أن تجد النساء المحتجزات في اليمن آذانا صاغية لما قد يشغلهن ومصدرًا للأخبار عن العالم الخارجي لهو طوق نجاة بالنسبة لهن. وهي مهمة تقوم بها السيدة اعتدال عبد الناصر المتطوعة في الهلال الأحمر اليمني منذ سنوات طويلة. استمعت "جسيكا بيري" من اللجنة الدولية لحكايتها. فعلى أرض يصعب فيها الصفح ما زالت هناك مساحة للإنسانية والرحمة. وهي قيم تقول عنها اعتدال عبد الناصر، المساعدة الطبية أنها تعلمتها صغيرة. تقول اعتدال البالغة من العمر 55 عامًا وهي جدة وتعمل متطوعة في الجمعية الوطنية للهلال الأحمر اليمني منذ زمن بعيد: "ثمة قيم أحاول دائمًا التمسك بها". هربت اعتدال التي تعود جذورها إلى عدن، والواقعة في ما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، مع زوجها وأطفالها الثلاثة عندما اقتحم شخص مسلح المستشفى الذي كانت تعمل فيه واحتجز موظفيه كرهائن لعدة أيام دون أي تواصل مع العالم الخارجي. حدث ذلك سنة 1986 أثناء وقوع نزاع ضارٍ استمر شهرًا ونتج عنه سقوط آلاف المصابين وفرار عشرات الآلاف من ديارهم. تتذكر اعتدال هذه الأحداث قائلة: "كانت حياتنا في خطر ولم أكن أفكر سوى في أولادي... فقد تركنا كل شيء وراءنا، بيتنا، ممتلكاتنا، كل شيء. واضطررنا للسير على الأقدام عبر الجبال طوال 15 يومًا للوصول إلى بر الأمان". وتعيش اعتدال حاليًا في العاصمة اليمنية صنعاء منذ 27 عامًا. وهي متخصصة في التدريب على المهارات المهنية والإسعافات الاولية لدى وزارة الصحة، وما زالت في الوقت نفسه تعمل بإخلاص كمتطوعة في الهلال الأحمر. وأسرت قائلة: " العمل التطوعي ليس سهلًا إلا أنه يَجْرِي فِيّ مَجْرَى الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ". قدمت اللجنة الدولية بين عامي 2001 و 2012 دعمها إلى برنامج التدريب المهني للنساء المحتجزات، يشمل محو الأمية وتعليم القراءة والكتابة والمهارات الأخرى مثل التطريز، وأشرفت عليه اعتدال في إطار عملها كمتطوعة في جمعية الهلال الأحمر اليمني حيث كانت تحمل أيضًا رسائل للسجينات من أسرهن، وتصغي لمشاكلهن وتنظم توفير الدعم النفسي للمعرضات منهن لخطر الانتحار. علاوة على تدريب موظفي السجن على الإسعافات الأولية. وتشرح قائلة: "تزج النساء في السجون لأسباب عديدة... قد يكون منها السرقة أو القتل ولكن في كثير من الأحيان يكون البؤس الناتج عن تصدع الأسرة أو لأسباب أخرى. ومن الصعب لغرباء فهم ذلك، إلا أنني استطعت من خلال الحديث إلى الناس على مدار سنوات رفع الوعى بهذه القضايا التي تنطوي عليها هذه المسألة." يوجد في صنعاء إلى جانب السجن المركزي، مركز ترحيل يحتجز فيه المهاجرون المحتجزون، من النساء والرجال، استعدادًا لترحيلهم لبلدانهم الأصلية. يزور المركز بانتظام فريق تابع للجنة الدولية يضم طبيبًا لتوفير المشورة الطبية والمواد الغذائية ومستلزمات النظافة للمحتجزين. وللعمل التطوعي الذي تقوم به اعتدال دور رئيسي في تنظيم توزيع الإمدادات والإشراف عليها. وهناك أيضًا التقت ب"شيرين حنفية" مندوبة اللجنة الدولية المسؤولة عن برنامج دعم المهاجرين وهما تعملان معًا بشكل وثيق منذ ذلك الحين. لم يكن التفاهم القائم بين السيدتين بحاجة إلى كلمات، فقد جلستا جنبًا إلى جنب أثناء هذا اللقاء حيث كانت شيرين تقوم بترجمة حديث اعتدال. وفي لحظة ما توقفت اعتدال عن الكلام بعد أن غلبتها المشاعر ثم أردفت قائلة وهي تعانق شيرين :"هذا الحديث يعود بي 20 عامًا للوراء". خصصت اعتدال حجرتين في منزلها في صنعاء للمحتجزات السابقات اللاتي لا يجدن مكانا يأوين إليه بعد الإفراج عنهن وخروجهن من السجن. وتقول مداعبة: " أسميه مركز العبور الخاص بي... فأحيانًا ما أستضيف فيه فتاة لعدة أشهر أثناء سعيها للحصول على عمل والاندماج في المجتمع من جديد". كان لهذا التفاني للآخرين ثمنه. تشير اعتدال لذلك قائلة: " عشت حياة رائعة، إلا أنني كنت أصطدم أحيانًا بالواقع وأتساءل: ماذا قدمت لنفسي طوال هذا الوقت؟ وينتابني شعور بالوحدة في هذا العالم". جاءت كلماتها أثناء اللقاء لتعبر عن قناعاتها : "أتمنى أن تحيا كل امرأة في العالم حياة مستقيمة وكريمة وشريفة... فأيًا كانت المشاكل التي تواجهها النساء، فعليهن الصمود". هذا هو ما تؤمن به اعتدال إلى جانب قيم الإنسانية والتعاطف التي تحملها معها منذ نعومة أظافرها.. ويكشف عنها وجهها كلما ارتسمت عليه ابتساماتها.