منذ أيام قليلة، كنت مثل غيري من المحبين لك في مدينة عدن، في إنتظار عودتك الى أرض الوطن الحبيب، سالماً غانماً، الى مدينتك وأهلك وناسك، لكي نجدد إستئناف لقائاتنا – كالعادة – في منزلك الكريم، الذي نشم منه رائحة عدن والجنوب. تلك المدينة التي تركت بصماتها في روحك وعقلك ووجدانك، وقد تكون عدن معادلا للحب والسعادة والمتعة لديك ولدى من يحبوها، كما أن عدن بوصفها فضاءً ومكاناً زمنياً، ترتبط بالذاكرة والتاريخ والحضارة والجغرافيا والأدب والثقافة. ولكن يا للهول، لم أصدق أو أتوقع من أنني سوف أستقبلك مع غيري في مطار عدن جثمان في صندوق، ونودعك في ثرى مسجد العيدروس بين أجدادك وأحبابك.
رحل عنا الفقيد الزين بعد حياة عاصفة، لم يترجل منها عن حصانه، ظل وسط العواصف التي شهدتها أرض الجنوب، شاهداً ومشاركاًُ ومؤكداً أن وطنه الحقيقي هو الحرية. كنت أعرف كذلك – بحكم قربي منه - أن رحلته المتصلة نحو الوطن إنما تبدأ مسيرتها وشرعيتها عنده من حياة الفقراء والمثقفين والوطنيين الشرفاء على أرض الجنوب وأمته العربية عامة، كما كانت أنسانيته تتجسد في إيمانه العميق بمدى ما يحققه مع غيره من المخلصين لوطنه الجنوب، من وعي وعدالة وتحرر من ربقة الفقر والتخلف والجهل من حكم ياجوج وماجوج.. لم تكن وطنيته ووجاهته كما هي عند الكثير، يكفيه فخراً وإعتزاز أنه ينتمي الى أعرق أسرة عدنية شريفة في عدن وهو بيت العيدروس.. ولا أظن أن المؤرخين الذين سيكتبون عن مدينة عدن وتاريخها، إلا ويذكروا أسرة العيدروس في المقدمة، كما ذكر من كتبوا عن عدن سابقاً.
الفقيد الزين لم يكن يسعى في حياته وراء مركز أو مكانة، وإنما كان مركزه ومكانته هو الجنوب ومدينة عدن القلب النابض.. نعم عدن هي الرأس للجنوب ولا جسد بدون رأس.. لقد آثر أن يغوص في أعماق الواقع من خلال علاقاته بالناس، وأن يهب حياته من أجل العمل الوطني، حيث كان باب منزله مفتوح للقاءات وعقد الندوات السياسية لمختلف الإتجاهات والمشارب من أجل تلمس السبل لمساعدة أبناء الجنوب على إختفاء حياة الظلام والملاحقة والإعتقال والسجون حتى وافته المنية يرحمة الله، وهو يتنقل بين مختلف البلاد العربية والأوربية والأسيوية في زيارات عمل، وطوال سنوات حياته ما غاب عن وطنه لحظة واحدة، فكراً أو عملاً، برفقة شقيقه منصب عدن والجنوب الشخصية الوطنية والإجتماعية والروحية مصطفى زين عيدروس، الذي يعتبر أب للفقراء والمساكين في عدن.
الفقيد الزين كان نموذجاً فريداً للإنسان الجنوبي، المحب لوطنه وشعبه، يتميز بدماثة خلقه ورهافة الحس ةالصفاء الإنساني والجدية والشعور العميق بالمسؤولية.. يقابل أي شخص بإبتسامة وسماحة نفس لا تعرف الشكوى والقنوط.. إلا أن قلبه المرهف الحنون هو الذي كان يشكو من ثقل تلك الأعباء والهموم.. وقد خانه قلبه وهو خارج الوطن، وعاد الى الوطن في صندوقه.
نتقدم ببالغ الغزاء الى منصبنا وحبيبنا مصطفى والى أبن الفقيد محمد وجميع أفراد أسراته وال العيدروس وكل أبناء عدن، وأدعو الله العظيم أن يتغمد الفقيد الزين بواسع رحمته وعظيم غفرانه وان يسكنه فسيح جناته, ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.. أمين يارب العالمين