الطفولة، الذكريات المعاشة في كنف البهاء، نسائم الصباح العليل، وعبق الأيام الشجية.. ها انا على جادة الواقع اعود راغباً لطيف أيام شكلّت علامة فارقة في سنين عمري، اعود إلى حيثما ترعرعت في الصِبا وغديت يافعاً، شاباً ناضجاً أو هكذا اخال نفسي; اعود لاُصّلي على الأطلال وأقف على محراب الذكريات، يصاحبني الحنين ومالاكته فيّ تقلبات الحياة، لتصنع مني رجل ترجّل بين موقف وآخر منذ كان طري العود وحتى بات صولجانياً كحجارة الدار.. انا الكامن في جادة الحنين، تغدقني رائحة الذكريات: بقايا القصب المتناثر، ورائحة التراب المبلل بالمطر ، الطامر للحجارة المتراصة، التراب الموشوم بأنامل جدتي منذ "محضِته" صبيةٌ كانت.. وها اعمد السقف تتناسل الحكايات، فكل عمود يحمل رسوم امنية صعدت نحوه تروم ابعد من فضاء داره، ولكل حجر في الجدار قصة نسجت في ليل الريف الحميم، ولكل قشة على الأرض رحلة، كإنما المكان يشكل مزيج فسيفسائي لمكونات القرية التي اعتصرت وتخللت تكوين الدار العتيق بتفاصيله المتناهية، ولو كان للأبواب ألسن لتحدثت عن اعتناء جدي الشغوف بنجارتهم، ولكانت الحجارة تحدثت عن إلمامه برصفها ليتشكل بناءٍ متماسكٍ أمام الطبيعة وتقادم عقود الزمن، ومنه يسكب جدي تعلقا فينا لنظل نحمل ذات الوفاء والعناية لكل بقعة مضمخة في ارواحنا، وفاء وعناية لذواتنا ولإرث أجداد صنعوا تاريخا يناسل عراقة ووجدانية المكان وأصالته.. *الصورة من منزل المرحوم جدي/ حسين بن حسين في مسقط الرأس #ردفان