ليس من المستغرب أن تبدو تفاعلات الجمهور الجنوبي مع حدث إتفاق الرياض شديدة السخونة، فذلك لكون الإتفاق قد جاء بعد أن سادت أجواء عاصفة وتحدي خطر بين قوات المجلس الإنتقالي الجنوبي وقوات حكومة الشرعية، وارتفعت درجته إلى حد تلويح كل طرف بكسر الأخر. مما دفع الأشقاء في المملكة العرببة السعودية بالسعي لإحتواء الازمة وتسوية الخلاف واستدعاء طرفي الصراع للتفاوض على طاولة الحوار في مدينة جدة، وحينها كان توقع البعض أن التوفيق بين طرفين لا يمكن التوفيق بينهما، مهمة غاية في الصعوبة ولكن التجربه أثبتت أن المجلس الإنتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية ليس ضدان لا يمكن أن يجتمعا، فكانت استجابتهم لدعوة السعودية دليل على ترجيحهم للعقل والحكمة من أجل تطويق تلك الازمة الخطرة. ويمكن القول أن أخبار التوقيع على إتفاقية الرياض قد إستحوذت على إهتمام جميع الوسائل الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، فتنوعت التحليلات واختلفت بعض الآراء التي تحوم حول مخرجات إتفاق الرياض وبنوده، وربما أثار ذلك الجدل الواسع بعض التوجسات حول صعوبة تطبيق بنوده على أرض الواقع، ومع ذلك فقد عبر الشارع الجنوبي في مجمله عن الرضا، وساده شبه إتفاق على قبول مخرجات إتفاق الرياض، والذي يمثل محك عملي بالنسبة للمجلس الإنتقالي الجنوبي ليشارك في إدارة المحافظات الجنوبية ويكتسب خبرات ويخوض تجارب عميقة، فهذه المرحلة عليه عبورها بإرادة صلبة ونزيهة لتنعم المحافطات الجنوبية بالطمأنينة وتشهد تحسن ملحوظ في مختلف ميادين الحياة، ويستمر المجلس في نضاله السياسي لنصرة قضيته الجنوبية العادلة. على العموم، تبقى المهمة الصعبة وهي الخروج بنصوص وأحرف الاتفاق الموقع عليه في العاصمة السعودية الرياض إلى أرض الواقع، وتحويل الحبر الذي رسم على أورقها إلى عزيمة تملأ النفوس بإستقامة العمل، وإلى أيدي تمتد لطلب التكاتف وقبول الآخر وتصحيح المسار، من أجل بلورة اهداف ذلك الإتفاق، وتحقيق غايتة السامية التي ستصب في إصلاح وترميم أوضاع البلاد المتردية، وتخفف مما كابده المواطن لسنوات من جراء تدهور الأوضاع، فيستوجب على الحكومة الحالية الشروع بصرف جميع مرتبات الجيش والأمن التي توقفت منذ شهر أغسطس الماضي وبعد ذلك يتم السير في دمج جميع التشكيلات العسكرية لتنضوي تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع. كما يأمل المواطن عند تشكيل الحكومة الجديدة، الذي سيشارك فيها المجلس الإنتقالي الجنوبي وبعض القوى الجنوبية الأخرى، أن يتميز أداء عملها بالدقة والحزم، فالمبررات والحجج التي كانت غطاء لتقصير وتخاذل وفساد الحكومات السابقة قد أنتهت اليوم، لذلك يقع على عاتق الحكومة الجديدة إنتشال البلاد من حافة الهاوية من خلال تركيزها على تعزيز الأمن وتفعيل دور القضاء، والحد من العبث بالمال العام من خلال تعزيز دور الرقابة، ومنع البسط على الأراضي والمتنفسات، ومحاسبة كل من قام بتشويه جمال مدينة عدن وتطاول على معالمها التاريخية، والعمل على تحسين الخدمات الضرورية وتطوير التعليم والصحة وتفعيل دور جميع المرافق المعطلة.