اذا اتحدت قبيلتان ضد الثالثة انتهت القبيلة الثالثة وفشلت. هذه المنطقة هي منطقة الصراع الممتد نحو اليمن ككل والذي يجب حصر الصراع فيها ، كما ان اي تحالف لإطرافها لن يؤدي لتحقيق التوازن والاستقرار الدائم في هذه المنطقة بل سيكون مؤقت ومعرض للاختلاف والتصادم بين الإطراف المتحالفة. هناك ثلاثة إطراف في اليمن لا يمكن ان يكون التحالف معها ناجحاً بما يبني دولة ناجحة مستمرة غير مهددة بالانهيار المستقبلي وتوازن واستقرار داخلي دائم غير مهدد بالانفجار ، وذلك بسبب ان هذه الإطراف مرتبطة بمشاريع خارجية تعتبر اليمن مشروع دولة خاص بها كجزء من مشروع دولة خارجي ولا تؤمن بوجودها في اليمن وشراكتها كجزء من مشروع دولة عام يضم جميع الأطياف الأخرى. هذه الإطراف هي : 1- جماعة الحوثي التابعة لمشروع إيران ذات المعتقد الفكري بأحقية الدولة كمشروع عالمي. 2- حزب الإصلاح التابع لجماعة الاخوان ذات المنهج الفكري لإقامة الجماعة لدولة خاصة بها كمشروع عالمي. 3- انتقالي الجنوب المتوارث لبعض فكر سابق مستورد من الاتحاد السوفيتي كان في جنوباليمن قبل الوحدة دولة تتبع مشروعه . انا اعتبر انتقالي الجنوب اقل خطورة بسبب انه لم يستخدم الدين كمعتقد لتولي الدولة ولم يعد متأثر بقوة بالفكر المنحرف المستورد من خارج اليمن والجزيرة العربية ، ويجب عليه ان يتخلى عن مشروع الانفصال والمتاجرة بقضية الجنوب ويكف عن المسار الخاطئ ويقف مع الدولة الشرعية الاتحادية التي فيها مصلحة الجنوب بشكل خاص واليمن كله بشكل عام ، مالم فإنه سيخسر الجنوب ويخسر نفسه .