الوحدات الجزئية داخل الدول العربية نجحت والحلم الكبير بددته النزوات السياسية كما تم التركيز الاعلامي علي فشل التكتلين الاقليميين العربيين اللذين حدثا عام 1988 وقيام "مجلس التعاون العربي" الذي ضم مصر والعراق والأردن واليمن، وقيام "اتحاد المغرب العربي" الذي ضم بلدان المغرب العربي: موريتانيا، المغرب، الجزائر، تونس، وليبيا، وانفراط عقد التجمع الأول بعد حرب الخليج عام 1991، وجمود التجمع الثاني بسبب الخلافات التي نشبت بين أعضائه وحالت دون تفعيله حتي الآن، وغياب الديمقراطية الحقيقية في بلدان هذا التجمع التي لم تتح الفرصة لشعوب هذه البلدان في تطوير هذا التجمع وتفعيله ولتتقدم به الي مراحل متطورة أخري. كما تم في نفس الوقت تغافل مبالغ فيه لتجربة "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" الذي أقيم عام 1980، الذي لا يزال مستمراً حتي الآن، والذي مهما قيل في تباطؤ تحقيق الأهداف من قيامه، الا أنه حقق قفزات نوعية خلال السنوات الخمس الأخيرة وبخاصةً في اجتماع قمته الأخيرة (الدورة الثامنة والعشرين للمجلس الأعلي للتعاون لدول الخليج العربية) التي عقدت في الدوحة خلال الفترة 3 4 كانون الأول/ديسمبر 2007، والتي تمخضت عن قرارات هامة لتعزيز الترابط بين أعضاء المجلس وكان أهمها "قيام السوق الخليجية المشتركة" اعتباراً من أول عام 2008، وهو انجاز ستتبين أهميته، رغم تأخره، بعد قليل. الدولة الاندماجية المركزية وفي ما يتعلق بالوحدة بين مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958، فقد تم التركيز علي الانفصال الذي تم بين شطريها عام 1961، دون اعطاء الاهتمام والدراسة الكافيين لأسباب الانفصال من عوامل داخلية وقصور وتخلف فكري وحدوي ومؤسساتي عن العمل السياسي الوحدوي، وعوامل اقليمية ودولية، حيث ساهمت دول اقليمية عربية وأخري دولية في تشجيع وتمويل الانفصال، دون تجاهل للعوامل الداخلية. وتم التغاضي عن الوحدات الجزئية التي قامت في أجزاء من الوطن العربي، ولا تزال راسخة ومتماسكة، رغم بعض الهزات في بعضها وتباطؤ الاندماج في بعضها الآخر. فقد تم خلال النصف الأول من القرن العشرين توحيد أجزاء من الجزيرة العربية وقيام المملكة العربية السعودية في دولة اندماجية مركزية، وهي تجربة وحدوية ناجحة بغض النظر عن أية ملاحظات حول نظامها السياسي وحول أسلوب تحقيقها وعما اذا كان من الممكن اتباع نفس الأسلوب في تحقيق وحدات جزئية أو كبري مماثلة في القرن الحادي والعشرين. وكما تم توحيد ليبيا الحالية بقرار من الأمم المتحدة في الخمسينيات في دولة اندماجية مركزية ولا تزال قائمة رغم أية ملاحظات حول طبيعة الحياة السياسية فيها وأية ملاحظات حول الأوضاع الداخلية والتوجهات والممارسات الخارجية لها. كما تم اتحاد بعض الامارات العربية في الخليج عام 1971 وقيام "دولة الامارات العربية المتحدة" في اتحاد فيدرالي تم الحفاظ عليه حتي الآن، رغم عدم النجاح الكافي في تطويره وتعميق وحدته واقامة مؤسسات ديمقراطية حقيقية تحافظ عليه وتطوره، ولكن أمكن الحفاظ علي هذا الاتحاد وتطويره رغم هذا التوحيد.كما تم عام 1990 توحيد شطري اليمن الجنوبي والشمالي، في دولة مركزية، لا تزال مستمرة رغم محاولة الانفصال الفاشلة (عام 1994)، وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية الداخلية والاقليمية، لمحاولة القضاء علي التجربة الديمقراطية الوليدة في اليمن وعلي الحريات النسبية والتعددية الحزبية والسياسية رغم كل الملاحظات عليها، والحاجة الي معالجة حقيقية للمشاكل القائمة في جنوب اليمن والتداول الحقيقي للسلطة، ولكنها تجربة متقدمة بالمعايير النسبية علي بقية الأنظمة السياسية في بلدان الخليج العربي الأخري، وهو عامل يساهم في اتجاه عكسي للضغط علي هذه التجربة الديمقراطية الوليدة في اليمن والتعتيم عليها خليجياً، ولكن وبقدر استمرار هذه التجربة الديمقراطية الأولية في اليمن فانها ستفرض من خلال اشعاعها علي محيطها في الخليج العربي تطورات ايجابية علي النظم السياسية في بلدان الخليج العربي عموما.ويمكن أن نستخلص من كل ذلك أنه الي جانب انتكاسة تجربة الوحدة بين مصر وسوريا وانفصالهما فيما بعد، وعدم نجاح بعض المحاولات التوحيدية بين مصر وسوريا والعراق، وبين العراق وسوريا، الا أنه كانت هناك تجارب وحدوية جزئية ناجحة نسبياً ومستمرة، كما تم في قيام المملكة العربية السعودية، وليبيا، ودولة الامارات العربية المتحدة، والجمهورية اليمنية، والمهم هو دراسة أسباب نجاح المستمر منها ووسائل تطويره، وأسباب فشل بعضها وعدم تحققها، للاستفادة من تلك الدروس في مواصلة تطوير العمل الوحدوي العربي.ومن المفيد الاشارة هنا الي بعض الدروس والعبر التي تم استخلاصها من التجارب الوحدوية العربية الناجحة والفاشلة منها. فقد حصلت تطورات هامة في الفكر القومي العربي في قضية الوحدة العربية، كان منها الموقف من الدولة القطرية العربية. فبسبب اخفاق الدولة القطرية العربية في تحقيق التنمية الحقيقية، والأمن الوطني القطري، والتقدم العلمي والتقني، والحياة الديمقراطية الحقيقية، وبسبب محدودية عدد الدول القطرية العربية آنذاك، فقد كان موقف الفكر القومي العربي عموماً خلال النصف الأول من القرن العشرين هو اعتبار الدولة القطرية عقبة في تحقيق الوحدة العربية. الا أنه حصل تطور في موقف الفكر القومي العربي من مسألة الدولة القطرية العربية خلال الثلاثين سنة الأخيرة، رغم فشلها، وتمثل هذا التطور في "مصالحة الفكر القومي العربي مع الدولة القطرية العربية" بسبب تكاثر عددها، وترسخ وجودها رغم فشلها المشار اليه سابقا،ً وأن أي توجه نحو أية وحدة عربية جزئية أو شاملة، يجب أن ينطلق من الدولة العربية القطرية نفسها، وفي اطار يأخذ بنظر الاعتبار التجارب الوحدوية الناجحة في العالم التي عالجت وتغلبت علي هذه العقبة، مثل تجربة الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن الحفاظ علي الكيانات القطرية السياسية، مع تنازلها جميعاً عن جزء كبير من سيادتها القطرية الي مؤسسات اتحادية تتولي قدراً متزايداً من الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدفاعية القطرية. الخيار الديمقراطي الوحدوي كما حصل تطور هام في الفكر القومي العربي خلال الثلاثين سنة الأخيرة في ما يتعلق بشكل الوحدة، حيث تم التخلي في غالبية هذا الفكر القومي، عن مبدأ الدولة الوحدوية الاندماجية المركزية، والتحول الي صيغة الوحدة الاتحادية أو ما تسمي أحياناً "الوحدة الفيدرالية"، حيث ان اتساع الوطن العربي، وتزايد عدد الوحدات القطرية فيه، لم تعد تصلح أو تسمح بقيام وحدة اندماجية، وان صيغة "الوحدة الاتحادية" هي الصيغة الأكثر ملاءمة لأي توحد عربي مستقبلي، وهو ما انتهي اليه مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي، الذي قام به مركز دراسات الوحدة العربية خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين ونشر تقريره العام عن المشروع بعنوان:"مستقبل الأمة العربية: التحديات... والخيارات" حيث تم تبني المشهد (السيناريو) الثالث، وهو خيار الوحدة الاتحادية. كما حسم الفكر القومي العربي في "وسيلة تحقيق الوحدة العربية"، وأن تتم بخيار ديمقراطي وموافقة شعبية حقيقية، واستبعاد كل الوسائل الأخري غير الديمقراطية التي تمت ممارستها سابقاً وبالقوة، سواء في قيام المملكة العربية السعودية، أو في قيام وحدات أوروبية سابقاً مثل توحيد ألمانيا. ولذلك، أصبح تحقيق الديمقراطية الحقيقية في الأقطار العربية مقدمة وشرطاً ضرورياً لأي عملية توحيد عربية جزئية أو شاملة. كما لم يعد الفكر القومي العربي يصر علي صيغة "الوحدة العربية الشاملة"، وأصبح من المقبول فكرياً وعملياً قيام وحدات عربية جزئية، تكون منفتحة علي انضمام أقطار عربية أخري اليها في ما بعد علي ضوء نجاح تلك الوحدات الجزئية واقتناع أقطار عربية أخري بالانضمام اليها. كما أصبح مقبولاً لدي الفكر القومي العربي، الاستفادة من التجارب العالمية في أشكال توحيدها، وأن هناك مستويات مختلفة لهذه الاتحادات: اقتصادية، اجتماعية، سياسية، ودفاعية؛ وأنه ليس من الضروري أن يشترك جميع دول هذا الاتحاد في جميع مستويات الاتحاد، بل يمكن أن يشتركوا في مستوي واحد وأكثر منها دون الاشتراك في جميع مستوياتها، كما حصل ويحصل في الاتحاد الأوروبي، حيث ان هناك دولاً أعضاء في هذا الاتحاد، مثل المملكة المتحدة (بريطانيا) وهي لا تشارك في العملة الموحدة للاتحاد الأوروبي (اليورو)، كما لا يشارك بعضها في مستويات أخري من الاتحاد الأوروبي. ويترك عادةً لهذه الدول الأعضاء الحق في أن تشارك في المستويات الأخري التي لم تشارك فيها ابتداء، اذا ما وجدت مصلحة لها في ذلك وعلي ضوء التجربة الفعلية لنتائج تطبيق كل المستويات الأخري من الاتحاد. في التجربة الخليجية كما تمّ الاعتراف والاهتمام المتزايد بمقومات الفكر القومي العربي و"المصالح المشتركة"، وان تكون للقطر الذي يدخل في أي مشروع وحدوي "مصلحة قطرية"،اضافةً الي المقومات الأخري للوحدة، من وحدة اللغة والتاريخ المشترك، ومتطلبات الأمن القومي العربي الحقيقي الذي يتعذر تحقيقه قطرياً، وتعذر تحقيق تنمية عربية حقيقية علي المستوي القطري الا من خلال الوحدة، وكذلك وحدة المصير المشترك. ورغم البطء ومحدودية التطور الذي رافق نشأة وتطور "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" الا أن السنوات الأخيرة شهدت انجازات هامة لهذا المجلس، وبخاصة اجتماع قمته الأخيرة، التي تمثل انجازاً متميزاً، وبارقة أمل وحدوية قادمة من الخليج العربي.فاضافةٍ الي قيام منطقة التجارة الحرة بين دول المجلس عام 1983، وقيام الاتحاد الجمركي بين دول الاتحاد في أول عام 2003، واتخاذ خطوات فاعلة لقيام الوحدة النقدية والعملة الخليجية الموحدة عام 2010 (مع احتمال تخلف سلطنة عمان عن اللحاق بها في هذا التاريخ)، تبرز مشاريع التكامل في مجال البنية الأساسية، والتقدم الذي تحقق في تنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين بلدان الخليج، وما تحقق من انجاز جزئي في مشروع البطاقة الشخصية (البطاقة الذكية) واستخدامها في تسهيل التنقل بين دول المجلس، ودراسة الجدوي الاقتصادية لمشروع سكة الحديد لربط دول المجلس التي تمّ اعدادها، وكذلك دراسة الجدوي الاقتصادية لمشروع الربط المائي، التي يتمّ اعدادها، والتي من المتوقع أن يتمّ البت فيها جميعاً في اجتماع الدورة القادمة (القمة) التاسعة والعشرين التي ستعقد خلال هذا العام في سلطنة عمان.الا أن الانجاز الوحدوي الأهم، ذا الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الذي تحقق خلال اجتماع القمة الأخيرة في الدوحة بقطر، هو اعلان قيام السوق الخليجية المشتركة اعتباراً من أول عام 2008 الحالي، التي ستتضمن استفادة مواطني دول المجلس من قيام هذه السوق، وتعميق المواطنة الخليجية وتحقيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في ممارسة الأنشطة الاقتصادية وتنقل رؤوس الأموال، والاستثمار بجميع أنواعه، والعمل، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية في جميع دول المجلس. كما تم تشكيل "لجنة السوق الخليجية المشتركة" كلجنة دائمة تتبع لجنة التعاون المالي والاقتصادي التابعة للمجلس، لمتابعة سير العمل في السوق الخليجية المشتركة في ضوء قرارات المجلس الأعلي، والاتفاقية الاقتصادية، وتقييم المرحلة التي وصل اليها التطبيق في كل جانب من جوانبها، ودراسة ما يواجه التطبيق من صعوبات وعقبات واقتراح الآليات اللازمة لتذليلها وازالتها. بلدان مجلس التعاون ان قيام "السوق الخليجية المشتركة" ووضعها موضع التنفيذ اعتباراً من أول العام الحالي، وما تضمنته من اقرار المواطنة الخليجية الكاملة، وانشاء "لجنة السوق الخليجية المشتركة لمتابعة التنفيذ ومعالجة وتذليل العقبات"، هو انجاز وحدوي هام بكل المعايير والمقاييس الموضوعية، والذي لا شك أن التحضير الذي تم له واقراره ووضعه موضع التنفيذ، ونجاح تطبيقه، سيمثل نموذجاً مشعاً ودعوة صريحة وصارخة للأقطار العربية الأخري للاستفادة من هذه التجربة والاقتداء بها وعدم التقليل من أهميتها، بل تسليط الضوء عليها، وبيان أهميتها وقابليتها للتطبيق بين أقطار عربية أخري. كما يجب الاهتمام بدراسة الجدوي الاقتصادية التي يقوم مجلس التعاون بها لمشروع سكة الحديد لربط بلدان المجلس، وأن تتم الدراسة أخذاً بنظر الاعتبار مشروع السكة الحديدية لربط البلدان العربية جميعها، والذي كان قد أعدها الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي، اضافة الي مشروع الطريق العربي الذي كان الصندوق قد أعده لنفس الغرض(1)، وان تتولي حكومات بلدان مجلس التعاون والبلدان العربية الأخري ذات الموارد النفطية المهمة (مثل العراق وليبيا والجزائر) تمويل الجزء الخاص من السكة الحديدية العربية في الأقطار العربية غير القادرة حالياً علي توفير هذا التمويل، من خلال تقديم قروض لها بدون فوائد لهذا الغرض. ولعله من المفيد أن نذكر هنا الدور الذي لعبه مد السكة الحديدية في الولايات المتحدة في توحيدها وتأثير ذلك علي النمو الاقتصادي فيها(2).كما يجب الاسراع في تنفيذ الجسر المقترح بين قطر والبحرين وان تساهم قطر في معالجة العبء المالي التي قد لا تكون البحرين قادرة علي تحمله، لأهمية بناء هذا الجسر الذي سيساهم بربط بلدان مجلس التعاون جميعاً فيما بينها.ورغم هذا الانجاز الوحدوي الكبير، فانه لا بد من ابداء بعض الملاحظات التالية لتكون موضع اهتمام حكومات وشعوب بلدان مجلس التعاون الخليجي: 1 ان مجلس التعاون الخليجي بحاجة ماسة وملحة لمعاجلة موضوع العمالة الوافدة، وغير العربية منها بشكل خاص. فالاحصاءات التي نشرت مؤخراً تشير الي أن نسبة العمالة الوافدة تبلغ حوالي 39 بالمائة من مجموع سكان بلدان مجلس التعاون الخليجي (المواطنين والوافدين)، وأن هذه النسبة تصل الي حوالي 80 بالمائة في بعض بلدان المجلس والي 90 بالمائة من مجموع الأيدي العاملة فيها. ويشكل استمرار ذلك خطراً حقيقياً علي عروبة بلدان مجلس التعاون الخليجي، وهناك مخاوف حقيقية من أن تضطر خلال العقدين أو الثلاثة القادمة، وتحت مظلة حقوق الانسان، الي اعطاء الاقامة الدائمة لبعض أو أغلبية الوافدين فيها، ثم اعطاء الجنسية المحلية للذين يولدون منهم في تلك البلدان، وأن يتم تحت شعار "حق تقرير المصير" تحويل معظم هذه البلدان (عدا السعودية) الي حكم أكثرية تملك هويات آسيوية، ويصبح "مواطنو" معظم هذه البلدان حالياً "أقليات" في بلدانهم الأصلية، وما قد يترتب علي ذلك من نشوء مشكلة عربية خطيرة لا تقل أهمية عما جري لفلسطين، بخاصة أن تابعية معظم هذه العمالة الوافدة هي لدولتين آسيويتين نوويتين. هذا اضافة الي المخاطر الاجتماعية والثقافية التي تترتب علي الوجود المكثف لهذه العمالة الوافدة غير العربية في بلدان المجلس(3). وتحتاج معالجة هذه الأخطار المحتملة الي أن تعي حكومات وشعوب بلدان مجلس التعاون الخليجي هذه الأخطار وواتباع سلسلة من السياسات العاجلة لتفادي تلك الأخطار وفي مقدمتها: احلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة كلما أمكن ذلك، والتغلب علي ما يقدم من سبب لتفضيل العمالة الوافدة علي الوطنية من رخص الأولي بالمقارنة بالثانية، وذلك باتباع سياسات تفرض علي القطاع الخاص استخدام نسبة معينة من العمالة الوطنية، وأن تقدم حكومات تلك البلدان الدعم المالي للقطاع الخاص لتحمل الفرق بين كلفة العمالتين عليها، وأن يتم تدريب العمالة الوطنية علي حساب حكومات هذه البلدان لتحل محل بعض العمالة الوافدة، وهي سياسة تتبعها سلطنة عُمان بنجاح ملحوظ وتحتاج اليها بقية بلدان المجلس للاستفادة من تلك التجربة. اضافة الي ذلك، وحيثما تضطر هذه البلدان الي استمرار استخدام عمالة وافدة، أن تعطي الأولوية لاستخدام العمالة العربية، وبخاصة من بلدان عربية غير خليجية لا تشكل أية مخاطر أمنية عليها، مثل مصر والسودان والأردن وتونس والجزائر والمغرب، وادخال التعديلات اللازمة علي قوانين الاقامة والجنسية بحيث يعطي الحق لمن يعمل فيها لمدة معينة بالاقامة الدائمة والعمل والتملك له ولأولاده. لقد آن الأوان أن تتطلع حكومات هذه البلدان الخليجية الي قوانين الاقامة والجنسية والتملك في بلدان غربية متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وكندا واستراليا وغيرها، والتي استفاد ويستفيد منها بعض سكان بلدان مجلس التعاون أنفسهم. ومن الحلول الجذرية الأخري لمعالجة مشكلة العمالة الوافدة غير العربية في بلدان مجلس التعاون هو قبول اليمن في عضوية المجلس، والتي أبدت رغبة في ذلك، والتي تم تشكيل لجنة مشتركة بين المجلس وبينها لبحث مجالات التعاون المشترك، دون القبول المبدئي بعضويتها في مجلس التعاون. وهذا الموقف المتردد والرافض حتي الآن لعضوية اليمن في مجلس التعاون يعطي الانطباع بأن حكومات بلدان مجلس التعاون الحالية تريد المحافظة عليه ك "نادي للأغنياء". ولعله من المفيد أن يدرس مجلس التعاون تجربة الاتحاد الأوروبي مع اسبانيا قبل دخولها الي الاتحاد، والتي كانت في وضع قريب الشبه من وضع اليمن حالياً مع مجلس التعاون، حيث وضع الاتحاد الأوروبي (وكان يومها يسمي الجماعة الأوروبية) برنامجاً خاصاً لتطوير اسبانيا بتمويل من الجماعة الأوروبية قبل أن تنضم اسبانيا اليها، والتي أصبحت بعد انضمامها من الدولة الأوروبية المتقدمة. ولذلك يمكن لليمن بانضمامها الي مجلس التعاون أن تتطور كما تطورت اسبانيا من خلال الاتحاد الأوروبي وأن تكون مجالاً رحباً للاستثمارات الخليجية التي يتسكع بعضها في الغرب، وأن تحل الي حد كبير مشكلة العمالة الوافدة غير العربية في بلدان مجلس التعاون، خاصة بعد بدء تطبيق "السوق الخليجية المشتركة" وما تضمنته من تحقيق "المواطنة الخليجية". 2 ان بعض بلدان مجلس التعاون تقوم علي أساس مورد طبيعي أساسي (النفط والغاز) قابل للنضوب، مهما كان طول مدة استخراجه، وان مشروع قيام أية دولة هو مشروع طويل الأمد ولا يمكن أن يتم علي أساس مورد قابل للنضوب، مهما طالت مدته، ولذلك تحتاج هذه البلدان لمواجهة احتمالات المستقبل للأجيال القادمة فيها الي تبني سياسات تواجه هذه الحقائق بموضوعية وجدية، مهما كانت صعوبتها وصدمتها. 3 عبثاً تحاول بلدان مجلس التعاون أن تتبني سياسة دفاعية مشتركة وقوة دفاعية مشتركة، لأنه ليس لديها مجتمعة الحد الأدني من توفير مقومات مثل هذه السياسة، ولأنه لا يمكن، أن يكون هناك عملياً "أمن قومي خليجي" بمعزل عن "الأمن القومي العربي" مهما حصلت، طوعاً أو مكرهة، علي أسلحة أمريكية وغير أمريكية، الا باللجوء الي اتفاقات أمنية ودفاعية مع بعض الدول الكبري، مع كل ما يرتبه ذلك من قيود علي سيادتها وأخطار عليها. وهي بحاجة الي التفكير جدياً في اقامة "أمن خليجي" يكون جزءاً من الأمن القومي العربي، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشتركة واقامة جيش عربي مشترك، علي غرار حلف الأطلسي والقوات المشتركة فيه، يساهم في حماية أمنها، وبكلفة أقل مما تصرفه علي أسلحة لا تحقق الأمن لها، وأن تكون ايران جزءاً من هذا الأمن القومي الخليجي العربي" حيث انه بدون أن يكون العرب جميعاً طرفاً في هذا الأمن الخليجي – الايراني، فان دخول بلدان مجلس التعاون وحدها في اتفاقية أمن خليجي مع ايران لا يحقق لها الضمانات الأمنية القومية اللازمة، بسبب عدم تكافؤ الطرفين: الخليجي والايراني.كانت الذكري الخمسين لقيام وحدة مصر وسوريا بالجمهورية العربية المتحدة، مناسبة للاطلال علي موضوع الوحدة العربية ووضعها في اطارها العربي والاقليمي والدولي، وبيان أهمية ما حصل مؤخراً في مجلس التعاون بقيام "السوق الخليجية المشتركة" وما يمكن أن يمثله من نموذج قدوة للعرب الآخرين. ومهما كانت العقبات الحالية في طريق قيام اتحادات عربية أخري، جزئية أو شاملة، فان هذا هو طريق المستقبل للأمم الحريصة علي مستقبلها ومستقبل أجيالها. كما يجب أن نتخلي عن "حتمية الوحدة العربية" لأنها قد تتحقق وقد لا تتحقق، ولأن تحقيقها مرتبط بارادة وعمل أبنائها، وتفعيل ذلك مرتبط بتحقيق الديمقراطية الحقيقية في الأقطار العربية ومشاركة شعوبها في القرارات المصيرية الخاصة بهم، وهو آت مهما طال السفر! (1) نظم مركز دراسات الوحدة العربية في أيلول/سبتمبر 1981 ندوة حول "المواصلات في الوطن العربي" تناول فيها مختلف أنواع المواصلات، من برية وبحريو وسكة حديد وغيرها، كما نوقش فيها مشروعي الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي حول اقامة شبكة سكة حديدية عربية، وطريق بري عربي. انظر.ز مجموعة من المؤلفين (ندوة). المواصلات في الوطن العربي، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالاشتراك مع نقابتي المهندسين والمعلمين في العراق، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، عام 1982، ص 402. (2) انظر علي سبيل المثال لا الحصر: a Alan Koening, ...Railroad's Critical Role in the Civil War", originally appeared in the September 1996 issue of America's Civil War Magazine and reprinted on the web the History Net. b Albert Fishlow, American Railroad and the Transformation of the Ante Bellum Economy, (Cambridge MA, Harvard University Press 1965). Review Essay by John Majewski, on http:// eh.net/book reviews/library/Majewski. c Lei Wang and Michael Latham, "The role of railroad in the development of the American West", Chinese Geographical Science, Vol. 11, No 3, September 2001. (3) عقد مركز دراسات الوحدة العربية ندوة في الكويت، وبتمويل من الأستاذ عبد المحسن قطان، عضو مجلس أمناء المركز، ناقش موضوع "العمالة الأجنبية في أقطار الخليج العربي، ونشر المركز وقائع هذه الندوة في كتاب بعنوان: نادر فرجاني (محرر): العمالة الأجنبية في أقطار الخليج العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1983، ص ص 709.. *نقلا عن صحيفة الزمان اللندنية