شيئا عايشً في داخل الوجدان محفور ومنحوت ومحفوظ شيئاً عايش في داخل الوجدان مغروس ومزروع وساكن وعايش في داخلنا يجري في عروقنا مجرى الدم في الوريد نفرح به تارة ونحزن به تارة كلما أتت المقارنة بين الحاضر والماضي عندما نستعيد شريط الذكريات بكل ماتختزنه الذاكرة من أحلام وطموحات وآمال ومن ذكريات من طفولة وصبا وشباب وحب وأمل ولعب ولهو ونشوة ودراسة وصلاة وعمل وصخب وهدوء كل هدا كان يجتمع داخلنا عندما نصحوا كل صباح. كان والدي ووالدتي يصحون قبل صلاة الفجر ويصحوني من أجل الصلاة واستعدادي بعدها للذهاب إلى المدرسة بعد ان أغفو قليلا بعد صلاة الفجر إلى غاية الساعة السادسة صباحاً وهنا تبدأ أمي الله يرحمها بترتيب ملابسي وتجهيز طعامي إداناً بالذهاب إلى المدرسة مدرستي الحبيبة المدرسة الغربية بالشيخ عثمان. أخذ دراجتي الهوائية نوع هاركلس متجة صوب المدرسة وهناك كنا نلتقي كل الزملاء ونذهب صوب الكانتين (المقصف) على شان نتشارك ونتقرع مع بعض (نفطر) ويبدأ الباطوالة بقرع الجرس ونصطف طابور كلاً بحسب الشريط الذي يميز صفوف الطلاب ويبدأ يومنا بقراءة القران تم النشيد الصباحي وبعدها نسير بطوابير منظمة بعد ان نشرب كوب (قلص) الحليب. لا اريد ان اطيل الشرح المهم عند انتهاء الدوام والحصص المدرسية نعود إلى منازلنا وبعد الغذاء والقيلولة نبدأ بالخروج بعد صلاة العصر لنأخذ حصتنا من اللعب في حافتنا كما كنا نجتمع نحن وأصدقائنا وزملائنا من الحوافي المجاورة لنلعب معاً واحياناً كنا نتشارك بالعواف الذي كنا نحصل عليه من أهلنا علشان نروح مقهاية الخامري (مقهاية الشجرة) التي مقابلة لشرطة الشيخ عثمان علشان نأكل خبز وشاهي او كنا نذهب عند محمد ناجي الملقب (بالخبز) والذي كان يشتهر بخبزة البر المميز وهو جارنا في شارع قرطبة وكان محله أعتقد بجوار مخبازة دغبوس وقريب من مقهاية الشهداء (كاستروا) بسوق الشيخ عثمان او كنا نذهب بوفية ومقهى الخامري تحت مسجد النور علشان نأكل المطبقية المشهورة في مدينة الشيخ عثمان والوحيدة انذاك او مقهاية عثمان العدني من أصول صومالية والذي كان يتميز اكله بالفاصوليا مع السمن الزيلعي والسبلة والقوارمة (الهال،الباروره) او نذهب مقهاية مديره المقابلة لمسجد النور وبعدها نزور مكتبة الشيباني علشان نشتري الكتب والقصص التي نحتاجها وكان كل هذا يعتبر بالنسبة لنا يوم سعيد نقضيه تمشيه وفسحة ونروح بيوتنا ونحن في غاية السعادة. والذي اريد ان أوصله لكم بأننا كنا صبية صغار كنا نخرج من بيوتنا والدنيا أمنٍ وأمان وكل الجيران زي الأخوان رغم بداية الثورة المسلحة في اكتوبر ثلاثة وستين ورغم الصراع المسلح بين جبهة التحرير والجبهة القومية من جهة ومع الرابطة من جهة اخرى قبل وبعد خروج الإستعمار البريطاني عدن. وفي العطلة المدرسية كل واحد من الزملاء كان له شأن البعض كان يسافر خارج البلاد او داخل البلاد إلى الأرياف او يبحث له عن عمل واما بالنسبة لي أنا كنت اصحى مع والدي مع اذان الفجر للذهاب معه إلى كريتر عدن حيث كان يعمل أبي مشرف في دائرة صحة البيئة أيام بدر ناجي وصالح عبدالرزاق ونجيب محبوب وعبيد خيالي وكنا نصل مباشرة إلى مقهاية كشر وعند السيد هاشم لأنه صاحب وصديق والدي الذي كان يقدم لنا الملي (القشطة) وكان أبي وانا نعاونه في العمل في المقهى في تقديم الطلبات للزبائن وبعدها يذهب أبي لعمله وأبقى انا أعمل مع السيد هاشم صديق والدي وفي المساء يأتي أبي بعد انهاء دوامة ليصحبني إلى بيتنا. وقبل ان يكون والدي يعمل في دائرة صحة البيئة كان يعمل بحار في البواخر الاجنبية وكنت اسافر معه أحيانا واذكر إني سافرت معه على الباخرة عدة مرات إلى دار السلام في كينيا ومصر بور سعيد وجيبوتي. وفي أيام عطلة الجمعة او المناسبات او الإجازات الرسمية والمدرسية كانت العائلات تعمل رحلات إلى ساحل كود النمر من الصباح او ساحل أبين او ساحل جولدمور ونتغدى هناك او نذهب إلى بستان الكمسري او بستان الحيوانات لعبد المجيد السلفي ياسلام أيام حلوه وجميلة والدنيا أمن وأمان وسلام ومن ضمن الرحلات كنا نذهب كعوائل إلى بستان الحسيني او دار العرائس ونشتري الخمير اللحجي والدال مع السمن البلدي ونشتري الحلوى اللحجية مع المضروب والقرمش ولا تنسى العائلات شراء الفل والمشموم اللحجي وهم عائدون إلى مدينة الحب والجمال والتعايش والسلم والسلام مدينة عدن الحبيبة ذكريات عايشة في داخل الوجدان لا تنمحي ابداً وهنا تأتي المفاضلة والمقارنة بين ذلك الزمان وبين زمننا اليوم فتارة الفرح نشعر بها عندما نعيد شريط الذكريات ونذكر ذلك الزمن الجميل وتارة الحزن عندما نرى حالنا اليوم من بئس وحزن نعيشها نحن وأبناءنا بسبب..!؟ شيئاً عايش في داخل الوجدان حياة متواضعة وبسيطة وسعيدة هل ستعود عدن ؟