في منتصف يونيو من عام الوباء العالمي 2020م وفي ليلة مقمرة كنت منشغلا في عمل خاص وكنت بين الفينة والأخرى أفتح الهاتف لأرى أخر المستجدات من مواقع التواصل الاجتماعي لمجرايات الأحداث الساخنة على الساحة في سقطرى وقد سبق بأيام شحن إعلامي وضجيج بروباجانداي ممنهج من جميع الأطراف تشي بأن هناك مواجهات شاملة وأحداث دامية ستطفوا على السطح.... في الساعة 11 تماما رن هاتفي رفعته لأسمع صوت أحد أصدقائي يقول ......هناك موجهات بالأسلحة الثقيلة....وضرب عشوائي متبادل.....ثم ينقطع الأتصال....هنا عندنا الشبكة في الجزيرة تعاني من انقطاعات متكررة وموجات التيار اللاسلكي يتذبذب بسبب وضع خطوط الشبكة المزري خصوصا بعد االاعصارات التي ضربت الجزيرة .....لم يتم اصلاحها بالشكل المطلوب ، حاولت الاتصال بأصدقاء أخرين لكني لم أتمكن من الوصول إليهم... خلص عملي وعلى الفور ذهبت الى المنزل وعند وصولي الى عتبة الباب اذا بي أسمع صوت وضجيج تأكدت من مصدر الصوت ورفعت رأسي الى السماء......... إذ بطائرات حربية تجول في سماؤنا......استيقظ كل الناس من نومهم وبات الجميع في خوف وهلع....... من أن تتكرر الضربات الخاطئة التي كانت تصيب المدنيين وتقرح رؤوس الأطفال وتفتت أجسامهم الطاهرة في مناطق ومدن مترفقة من الأراضي اليمنية شمالا وجنوبا...... دخلت الى البيت متثاقلا من الهم والحزن على المصير المزري والحال المأسوي الذي وصلنا إليه في هذه الجزيرة النائية.... نحن السقاطرة الذين كنا أيقونة السلام ومدرسة في الأمن والأستقرار والتعايش ونبذ مظاهر العنف والسلاح نحن السقاطرة لم نشاهد أعمال عنف أو تفجيرات أو اشتباكات منذ فجر التاريخ ولم نعرف القتل والاغتيالات وكل مظاهر العنف إلا ما نشاهده في التلفاز،، بالفعل كنا في كوكبنا الخاص ونشاهد من أفاعيل وحروب يشنها بني البشر على بعضهم في أماكن أخرى من كوكب الأرض بكل مآسيها وآلامها كأننا في سينما نشاهد قصة دارمية أو رواية لدستويفسكي من رواياته المؤلمة وكأن صانعي هذا الخراب في العالم استنسخوا رويات الى الواقع من بقايا قصص دستويفسكي الروسي الذي ينضح كل حروفه مآسي وآلام ، أو أن الأديب الروسي يحكي الواقع الذي يعيشه البشر عن طريق الحكاية الأدبية، أما نحن السقاطرة نتأثر مع الضحايا ونبكي تضامنا مع الإنسان في كل زوايا المعمورة ثم نخرج من السينما لنعود الى واقعنا الملائكي الجميل الذي يقدس الانسان وحقه في الحياة أكثر من أي شي أخر............
مضت هذه الليلة أفكر مليا في مسار الأحداث وعادت بي الذاكرة الى بداية العقد الذي يغادرنا وبالتحديد في عام 2011 وما بعده عندما جاء الخليج بقضه وقضيضه وكان مطار سقطرى يستقبل خلال إسبوع واحد طائرات من عمان وقطر والامارات والسعودية والكويت الذين جاؤا الينا يحملوا الورد في كف وأخرى يمدوها لنتصافح وشفاههم تمتلأ ابتسامة ودية ليقولوا لنا جئنا ننقذكم من هذا التهميش الفاضح والإقصاء الصارخ الذي تعرضتهم له من حكومات الرفاق في عدن ثم في ظل وحدة ونظام الزيدية وقبائل شمال الشمال من صنعاء ......
ونحن صدقنا هذا الخبر وتجرعنا هذه الهرجة على أمل أن تكون جزر سقطرى نموذج أخر لهونج هونج في الإستثمارات وجلب التنمية وبناء الجزيرة لتكون هي محطة إستثمارية وساحة المال والأعمال وشعلة إقتصادية ووجهة سياحية وإترانزيت يربط الهند بالصين والخليج بإفريقيا واليابان ثم الى العالم أجمع،،،،،، لكن للأسف خابت الآمال وتكسرت كل الأمنيات على جدار *(الحول الإستراتيجي)* الذي أصيب به التحالف ليؤسس لمرحلة جديدة من تأريخ هذه الجزيرة وليصنع مسارات دموية وتحولات إجتماعية تنفض عنها ثوب التعايش والإخاء والعادات النبيلة والتقاليد السمحة وتحولات سياسية ترى العنف وسيلة للتخلص من المعارضين والسلاح لغة بين الفرقاء والحروب الأهلية مسلك نحو السلطة وإخضاع الأخر درب ومسلك وتدمير السلام والأمن والسمعة الطيبة للسقاطرة التي تضرب الآفاق وتصاحبهم في الحل والترحال والنسيج الاجتماعي المتماسك واحترام الإنسان.....
طرق أذان الفجر مسمعي قمت للصلاة والتعب والإرهاق من السهر باد في عيني توضأت ثم ذهبت الى الصلاة....
بعد الفجر ...... أخبار عاجلة... ترد من التلفاز.... وأخبار أخرى مزعجة من مواقع التواصل........... وضجيج في الحارة.....يقول أحدهم هناك ضحايا......ووووووووو.. قتيل من أبناء سقطرى وجرحى أخرين....... توقف عقلي وجسمي يرتعش........... أما القلم بكى ودموعه بللت أوراقي ورفض أن يعمل بعد الآن .....