لانبالغ كثيرا أذا قلنا أن في اليمن حزبا عتيقا وعريقا، لم ينفرط ولم ينحل ، لا في فترات الأمامة ولا في ظل الثوره والوحده، ولا حتى في فترات البين بين هو حزب القات الذي محقق أنتصارات كاسحة خلال العقود الاخيره تمكنه من البقاء في الصداره الى ماشاء الله.....ولانبالغ كثيرا أذا قلنا أن القات يشكل مفتاحا مهما يفسر الكثير من ظواهر الحياة اليمنية من العمارة الى الهجرة مرورا بالغذاء والانجاب ، الامر الذي يمهد لقبول فكرة التفسير القاتي لتاريخ اليمن وجنوب الجزيرة والتي طرحها شاعر اليمن أبو الاحرار محمد محمود الزبيري في مقاله له عن القات أواخر الخمسينات..... وذلك حين قال : انه اذا كان الماركسيون يعتبرون التاريخ محركا للأقتصاد ، والداروينيون يفسرون التاريخ بالجنس البشري ، فانه في اليمن يفسر التاريخ بالقات.... بينما كنت أقرأ هذا المقولة لابي الاحرار كنت أمضغ القات الجبني والذي وصلني كهدية من صديق جاء لزيارتي جاءت فكرة كتابة هذا المقال.... فالناس تدرس التاريخ لاغراض شتى ، والناس تدرس تاريخ الناس لتعرف عن هؤلاء الناس اللذين كانوا ، كيف كانوا ؟ وكيف تخلقوا وكيف بدأوا وأنتهوا ، وماعملوا وفيما أخطأوا وفشلوا ، وفيما أصابوا و نجحوا ، وسر نجاحهم وخيبتهم كل هذا ليتعلموا من الماضي من ماضي الناس ، ماينفعهم في حاضرهم ، حاضر الناس . انها صور في الحياة مضت وتمت وهم اليوم في صور مثلها من حياتهم ، لم تمضي بعد ، ولم تتم ، فهم يودون علم نهاية انتهت اليها صور مضت ، ليعلموا نهاية تنتهي عندها صور لم تمض بعد . التاريخ يستقي منه العبره وأساس العبره هنا أن التاريخ يعيد نفسه وهي كلمة تسمعها من أكثر الناس ، لكن تسمعها اكثر والناس في أزماتها للتفريج عن نفسها ، فتنظر في الامس تحاول أن تجد فيه أشباه اليوم، فأذا وقعت على ماهو خير وعافية تمنته وبعد التمني تعتنقه ولتوثيق أعتناقها وتأكيد أطمئنانها هي تقول أن التاريخ يعيد نفسه ومنطقها في ذلك كمنطق الرجل الذي اراد أن يفرج عن نفسه أزاء خصمه الذي مابرح يتصاعد نجمه فقال: ماطار طير وأرتفع الا كما طار وقع _وهويقصد بذلك ماطار طير وأرتفع بجناحيين شديدين، ألا وسقط الى الارض بجناحين مهيضين ، فهكذا حلمه وهكذا أمله ومطمعه ، وغير ذلك الواقع فماطار طير وارتفع ثم وقع ، ألا وعاد وأرتفع ، ثم أرتفع وأرتفع.... أن التاريخ ليس ألا تجارب أنسانية تجري على الارض يتفاعل بها أقوام ، ثم تختتم كما بدأت فمثلا العلم الطبيعي ليس الا تجارب كذلك ، ولكن تتفاعل بها المواد الجامده ، ثم تختتم كما بدأت.... والتجارب العلمية هي وحدها التي تعيد نفسها ، أي أذا نحن أعدنا اجراءها في المختبر عادت بنفس خواتيمها وغير ذلك تماما التجارب الأنسانية وتجارب المجتمعات الأنسانية ، وتجارب التاريخ.... أن تجربة المختبر فيها العناصر المتفاعلة ثابتة الصفات ، ثابتة المقادير ، النحاس مثلا هو النحاس والاكسيد هو والهيدروجين هو والنار هو النار ونرفع درجتهما ونخفضهما وتطيل أشعالها أو أن تخمدها كل شئ ثابت كما وكيف ، حتى الظروف المحيطه وأذ تتكرر التجربة في المختبر تتكرر النتيجة الواحدة. والتجارب الأنسانية ومنها التجارب التاريخية فيها الأنسان أول عنصر وأول شي متفاعل وليس كالانسان مثلا ينفي صفة الثبات كيفا وكما، انه الهوى المتغير ، والمطمع المتقلب ، والثقافة المتباينة والميراث الذهني المتفاوت ، والأنسان لايدخل تجارب التاريخ واحدا فردا وأنما ألاف مؤلفة وملايين وهو لايدخلها جيلا واحد وأنما جيلين وثلاثة أجيال أجتمعت كلها معا على صعيد من الزمان الواحد فلو من جربا أراد أن يجمع من الزمان الواحد جمعين من بني الناس متطابقين ، ليخرج من تفاعلهما بأحداث الزمان بنتيجة واحدة ، أو حتى متشابهة يقول على أثرها أن التاريخ يعيد نفسه ما أستطاع فكيف اذا أختلف الزمان وأختلف بالناس من الزمان والقرون.