رغم الفجر المشرق لأكتوبر المجيد إلا انه عجز عن إرساء قاعدة التدوال السلمي للسلطة في الجنوب فضلاً على انه لم يتمكن من تحقيق "الوفاق الجنوبي" ليضل المشهد السياسي في الجنوب على موعد مع حالات من الاحتقان والصراع ما بين فترة زمنية إلى فترة اخرى لتجد بذلك ثقافة الاقصاء مكاناً لها في الجنوب منذ 67م ليترتب على تلك الثقافة الكثير من الاخطأ التي تسببت في ضياع الجنوب بفعل "المراهقة السياسية" التي قادتنا في الاخير إلى باب اليمن. لو تأملنا الماضي بشكل دقيق جداً لادركنا ان احداث 68م واحداث سالمين واحداث يناير وحرب 94م وغيرها من الاحداث قد أسهمت بشكل واضح في حالة التشظي والشتات والتمزق الذي اصاب النسيج الاجتماعي الجنوبي ليصبح بذلك "الوفاق الجنوبي" مفقوداً بفعل كل تلك المراحل التي يتحمل اخطاءها الجميع دون استثناء ليصبح بذلك تحقيق الوفاق امراً يتطلب الانتصار على ذواتنا وماضينا المشوّه والأليم. ان انطلاقة الحراك السلمي الجنوبي لا تمثل مطالب الجنوبيين في استعادة دولتهم فقط لان تلك الانطلاقة تعني ايضاً انتصار الجنوبيين وتغلبهم على ذلك الماضي من خلال ايمانهم العميق بأن الوفاق الجنوبي والتصالح والتسامح يشكلان الاساس المتين للحركة التحررية الجنوبية والمستقبل المأمون الذي يتوق اليه كل جنوبي. اليوم وبعد كل التضحيات التي قدمها الجنوبيين وتغلبهم على الكثير من العوائق في رحلة البحث عن دولتهم عادت الى الواجهة اشكالية "الشرعية" التي تسببت في ضياعنا واصابت وفاقنا الجنوبي في مقتل بعد ان اصبح البعض يعتبر الاعتراف بشرعيته مدخل للوصول إلى "الوفاق الجنوبي" لتصبح القوى والمكونات الجنوبية على صفيح ساخن مابين الشرعنة لثقافات الماضي الشمولي البائد وبين حقها الثابت في التعبير عن رأيها ومشاركتها السياسية في الشأن الجنوبي دون اقصاء او تقزيم. يجب على من يجيدون التطبيل والتزمير للشرعية المفترى عليها ان يعيدون النظر في تصرفاتهم ومدى خطرها على الوفاق الجنوبي المنشود لأن الشرعية ينبغي ان تكون للشارع الجنوبي وليس لاحد آخر واصرار البعض على اعطاء الشرعية لجهة معينة امر مرفوض من اطراف اخرى. في الأخير : الرأي الواحد , اللون الواحد , الصوت الواحد , ثقافات انتهازية اقصائية يستخدمها البعض لا تُبشر بمستقبل مأمون بقدر ما تنذر بخطر حقيقي يحيط بنضال الجنوبيين.