كثيرة هي المشاهد والصور التي تمر على الإنسان وتذهب مهرولة في رحلة ذهاب بلا عودة، ويبقى شيء منها في ذاكرة الشخص، لا يظهر إلا عندما يأتي موقف مشابه له.. وإن من الأشياء التي أتذكرها قصة فلم سينمائي غربي -سقط اسمه من ذاكرتي وبقي جوهره- كان ذلك في أواخر السبعينات من القرن الماضي، عندما كنت شابا ولعا بالأفلام السياسية وغيرها، فقد كانت السياسة في تلك الفترة وسيلة، والأبحار في فلكها من الضرورات وأجبرت الناس على تعاطيها والخوض في حقلها النتن.! كانت وقائع هذا الفلم تدور في أرض أفريقية، عندما حكى لنا مخرجه حجم الذل والهوان الذي لحق بالأفارقة السود، عندما أصبحت حياتهم إلى جانب أرضهم ملكا للبيض المحتلين الذين أتوا من أوربا، وكان عددهم لا يتجاوز ربع مليون وعدد السود أكثر من خمسين مليون آنذاك، ولأن السود لا يملكون عقولا ذكية، فقد استعبدوهم وجعلوا منهم عبيدا وتابعين، وأصبح الجنس الأبيض هو صاحب الحق، وقسموا أرضهم على شكل عائلات كل عائلة تحكم جزءا معينا.! ومن أجل القضاء على أية حركة تمرد أو صحوة، كانوا يتظاهرون بنوع من الخلافات فيما بينهم، وتأتي بريطانيا الأم لحل ذلك الأشكال بإرسال محكمين إليهم، ولأن كل عائلة بيضاء يتبعها عدد هائل من السود، فقد رأت اللجنة الحل الآتي: وهو أن كل عائلة من البيض لديها خلاف مع الأخرى عليها حشد قواتها من السود، واختيار إعدادا كبيرة منهم يقابلهم مثلهم من العائلة الأخرى، ويكون اللقاء في ميدان كبير خصص لهذا الغرض، وتبدأ المبارة القاتلة التي يخوضها السود بالمدافعة والمصارعة بالعصي حتى يقضي الأقوى على الأضعف.. وما هي إلا لحظات يقضى حتى على أغلبهم، ويسقط المئات من القتلى دون سبب.! ولا أنسى أنني قرأت شيئا من ترجمة ذلك الفلم، عندما تحدث أحد أعضاء اللجنة الذي كان ساخرا منزعجا مما يرى "لو أن هذه الحشود من البشر السود توحدت؛ لقضي على الجنس الأبيض تماما بأقل الخسائر".. وما أشبه واقعنا نحن العرب بما دار في ذلك الفلم، فقد نجحوا فعلا في تقسيم أوطاننا على شكل ميادين كبيرة؛ ليتبارى أبناء الجسد الواحد، ويقتل بعضه بعضا وهم يضحكون على أفعالنا، بل لقد وصل الأمر لابتزازنا بقطع أجزاء من أموالنا بحجة دفاعهم عنا بعد أن كانوا هم يدفعون لنا الجيزة وهم صاغرون.. فيا للحسرة.. وياللأسف من ذلك الوضع المزري.. فهل ثم من مخرج.!