حاليا أعيش في دولة تعتبر أسوأ الدول على مستوى العالم التي عصفت بها جائحة كورونا وهي بريطانيا - بعدد وفيات تجاوز ال 30 الف في غضون شهرين، أي بمعدل 500 حالة وفاة في اليوم. وقد تحول مطار مدينة برمنجهام الذي يبعد عني بكيلومترات معدودة لأحد أكبر ثلاجات الموتى في البلد. مع هذا كنا واخواني اليمنيين من المغتربين نبتهل إلى الله ان لا تصل هذه الجائحة لليمن – فنحن نعلم هشاشة الوضع الصحي والاقتصادي لهذا البلد المكلوم عندما يواجه فيروس اركع أكبر دول العالم. في نقاش مع بعض الباحثين في جامعتي – جامعة مدينة برمنجهام – وقد قاموا بتطبيق بعض عمليات التنبئ الرقمي تأكد لنا انتقائية الفيروس لدول مجموعة العشرين وكأنه يطبق استراتيجية استعمارية قديمة يضرب فيها اقوى الدول ليخضع بعدها باقي العالم امام جبروت هذا الكائن المجهري الدقيق. بل وتؤكد الإحصاءات بشكل لا لبس فيه ان ضحايا الفيروس من الرجال هم الضعف بالمقارنة مع النساء وان اقل ضحاياه هم من الاطفال – هذه حقائق إحصائية وليس اشاعات مستهلكة! اما الان وقد وصل الفيروس إلى اليمن فلا نقول إلا لله الامر من قبل ومن بعد. اتصفح شبكات التواصل الاجتماعي وأريد ان أنقل لأهلي وأصدقائي النصائح التي تصلنا كل يوم من وزارة الصحة البريطانية لمواطنيها ونحن نعيش في السجن المنزلي لمدة تزيد عن الشهرين على التوالي ولساعة كتابتي لهذا المقال. لكن كيف انصحهم بالمكوث في المنازل وغالبيتهم يعيشون بالأجر اليومي، كيف والبعض يصاب بضيق في التنفس نتيجة انقطاع الكهرباء وبسبب حرارة ورطوبة عدن الغير محتملين. كيف أستطيع ان انصح بلبس الكمامة ولا يملكها خط الدفاع الأول من الأطباء في عدن! ولا عجب فأطباء دول العالم الاول يعانون أيضا من شحة الملابس الواقية إلى يومنا هذا! يتحدث أبناء عدن عن غلق المستشفيات ويلومون فيها الكادر الطبي، ولا يعلمون ان بريطانيا ودول عظمى أغلقت المستشفيات أيضا بل وأجلت جرعات الكيماوي لمرضى السرطان بسبب عدم قدرتها على استيعاب الكم الهائل من المرضى. لهذا لا تلوموا الأطباء في اليمن الذين لا يملكون اقل وسائل الحماية لهم ولمرضاهم وقد سقط الكثير منهم ضحايا للفيروس في اسبوعه الأول. وهم فوق هذا يخوضون معركة وعي بإقناع الناس بوجود المرض وان اليمن ليست في كوكب اخر! ولا نلوم الناس فقد فقدوا الثقة في كثير من وسائل الاعلام التي مارست التضليل ومازالت للحظة منغمسة بالمناكفات السياسية، ولكنهم قريبا سيصحو عندما يصل الموت عتبات بيوتهم! لن اكرر النصائح بغسل اليدين والانعزال وتطبيق التباعد الاجتماعي (مترين على الاقل) فقد تحدث الأطباء عن هذا بما فيه الكفاية. وهذه بلا شك أسلحتنا المتاحة لمحاربة هذا الفيروس اللعين شئنا ام ابينا! فمن لا يقر في البيت بإرادته سيقر في الفراش ليصارع اعراض المرض – لا قدر الله. لا بد وأننا سنتجاوز هذا الكابوس إذا نسى السياسيين خلافتهم و تركزت جهودهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فلن تحميهم أسلحتهم المكدسة ولا اسوار قلاعهم العالية ولا تشكيلاتهم العسكرية المختلفة من هذا الفيروس الذي يترصد للأقوياء و حملة الجوازات الدبلوماسية. فبالأمس عندما مرضت عدن لحقتها تعز وصنعاء في غضون ساعات فالحدود السياسية التي يحاول البعض فرضها بالقوة لن تلغي حقيقة تداخل الجغرافيا وترابطنا الاجتماعي العميق! لهذا يجب على جميع اقطاب الصراع ان يقروا شكل من اشكال التنسيق الصحي لتقنين عملية السفر بين المحافظات والحد من ظاهرة الهروب للقرى وهي ظاهرة مورست في أوروبا بشكل كبير، والتي قد تؤدي إلى انتشار واسع وطويل الأمد للمرض ليصل للقرى والعزل والذي سيكون تبعاته سيئة نظرا لإنعدام الكادر الصحي ولانخفاض الوعي المجتمعي هناك. ومن هنا يجب ان تتحمل المملكة العربية السعودية -كقائد للتحالف العربي-مسؤوليتها الأخلاقية هي والحكومة اليمنية برئاسة د. معين عبد الملك وبدون اي شروط مسبقة في البدا بالتنسيق الفوري مع الانتقالي والحوثيين بشكل شفاف وبدون مراوغات لدعم كل المبادرات التوعوية والصحية لتطبقها سلطة الامر الواقع في المناطق التي لا تتبع الشرعية. بالإضافة لدعم المبادرات التي يقوم بها الشباب اليمني ومنظمات المجتمع المدني لمحاربة هذا العدو الذي لا يعير للصراع السياسي أي إهتمام. هذا وقد كنت قد تشرفت قبل 3 اسابيع بأن اكون أحد المرشدين التقنيين لهاكثون اليمن (yemenhackathon.org) وكم انبهرت عندما رأيت شباب يمني داخل اليمن يبدع بإمكانات محدودة وقد أنشأ مصانع للكمامات بمقاييس عالمية وحينها قلت في نفسي بهذه الهمم سنهزم المرض لامحالة. للأسف ستكون هناك خسائر بشرية في الأسابيع القادمة – هكذا تقول الأرقام. لكن قد يهون الامر أن المرض وصل لليمن في الصيف مما قد يساعد على تقويض حدة انتشاره. أما الأهم من ذلك فنظرية مناعة القطيع التي فشلت فيها دول كبرى بسبب ارتفاع معدل الشيخوخة لديها قد تنجح في اليمن الذي يغلب على شعبه الفئة العمرية الفتية والذي عانى الكثير من الازمات وتغلب عليها ولعل في هذا نوع من انواع المناعة لتجاوز هذه الجائحة بأقل الخسائر – بإذن الله.