حين أُعلنت الوحدة اليمنية في 22 مايو عام 1990م بين شطري اليمن لم يكن ذلك الحدث مجرد خطوة سياسية داخلية بل لحظة تاريخية ذات أبعاد عربية ألهبت مشاعر القوميين العرب وأيقظت حلم الوحدة العربية الذي ظل معلقًا مُنذ انهيار التجارب القومية في النصف الثاني من القرن العشرين لكن وبعد أكثر من ثلاثة عقود كثرت التساؤلات حول تلك الوحدة وحول ما إذا كانت قد فشلت كليًا أم أنها تجربة قابلة للمراجعة والتصحيح وهل ما جرى هو إخفاق للفكرة أو سوء في الإدارة والتطبيق؟ الوحدة اليمنية أمل شعبي وتجربة قومية: مُنذ اللحظة الأولى استقبل اليمنيون خبر الوحدة بفرح غامر لأنها طوت عقوداً من الانقسام والحروب والأنظمة المتباينة في التوجهات السياسية وكانت الآمال كبيرة في بناء دولة موحدة، ديمقراطية تنموية تمثل نموذجًا عربيًا ناجحًا في التوحيد السلمي وقد تجاوزت آثار الوحدة حدود اليمن الجغرافية ففي الوقت الذي كانت فيه المنطقة تشهد مزيدًا من التجزئة والانقسام جاءت الوحدة اليمنية لتبعث برسالة إيجابية إلى الشعوب العربية مفادها أن الاندماج العربي ممكن شريطة توافر الإرادة السياسية والدعم الشعبي ولذا عُدّت الوحدة اليمنية "نواة محتملة لوحدة عربية أشمل" إلا أن ما بدا مشروعًا وطنيًا متكاملًا سرعان ما بدأ يتعثر، فقد فشلت النخبة الحاكمة في تحويل الوحدة من اتفاق سياسي إلى عقد اجتماعي جامع فبرزت إشكاليات بنيوية تمثلت في مركزية السلطة حيث تركز القرار السياسي والإداري في العاصمة صنعاء مما أوجد حالة من التهميش لدى الجنوبيين كذلك التمييز الاقتصادي والمناطقي إذ لم يُحقق توازن في توزيع الثروة والاستثمار والتنمية مما أدى إلى اتساع الهوة بين المركز والأطراف كذلك تم اختزال الوحدة في إطار سلطوي لا يعكس التعددية اليمنية ولا يسمح بالتداول الحقيقي للسلطة ،وقد شكلت الحرب الأهلية في صيف عام 1994م منعطفًا خطيرًا حيث تم فرض الوحدة بقوة السلاح مما رسّخ الانقسام بدل تجاوزه وعمّق الشعور بعدم العدالة لدى قطاع واسع من الجنوبيين،فهل فشلت الوحدة؟ أم فشل من أدارها؟ لا يمكن تحميل فكرة الوحدة بحد ذاتها مسؤولية الإخفاق فالوحدة من حيث المبدأ كانت وما تزال هدفًا نبيلًا ومشروعًا تاريخيًا متجذراً في وعي اليمنيين والعرب غير أن فشل الإدارة السياسية وغياب المؤسسات الرصينة وتغليب منطق الهيمنة على منطق الشراكة هو ما أدى إلى التشظي الراهن لقد آن الأوان لفصل الفكرة عن التطبيق ولإعادة النظر في التجربة بكل شجاعة ومسؤولية فالنقد لا يعني الهدم والمراجعة لا تعني النكوص. ولذلك لابد من استلهام التجارب العربية والدولية الناجحة في الوحدة الفدرالية أو إعادة التوحيد بما فيها النماذج الألمانية والإثيوبية وغيرها مع مراعاة خصوصية الحالة اليمنية، فالوحدة اليمنية لم تكن خطأ بل كانت لحظة نادرة تجسدت فيها إرادة الشعب والخطأ كان في التعامل معها كغنيمة سياسية لا كمشروع وطني فاليوم وفي ظل ما يعانيه اليمن من انقسام وفوضى وتدخلات خارجية هو بحاجة إلى وجود روح جامعة ونظام ضامن للعدالة والمشاركة وحينها فقط يمكن للوحدة اليمنية أن تعود منارة يُحتذى بها في طريق الوحدة العربية المنشودة.