نحن شعب يتخطى المعجزات فمها تكالبت علينا المحن، والنوائب ومهما عم الخراب على كل جانب وساد النفوس اليأس والأحباط، ووزعت المآسي على كل بيت وقرية وشارع وحارة بالتساوي نخرج في آخر المطاف رافعين رايات النصر مهللين ومكبرين وشاكرين. وهذا ماتؤكده الأحداث والوقائع التاريخية قديما وحديثا وعلى سبيل ذلك..فمن بعد مئة وتسعة وعشرون عاما، جثم الأستعمار البريطاني فيه على أرض الجنوب وبكل ما أوتي قوة أخذ يمارس شتى أنواع القهر، والإذلال على سكانه لينتشر الجهل، والفقر، والمرض، ولكن في الأخير ثار ضده ذلك الشعب وبما لديه من إمكانات، ليتحقق له الاستقلال المجيد والناجز في غضون أربع سنوات من الكفاح المسلح وبعد ذلك تفرغ الجميع للبناء، والتنمية وما كاد تنقضي أعوام قليلة من عمر الثورة حتى ساد الأمن، والاستقرار لتشهد كامل القطاعات، المدنية، والعسكرية تحديث مستمر وليعم الرخا المعيشي ويطال كامل الشرائح الأجتماعية من المهرة وصولا إلى باب المندب. إلى أن سيطر الشمال على الجنوب في عام 1994م وبالقوة القاهرة من بعد وحدة فاشلة لم تدم إلا قليلا، ليقضى على كل جميل ويهدم كل الصروح المنجزة وتسود من بعد ذلك مرحلة من التهميش والعذاب طالت معظم شرائح المجتمع الجنوبي. وبالتالي. راهن نظام صالح بعد أن بسط نفوذه في كامل البلاد على جيل أسماه بجيل الوحدة، على أنه هو من سيحميها ويحضنها لكل من تسول له نفسه ويفكر بالتطاول عليها أو المساس بها وليمسي مطمأن لهم كسند يتكئ عليه عند لزوم الأمر. هذا ومن بعد ما تهيأ له ضانا بترسيخ دعائمها في نفوسهم، وباعتبارها على حسب الفتاوى الصادرة من قبل مأجورين فرض واجب يجب التقيد به وعدم مخالفة طقوسه وشعائره. وما أن قوي عود ذلك الجيل، وهم في وسط ذلك الحشد الإعلامي الممنهج ليلا، ونهارا لينطلقوا إليها باحثين في زواياها عن بعض سمات معادنها الأخلاقية على حسب ما يروج له من قبل دعاتها. وما أن بدأوا يأخذوا مواقعهم فيها كانت المفاجئة ليجدوا أن هي ليس بذلك الوصف وأن كل ما قيل ويشاع عنها كلام لا أساس له من الصحة، فقط ما يلحظوه من حولهم هو جيش جرار يتألف على حد سوى من سلطة ومعارضة يتبعون بشكل مباشر أو غير مباشر رأس هرم ذلك النظام، ليراهم من أمامه وهم يتسابقون لكي يقطعوا لأنفسهم بقدر ما يستطيعون جمعه وحمله من غنائم أرض الجنوب البكر. وبهذا تتكشف لهم حقيقتها الصادمة، فلا يعبروها، بل ويكونوا هم أول من يخرج ثائرا، ومنتفظا عليها يوجهون اليها الطعنة تلو الطعنة يتقدمون في الساحات بصدور عارية ويرددون بصوت عالي شعار لا وحدة بعد اليوم.