عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ ؟!!...فليس المتنبي صاحب هذا البيت الشهير وحده يتساءل ، بل نحن أيضاً يحق لنا أن نسأل : عيد بما عدت يا عيد ؟!! .. فقد عدت علينا مرات ومرات وحالنا يسوء ومعاناتنا تتفاقم ومشاكلنا تتوسع في ظل حرب مجنونة قد أهلكت الحرث والنسل وأتت على الأخضر واليابس ، ولم يكفها أنها قد تخطت أعتاب العام السادس ولا زالت تهدي الموت بسخاء وتوزع الدمار والخراب مجاناً .. فتبت يدا من أشعلها ومن يعمل ليل نهار على تأجيجها وإطالة أمدها ..!!. يا وجعي ويا وجع شعب طحنته الحرب وسرقت منه حتى أفراحه وأعياده ، ولم تترك له شيئاً البتة ، فكم من أسرة نازحة مشردة حُرِمت هذا العام من فرحة العيد ؟ وكم من أسرة مكلومة بفقد عزيز عليها قد استبدت بها الأحزان والأتراح وصرفتها عن الاحتفال بالعيد والاستمتاع بأوقاته ؟!.. وكم من جريح مر عليه العيد وهو طريح الفراش يتأوه ويتوجع ويتألم وحيداً بلا أنيس أو معين ..؟!!.
ولست مبالغاً لو قلت أن العيد لم يعد مناسبة للأفراح والاحتفالات البهيجة التي تستحق أن ينتظرها الجميع على أحر من الجمر كما كان الحال في السابق ، بل أنه اليوم قد تحول إلى كابوس مزعج يؤرق كثير من الأسر ، فقد وصل الحال بالبعض إلى أن يتمنى من كل قلبه لو أن العيد لا يأتي أبداً حتى لا يرى أطفاله بأسمالهم البالية والمقطعة في حين أن أترابهم وزملائهم يرفلون بالثياب الجديدة والأنيقة ، كما أن الوضع المعيشي المتردي قد جعل السواد الأعظم من الشعب لا يقوى على تحمل نفقات العيد وتكاليفه الباهظة والإيفاء باحتياجاته الكثيرة .. ولله در الشاعر إيليا أبي ماضي حين قال أبياتاً رائعة تحاكي تماماً حالنا اليوم مع العيد : أَقبَلَ العيدُ وَلَكِن لَيسَ في الناسِ المَسَرَه / لا أَرى إِلا وُجوهاً كالِحاتٍ مُكفَهِرَّه / وَخُدوداً باهِتاتٍ قَد كَساها الهَمُّ صُفرَه / وَشِفاهاً تَحذُرُ الضِحكَ كَأَنَّ الضِحكَ جَمرَه / لَيسَ لِلقَومِ حَديثٌ غَيرُ شَكوى مُستَمِرَّه .
ولأن المصائب لا تأتي فرادى كما قيل ، فقد نزلت علينا النوازل تترى ، وتكالبت علينا الحرب والأمراض والأوبئة الفتاكة من كل حدب وصوب ، وهناك حرب أخرى لا تقل ضرراً وفداحة عن الحرب التقليدية ، وهي حرب الخدمات وبالأخص الكهرباء والماء وكذا انقطاع المرتبات وتأخرها ، وكل ذلك قد جعل العيد لا طعم له ولا رائحة ومر وانصرم كأي يوم دون أن ينشر البهجة والسرور بين الناس .
وبالطبع مقالي هذا ليس للتثبيط وإثارة التشاؤم واليأس والإحباط في النفوس كما قد يتوهم البعض ، وإنما أردت أن أسلط الضوء على معاناة الناس في هذا العيد حتى تصل إلى المسؤولين ومن بيدهم القرار ، لعل وعسى أن ترق قلوبهم ويتقوا الله بهذا الشعب المنكوب والمكلوم برزايا عدة - ما اجتمعت قط دفعة واحدة على قوم من قبلنا على مر التأريخ - فيسارعوا بوضع حد لهذه المعاناة التي حولت حياة الجميع إلى جحيم لا يطاق ..!