منذ أن أطل علينا العام الجديد 2020 كانت المقدمات غير مبشرة بالخير تماما في ظل التغيرات المناخية الحادة والتحذيرات المتكررة من الأممالمتحدة والمنظمات المعنية بالمناخ وتغيراته بخطورة ازدياد الانبعاثات الحرارية، وما ينتج عنه من تغيير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي كما تسبب اندلاع العديد من الحرائق كان آخرها واشدها ضرراً حرائق غابات استراليا وما تسببت فيه من أضرار وخسائر في الثروة الحيوانية والطبيعية. نشهد زيادة في حركات النزوح البشري الجماعي من المناطق الكارثية إلى المناطق الأكثر حظاً في الحياة مع ارتفاع درجة حرارة الأرض وبدء الخلل في التوازن البيئي، نواجه تحديدات التصحر في مناطق من العالم وذوبان الجليد مما يتسبب بارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية. لم نقف عند هذا الحدث مع بدايات العام 2020، حتى وصلنا الى أن تمرض الكرة الأرضية برمتها بانتشار جائحة كورونا، ذلك الفيروس الشرس الذي جعل العديد من الدول تعلن حالة الطوارئ وتطلق صافرات الإنذار في عدد من العواصم والمدن انذاراً بخطر حادث، لم تطلق الصافرات بسبب حرب نووية كما كان العالم يستعد لذلك، ولم تكن كذلك إحدى الكوارث البيئة، لا.. هذه المرة كان الهجوم من قبل كائن لا يرى بالعين المجردة وهو تطور جيني لفيروس ظهر من قبل على الأرجح إنه فيروس سارس. فيروس كورنا الذي ظهر أولا في مدينة ووهان الصينية في شهر ديسمبر من العام 2019 وتم إخفاء وجوده، بل وتهديد الطبيب الصيني الذي يبلغ من العمر 34 عام والذي حذر من خطورته والزامه بالصمت حتى سقط هذا الطبيب كواحد من الضحايا الأوائل، لتكون وفاته إنذارا صارخا بخطورة الفيروس. تسلل فيروس كورونا بكل دهاء وشراسة عبر الحدود المغلقة وتسبب في اغلاق حدود كانت مفتوحة. أعلنت الحرب على الكورونا على المستوى الرسمي للدول في غياب تام لتعاون دولي لمواجهة هذه الجائحة، بل إن الفيروس كان أسرع بكثير من أي قرارات سياسيات فعالة للتصدي له واتخاذ تدابير الاحتواء لتفشيه، وتأخر دور منظمة الصحة العالمية في تنسيق الجهود الدولية المشتركة وفي الادراك السريع والفعال لخطورة الوباء منذ بدايات تجاوزه الحدود الصينية، ولم يعلن كجائحة الا بعد أن اثبت وجوده في القارات الخمس. تم استدعاء الجيوش في الدول الموبوءة للتصدي للفيروس ولمساندة النظام الصحي الذي بدأ بالانهيار وفقد القدرة على الاستمرار في مواجهة الوباء بعد أن تفش الفيروس في صفوف الطواقم الطبية وكان من مهام الجيوش بناء المشافي العاجلة وتعقيم الشوارع والدعم، واخيراً حمل نعوش الضحايا والتكفل بدفن الجثث أو حرقها في ظل غياب ذوي المتوفى. في وقت ما ظهرت دول منها كوريا الجنوبية واليابان استثمرت ما تعلمته من تجربة الصين مع الفيروس فاستطاعت كبح جماح انتشاره. العالم أجمع لم يكن جاهزاً في التصدي للفيروس وفوجئ بهذه الجائحة وسرعة انتشارها والشلل الذي تسببت به والاضرار البالغة على المستوى الاقتصادي، لم يكن العالم مستعد للتصدي في يوم ما لعدو أكثر شراسة من عداء الانسان للإنسان، كانت الاستثمارات تضخ لبناء الجيوش والعتاد العسكري، ولم يُستثمر في المجال الصحي مع التفاوت الواضح في درجات الجهازية من دولة إلى أخرى حسب امكانيتها أو حسب أولوياتها وحساباتها أحيانا أخرى. قد تتضاعف مفاجأتنا لاحقا بالمبالغة في الاستثمار والانفاق في السلاح في سباق التسلح الذي كنا نشهده خلال الأعوام المنصرمة بين الدول، في الوقت الذي تواجه فيه البشرية تحديات واقعية واشد ضررا وهي التغيرات المناخية وتبعاتها وانتشار الأوبئة ولسنا في نهاية المطاف مع جائحة الكورونا في الوقت الذي يوضع احتمال اختيار مرحلة التعايش مع الفيروس واستعداد البشرية للمرحلة الثالثة من انتشار الفيروس.