تشهد أقطار العالم إهتمام كبير بتطور العملية التعليمية وتحاول تطبيق آخر أبحاث الخبراء في مجال التدريس والأساليب الحديثة والكفيلة بالرقي بالعملية التعليمية، والاستفادة من الإبتكارات التقنية المتسارعة لرفع مستوى أداء مهنة التعليم والإهتمام بالمعلم وتوجيهه نحو الأسس السليمة ووفق المفاهيم الحديثة للمهنة، ليقدم الأسلوب الأمثل الذي يرفع مستوى مدارك الطلاب المعرفية والعلمية. وفي الجانب الآخر، تسير العملية التعليمية في بلادنا ولسنوات طويلة خلت في إنحسار متواصل، مع صمت مريب من قبل الجهات المسؤولة في وزارة التربية والتعليم إزاء هذا الوضع وذلك التسيب الكبير الذي دمر العملية التعليمية، والذي أنعكس بدوره السلبي على سلوك الشباب، وأفقدهم سلاح العلم، فحملوا شهادات لا تتوافق مع مستواهم التعليمي الضعيف والمتدني. لقد دعت نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين إلى إضراب مفتوح عن العمل منذ الخامس من شهر يناير والذي يصادف بداية الفصل الدراسي الثاني لعامنا هذا، وقدتسبب ذلك في تعطيل العملية التعليمية في المدارس الحكومية، وكان ذلك بهدف الضغط على الحكومة كي تستجيب للمطالب الحقوقية للمعلمين، والتي ترتكز على تحسين مستوى الدخل للمعلم، مع العلم إن مستوى الدخل لجميع موظفي الدولة قد انخفض وبشكل كبير ويرجع ذلك لظروف الحرب والذي من نتائجها الكارثية انهارت قيمة عملتنا المحلية وهبطت معها قيمة جميع المستحقات المالية، وبغض النظر عن ظرف الحرب الحالي، وفي الحقيقة يجوز القول بإن مهنة التعليم من المهن المحرومة من تنوع العلاوات والفرص مقارنة ببقية المهن، وكثير من دول العالم قد أنتهجت سياسات وظيفية كي تحقق العدالة في ترقية المعلمين ورفع درجاتهم، وذلك من أجل تعزيز مستوى دخلهم، وحكوماتنا المتعاقبة ربما منحت المعلم بعض العلاوات ولكنها لم تكن بشكل كاف ومحفّز. وفي ظل نزاع نقابة المعلمين مع الحكومة دفع الطلاب الثمن باهظاً، بتوقفهم عن الدراسة، ووقعت العملية التعليمية بين شقي رحى الحكومة ونقابة المعلمين، فالحكومة من جهتها أهملت المعلم، والعملية التعليمية برمتها، فالمدرس لم يعد يقوم بدوره التعليمي الفاعل في رفع المستوى العلمي للطلاب، وكذلك لم يقم المعلم بدوره التربوي من خلال تقويمه لسلوك الطلاب نحو الأفضل، ونقابة المعلمين من جانبها، لم تهز ساكناً إزاء التدمير الحاصل للعملية التعليمية في البلاد، ولم تسع وتطالب الحكومة برفع مهارات المعلم وتعزيز قدراته العلمية والعملية، ولكن، وكل ما يشغل بالها هو السعي لرفع مستوى الدخل المادي للمعلم فقط!. مما لا شك فيه إن المعلم يعتبر نموذجاً بالنسبة للطالب، لذلك ينبغي على المعلم الحفاظ على صورة النموذج الحسن، وكما يقع على عاتق المعلم واجب إنساني ومسؤولية عظيمة ومشرّفة تتمثل بحفاظه على أداء رسالته التعليمية الهامة على أكمل وجه، والتي تسهم بشكل مباشر في نجاح وتفوق الطلاب، رغم إنه ولسوء الحظ، لم يعد التفوق حليف طلابنا منذ وقت طويل ويجب أن لا يقبل المعلم إستمرار تعطيل الدراسة فذلك يزيد من تأخر مستوى الطلاب بصورة أكبر واخطر، فإضراب المعلمين الكامل سلاح ترتد سهامه على الطلاب قبل الحكومة، لذا ينبغي على النقابة البحث عن طرق أخرى للضغط على الحكومة دون تعطيل كامل للتعليم.