* ما يحدث لتهامة اليمن من تجاهل سياسي كبير لا يصدقه عقل، ولا يمكن تفسيره ببراءة ولو بنسبة 1٪!! فتهامة التي تمتد على طول الشريط الساحلي الغربي كانت منارة لطلاب العلم ذات زمن، ومقصدا للخيرات، هي الآن ممزقة، مبعثرة ومنكوبة ويتحكم فيها الفقر، الجوع، الفاقة، وتخلو تماما من أية مظاهر مدنية!! والمتابع لحال تهامة اليوم بعد كارثة السيول والأمطار سيكتشف حجم الضعف الذي عاشته وتعيشه هذه المنطقة من اليمن، والتي تم تهميشها منذ عهود الإمامة.
(أرض منسية) يبدو أن تهامة اليمن خارج خطط التحالف وحكومة الشرعية منذ نصف عقد من الحرب لأسباب نجهلها وأصبحت أرضا مؤجلة ومنسية من كل شيء إلا من أصوات الرصاص والمدفعية، والمتقاتلين، وأنانية بعض الزعامات المتوهمة لأهميتها، وهو ما يؤكده واقع تهامة الحالي عسكريا، إذ تنقسم السيطرة العسكرية والإدارية فيها ما بين الحوثيين والشرعية والمقاومة الوطنية، حيث يسيطر الحوثيون على حرض والمدن والمديريات الواقعة بينها وبين مدينة الحديدة التي يفرضون سيطرتهم على وأجزاء واسعة من شمالها وشرقها إلى صنعاء، كما يفرضون سيطرتهم على مديريات باجل والقطيع والمراوعة والزيدية والقناوص وبيت الفقيه وزبيد والجرّاحي. وتسيطر المقاومة الوطنية على أجزاء صغيرة من غرب الحديدة، وتشدد قبضتها على مناطق الخوخة والدريهمي والتحيته وحيس، ويسيطر الجيش الوطني (الشرعية) على مدينة ميدي وشمالها فقط. أما على صعيد المكونات السياسية التهامية التي يغلب عليها التنازع، وتبدو (كظاهرة صوتية) وأضعف من البحث في تفاصيلها، فهي هشة وأقرب إلى الورق أكثر منها إلى القوى الحقيقية الفاعلة والمؤثرة في المشهد تماما، بل وتبدو كعبء على إنسان تهامة أكثر من كونها سندا يُعول عليه. ووسط هذا التمزق أظن أنه لا توجد بارقة أمل في تحرير تهامة وتوحيدها من جديد في القريب العاجل.
(إرتزاق) الواضح أن كثيرا من المرتزقة في هذه الحرب على الجانبين في الداخل والخارج سعداء باستمرارها، إذ إن توقفها يعني انقطاع المداخيل المالية التي يتقاضونها حاليا، والتي كانت أشبه بالحلم عند كثير منهم، وكل ذلك على حساب اليمن المريض وأهله المغلوبين على أمرهم، والتهاميون أكثرهم خسارة بشتات أجزاء أرضهم بين القوى المتصارعة كما هو الواقع على الأرض.
(صمت) تهامة بلا صوت إعلامي قوي، وهذه إحدى نقاط ضعفها، فعلى الرغم من خروج العديد من الأسماء الفنية والإعلامية الجيدة من أبنائها، إلا أنهم لا يستثمرون قدراتهم في إيصال قضية منطقتهم في ظل الغياب التام للدعم المادي والدعم الحكومي..!! تهامة اليمن بلا صوت مؤثر يستطيع لفت الإنتباه إلى قضاياها ويضعها فوق الطاولة، وأكثر ما تسمعه على امتدادها وسط هذه الحرب، هو أصوات خافتة للقوة، ونبرات عالية للألم والأنين والحزن والموت والفقر والنكبات، وهو ما يبدو أن التهاميين قد اعتادوا عليه منذ عقود، وسط صمت وغفلة ولامبالاة المجتمع الدولي والمنظماته الإنسانية والحقوقية والسياسية..!! فإلى أين تتجه تهامة؟
* صحفي وكاتب رأي يمني مشرف قسم الرأي سابقا بصحيفة الوطن السعودية