كثر الحديث وتناولات كتّاب نظام صنعاء التي تعيب على القيادات السياسية الجنوبية مجاراتها لمزاج الشارع الجنوبي كما يقولون ، قد يكون هذا الطرح صحيحاً عندما تكون حركة الشارع عفوية ومتعارضة مع مصالحه القريبة والبعيدة التي قد لا يدركها الإنسان العادي ، في هذه الحالة نعم ، على القوى السياسية أن لا تنساق وراء مزاج الشارع وعواطفه ، بل عليها العمل للحد من هذا الاندفاع من خلال تبصير الجماهير بأضرار هذا التوجّة على مصالحها وتطّلعاتها المستقبلية الى الحياة الحرة الكريمة المناط بالقوى السياسية قيادة المجتمع لتحقيقها .. أما تصوير ثورة الجنوب التي تقودها طلائع شعبنا بأنها عبارة عن مزاج عاطفي للشارع فهذا يمثل خطيئة جديدة أخرى تضاف إلى خطايا كتّاب نظام صنعاء تجاه الشعب الجنوبي وطلائعه الثائرة، والخطيئة الثانية مطالبة القوى السياسية الجنوبية للوقوف ضد الحراك السلمي الجنوبي .. هذا المنطق لا يمثّل قصوراً في الفهم عند اصحابه ، لكنه نتاج ثقافة ( عودة الفرع للأصل ) ، هذا الوعي الخاطئ جعلهم لا ينظرون للقضية الجنوبية من زاوية فشل وحدة الدولتين في مايو90م بل من زاوية ( عودة جزء مقتطع من اليمن الى وضعه الطبيعي ) مما يجعل قضية الجنوب في نظرهم قضية داخلية مثلها مثل قضية صعدة وتعز وبقية محافظات الشمال ، وهو المنطق الذي تحوّل إلى وعي وثقافة موجّهه من الأسر الحاكمة في نظام صنعاء .. من جانبنا نستهجن الاعتقاد بأن الحراك الجنوبي يمثل مزاج عفوي للشارع الجنوبي وستظل مشكلتنا مع نظام صنعاء ووسائل إعلامه هي عقدته ورفضه الاعتراف بحقائق التاريخ القديم والواقع الحديث لوضع الجنوب قبل الوحدة وبعدها ، وهو خلافاً في الوعي والثقافة بين الجنوبيين والشماليين .. من العيب أخلاقياً عدم الاعتراف بالمشكلة الجنوبية الناشئة عن وحدة ارتجالية الحقت بهم أضراراً بالغة شملت كل مستويات حياتهم وتدهورت معيشتهم مقارنة بوضعهم قبل الوحدة ، ومساواة ذلك أي ( مظالم الجنوب كما يقولون) بمظالم الشعب الشمالي الذي فرضت عليه دولة العصابات قبول المظالم والتعامل معها كأمر واقع .. القول أن الظلم واقع على الجميع في الجنوب والشمال هي مغالطة وقحه يحاولون بها تجاهل تشخيص الفرق الباين بكل وضوح على مستوى حياة ومعيشة الشعب الجنوبي ... لنقارن مقارنة واقعية بين ما طرئ على حياة الشعب الجنوبي والشعب الشمالي أيضاً بعد إعلان وحدة بين دولتيهما ، الشعب الجنوبي كان يعيش في وضع معيشي مقبول ويطمح الى الأفضل ، لكن الوحدة جاءت نكبة عليه أوصدت كل الأبواب في وجهه ورمي به الى الشارع وحرم حتى من الوظيفة العامة وارتفعت أسعار المواد اضعاف مضاعفة وانهار سعر العملة وانكرت عليه خصوصيته وأصبح يساق للصهر والاستعباد ، والشعب في الشمال كان يعيش حياته على بركة الله لكنه يواجه إذلال بقوّة القوى المتنفّذة ، وجاء إعلان الوحدة مع الدولة المجاورة ( الجنوب ) ليفتح له أبواباً عديدة لتغيير مستوى حياته الى الأفضل ،. اما قوى الهيمنة والاستعباد الشمالية فبعد أن شنّت الحرب واحتلت الجنوب أنصب اهتمامها في نهب ثرواته واعتباره كنز لا يفنى لتلبية أطماعها الى جانب توجهها لتصفية أحقادها مع الجنوبيين انطلاقاً من وضعها الاحتلالي وشعورها بإمتلاك وسائل القوة من جانب ومن جانب آخر تدفع بكتّابها لتبرير مأساة الجنوبيين بقولهم :- كلنا نعاني من الظلم في الشمال والجنوب ، أما الوحدة فهي من الثوابت الوطنية التي سنضحي في سبيلها ولن نسمح لكم بالانفصال ودي ماعجبته الوحدة يشرب من البحر !!! ماذا نسمي هذا الوضع ومن هي القيادات السياسية الجنوبية التي تريدونها تقف ضد الشارع الجنوبي وتساعدكم على اذلاله ؟؟؟ لن تجدوا في الجنوب هذه القوى التي تستنجدون بها ضد الشعب الجنوبي المناضل .. إن محاولة خلط الأوراق وتصوير الأمور بعكس ما يجري في الواقع لا يغير الحقائق الساطعة بل تتحول الشكوك الى يقين بشأن التوجّه الممنهج ضد شعب بأكمله .. فأي شراكة وأي وحدة هذه ؟؟؟؟ أنه استعمار همجي بغيض لن يقبله شعبنا وقياداته السياسية .. عودوا الى الماضي واسألوا أنفسكم ... بعد أن غرس في الوعي الاجتماعي الجنوبي حب الوحدة وتحول الى شعار يردد في كل قطاعات الشعب الجنوبي صباح كل يوم ... ماذا حدث للجنوبيين اليوم ؟؟ لماذا أصبح الجنوبيون يكرهون أن يطلق على بلدهم أسم الجنوب اليمني ، وأصبح الكل ينادي باسم الجنوب العربي !! هل هذا التحوّل مجرد مزاج الشارع ؟؟ كتّابكم الذين يتبارون ليقنعونا بواحدية الأرض اليمنية والشعب اليمني بل والثورة اليمنية والتراث والتاريخ .. الخ ،. وبإعادة تحقيق الوحدة اليمنية لقطر موحّد وشعب موحّد فصله الاستعمار البريطاني والتركي ، وبخروج المستعمرين أعيد لقطر اليمن وحدته وللشعب لحمته !!! ماذا يمثّل هذا الطرح ؟؟ هل تعتقدون أن حبنا السابق للوحدة قد اوصلنا الى عدم الاعتراف بحقائق التاريخ الانقسامي وموروثاته ؟؟ لا يا سادة الغنائم .. هذا الطرح زاد من خوف الجنوبيين ويقينهم أنهم مقبلين على عملية صهر وتذويب في المجتمع اليمني واضمحلال هويتهم الجنوبية وعدم الاعتراف بأي خصوصيات وحقوق وغيرها، وهذا ما عبّر عنه رموز نفوذ صنعاء وعلمائهم وأبواقهم الإعلامية التي لا زالت لها السيطرة الكاملة على وسائل الإعلام اليمنية .. نعتقد أنه من المستحيل بعد الآن قبول أي علاقة تربط الجنوب بالشمال في ظل بقاء رموز النفوذ والهيمنة ، وطالما ظلّت عقلياتهم متشبّعة بوعي ( الفرع والأصل) وبرفض الاعتراف بحقائق التاريخ الانقسامي وما افرزه على كل المستويات . عند اجتثاث هذه الرموز وهذا الوعي العدائي تجاه الجنوب وشعبه عندها يكون لكل حدث حديث ... عليكم التفريق بين المزاج العفوي للشارع وبين الثورة التي تحدد أهدافها بالتحرر من الاستعمار وبناء المستقبل الواعد لشعب الجنوب وتسير وفق رؤية سياسية ناضجة .. أخيراً نحن الجنوبيون فخورون بأن ثمن مأساة دخولنا في وحدة مايو90م قد جاء بثورة تحرر الجنوب وتبني دولته المستقلّة من ناحية ومن الناحية الأخرى تمثّل زلزالا يجتث قوى الهيمنة والنفوذ والتسلط في الشمال عاجلاً أو اجلاً .. سينتهي حكم الاسرة والقبيلة والعسكر والمذهب ، هذه هدية الشعب الجنوبي التي ستحقق تطلعات اخواننا المغلوبين على أمرهم في الشمال عبر إشاعة ثقتهم بأنفسهم بالقدرة على تغيير الواقع كما فعله الجنوبيون ، فهل يعترف اخواننا مستقبلاً بأن إزالة هذا الوضع كان بفضل الرياح الجنوبية التي يوجّهها شعب يعشق الحرية ويضحي لتحقيقها ، وبفضل رياح التلاقح انتقلت هذه الروح الى الشعب الشمالي العظيم وتحققت مرة أخرى مقولة الشهيد جميل جمال في ميدان الإعدام بصنعاء ( حبلت وستلد ) .