هذا الحديث ليس في علم الرياضيات وإن استعار مفردتي عنوانه منها .. إنه حديث عن التفاضل والتكامل بين البشر في مجتمعاتهم ، وفي حياتهم .. فالله سبحانه وتعالى لم يجعل الواحد منا مجمع المواهب والفضائل بل فاضل بين الناس فأعطى هذا موهبة وعلم أو مهارة في شيء واعطى الآخر موهبة وعلم أومهارة في شيءآخر .. وهذا التفاضل هو الذي يخلق المجتمع المدني وعندما نقول الإنسان مدني بالطبع نعني أنه لا يستطيع أن يعيش وحده ولا يستطيع أن يستغني عن غيره ، لماذا لأنه غير قادر على القيام بكل شيء يحتاجه في حياته ، فهو إن كان يجيد الصيد فهو يحتاج لمن يجيد الزراعة وهو اذا كان يجيد الطبابة فهو يحتاج لمن يشيد البناء ويبني العمارة ، والله اذا أعطاه علم وفهم في علم من العلوم فهو يحتاج إلى شخص أو أشخاص يفهمون بقية العلوم الاخرى لأنه لا يوجد ولم يوجد قط انسان جمع كل المعارف والعلوم والقدرات والمهارات في ذاته حتى نبي الله سليمان الذي آتاه الله تعالى ما لم يؤته أحد من الناس .. نراه عليه السلام يحتاج لخدمات ومهارات وعلوم الآخرين فالقرآن الكريم يحدثنا أنه أحتاج لمن يأتيه بعرش بلقيس يقول تعالى :(( يا ايها الملا من يأتني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك واني علبه اقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ... )) فسليمان عليه السلام احتاج لغيره وطلب الاستفادة ممن أعطاهم الله مواهب وعلوم ومهارات ووجهوها حيث أرادوا وكان لهم ما أرادوا . وكون إن الإنسان يحتاج إلى غيره هي من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان ... إزاء هذه الحقيقة ماذا نحن فاعلون ؟ إن من الحكمة ان نعمل بها وأن نستفيد الاستفادة القصوى منها ، فما خلق الله هذا التفاضل إلا للتكامل بيننا .. والتكامل يسد ثغرة النقص فينا ... فنحن نذهب الى الطبيب لنتكامل معا نحن نحتاج ما لديه فيكمل نقصنا وهو يحتاج ما لدينا فنكمل نقصه ... وهكذا مع بقية ما يمكن تسميته بالمنافع المادية تجوزا . .. ولكن إذا نحن نظرنا إلى فئة النخبة والصفوة في المجتمع من العلماء والفقهاء والمثقفين والمفكرين ، والامراء والوزراء فسوف نجد أن لكل منهم فضيلة يتميز بها وسعة علم وبراعة في مجاله يفضل بها على غيره ، ويحتاجها غيره منه ، فعلماء الأصول يحتاجون لبعضهم للتشاور وتقرير مسائله وعلماء الاجتماع يحتاجون لبعضهم وكذلك علماء الاقتصاد والنفس والإنسان والتربية والقانون وغيرهم ،وهؤلاء ايضا يحتاجون إلى غيرهم ممن ليس من تخصصاتهم ولا مجالهم ليتكاملوا معا ، لان التخطيط والتشاور للنهوض بالمجتمع وبناء الإنسان فيه يحتاج لجميع العلوم اي لهم جميعا . لكن المشكل أننا نجدهم لا يسعون لاستثمار هذا التفاضل ولا يفكرون للاستفادة منه مع انهم يعلمون أن الله أوجب عليهم السعي للتعاون .. أوجبه كفرض على أهل العلم والرئاسة من العلماء والأمراء .. يتشاورون يتحاورون يتدبرون أمروهم ويسعون لان يكمل أحدهما الآخر . ومن هذا التحاور والتشاور يصيغون خياراتهم ومواقفهم في الحياة . إن إدراك أن الحياة لا تسير الا بالكل .. وان الحياة لا تسير ولا تستمر ولا تزدهر وتتطور الا بتعاون الكل مع الكل هو مفتاح نهضتنا . وقد أخبرنا الله سبحاننه فقال عز من قائل :(( وتعاونوا على البر والتقوى )) وقال (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )) وقال :(( لا تنازعوا فتفشلوا )) إن الفاء في قوله تعالى فتفشلوا جاءت مباشرة عقب التنازع فإن لم نسع للتكامل ولم نتعاون وذهبنا الى التنازع كما هو حال علماء الأمة وزعماؤها اليوم فالفشل هو الذي سيحصل وهو مصيرنا ونحن اسبابه أو اهم اسبابه . ولعل ما تمر به الأمة من نكوس وانحطاط وتردي ومهالك وذل سببه أننا لا نسعى للتكامل ولا للتعاون ولا يستثمر أحدنا فضل الآخر ولا يتكامل معه ..وإن رأينا أحدا منا أعطاه الله رئاسة في علم أو منصب وشاهدناه يترقى فبدل أن نساعده ونفخر به ونعينه ونتعاون معه ونحبه تجدنا قد حسدناه وأبغضناه وكدنا له المكائد ودسسنا له ما يكرهه ، وحاولنا إسقاطه ولو علمنا وعقلنا لادركنا إن إسقاطه اسقاط لنا ولاخلاقنا ولثقافتنا ولعلمنا وانسانيتنا وأننا نسقط معه ، نسقط جميعا . إن التفاضل حقيقة حسية ماثلة أمام أعيننا وملئ حواسنا والتكامل قرار واختيار بيدنا أن نعمله ، فلم لا نسعى جهدنا للتكامل لكي نستثمر التفاضل ونبني به أنفسنا ونحيي به قلوبنا ونصلح ذات بيننا وننهض بأوطاننا ونفارق الكبوة والانحطاط الذي لا زمتنا ، ونعمل بتكليف ربنا عز وجل ؟ وما دام الأمر أمر إرادة وقرار واختيار وهو في متناول الجميع فلم لا نباشر العمل به ؟ ذاك هو السؤال ..فإن حالت اخلاقنا السيئة عن ذلك فهل من جعل الله على يديه رئاسة مركز علمي .. جامعي .. بحثي. اكاديمي .. يسد هذا الثغرة ويسعى إلى التكامل ويعمل به .. ؟