عندما تنقلب حقيقة استمرار راتب الدولة الشهري إلى حلم، ويتحول موعد صرفه الثابت إلى متغير وغائب لعدّة أشهر، حينها يشعر الشخص فجأةً أن غطاء لقمة عيشه المستقر والآمن قد انزاح وصار كاشفا على حاجته وعوزه وظرفه المادي الصعب. عاتبني أحد الأصدقاء وهو ضابط قديم في الجيش، عند لقائي به قبل أيام قليلة، على عدم الإشارة إلى توقف رواتبهم في مقالي الأخير عن العشوائيات التي عمت مختلف جوانب الحياة، مؤكدا أن انقطاع رواتب الملتحقين بالسلك العسكري من جيش وأمن أضحى منذ أعوام قليلة خلت نهج عشوائي تعمدت السلطة ممارسته على مواطنيها دون خجل أو رحمة، رغم معرفتها بالأهمية الكبيرة التي يعنيها الراتب الشهري لمستحقيه، فالقيادات جميعها من شرعية أو انتقالي، كانت بحاجة لذلك الراتب في موعده الشهري قبل أن يصل بها القدر إلى سدة السلطة، وأضاف قائلا منذ التحاقي بالجيش قبل أكثر من ثلاثة عقود، والراتب استلمه بانتظام في الأسبوع الأخير من كل شهر ولم يدر بخلدي يوما أن يمر شهر كامل والولوج بالشهر التالي دون حصولي على راتبي، فذلك الأمر بعيد عن البال ولا يمكن توقع حدوثه، لقد انطوت سنوات العمر وزال ربيعه، وانا في خدمة الوطن، ولم ابخل عليه بشيء، وفي الأخير ، يكون الجزاء تعثر وضياع بعض من رواتبي، لقد خسرت وزملائي منذ اندلاع الحرب حتى نهاية العام الماضي رواتب ثمانية أشهر، وهذا العام لم نستلم سوى راتب شهري يناير وفبراير، بينما الداخلية والأمن تحصلوا على رواتب ثلاثة أشهر هذا العام بفارق شهر واحد عن الجيش، فأي سلطة هذه التي تتسبب في تعثر صرف المرتبات، فتعسفها دفعنا للخروج في وقفات احتجاجية عديدة والاعتصام على بواباتها في معاشيق وآخرها قبل أيام قليلة على بوابة قيادة التحالف بمدينة الشعب. ما قاله صديقي عكس بصدق ما يكابده منتسبي القوات المسلحة والأمن، فالراتب هو الركيزة الأساسية التي يتكئ عليها الغالبية لتسيير متطلبات حياتهم وتوفير احتياجاتهم الضرورية، وكان لا ينبغي على السلطة أن تسلب مواطنيها حقهم الشرعي، وتدفعهم للخروج ونصب خيمهم بالقرب من بوابتها، للمطالبة بأبسط حقوقهم، ليس هذا فحسب بل بلغ الأمر بمسؤول كبير، أن يطلب منهم الانسحاب من امام بوابة التحالف والتوجه للاعتصام في ساحة العروض بخورمكسر !، فيما كانوا ينتظرون منه فرجا سريعا لقضيتهم، التي لا تستدعي عناء وقوفهم ساعة واحدة تحت شمس صيف عدن الحار، فهم لا يطالبون برفع رواتبهم رغم أن هذا من حقهم، لكنهم خرجوا ساخطين على استمرار مرارة ظلم السلطة، بتوقفها عن صرف الراتب الشهري المستحق!. لذا ينبغي على السلطة أن تنظر لقضيتهم بعين الواجب والضمير الإنساني ( أكانت حكومة أم مجلس انتقالي جنوبي، أو بتضافر جهودهما معا، فقضية الرواتب يجب تحييّدها عن السياسة والخلافات تماما)، وتطرق كل الابواب، حتى تخرج وبيدها مفتاح الحل الشافي الذي يتيح لها صرف رواتب العسكريين المتوقفة هذا العام، وعلى وجه السرعة، ومع وضع الترتيبات الضامنة لاستمرارية الصرف شهريا، وبذلك يعود جزء من الحق إلى نصابه، وتعود معه الطمأنينة إلى نفوس منتسبي السلك العسكري، فيكفيهم ما كابدوه من جراء توقف رواتبهم هذا العام، وما سلب منهم خلال الاعوام الماضية، فالراتب هو السند في نظر كل مستحقيه، وإن ضعفت قاعدته مع انهيار قيمة العملة، ومع دلك يبقى سندا هاما لتوفير ضروريات العيش!.