ما زلتُ أتذكرُ بكاءها بحرقة عندما غادر الحياة ، حينها كنتُ مغترباً، تلك اليوم أفتقدتُ اُمي فما كان مني إلا أن أتصل عليها كي أسمعُ صوتها الملائكي، ما إن أطلقت مكالمتي سمعتُ نبرات حزينة جداً، اُصبتُ بالرُعب والهلع، كنتُ أظن بأن هُناك كارثة حصلت في أقربائي، سألتها ما بالكِ حزينة يا اُمي ، تنهدت تنهيدة حزينة ، وحين تنهدت شعرتُ بأن الكُرة الأرضية توقفت عن الدوران، بعدها قالت بأنها حزينة إثر رحيله المُفاجئ، حينها زعلتُ لأجلها وشاطرتها الوجع والألم حتى هدأت وأرتاحت .. هأنا أول مرةً أعترف لكم هُنا وأقول هذا رغم أن والدتي لو عرفت بهذا ستعاتبني بشدة، ليس لأجل شيء إنما ستخاف أن تأتي شلة تكره علي عبدالله صالح ، تداهم المنزل ليلاً وتقوم بإختطافها ف يتم الزج بها بين أربعة جدران مُعتمة ، لكنني سأجازفُ وسأنطق بالحقيقة، اُمي تحبُ علي عبدالله صالح، لا أدري ما سبب حُبها لهذا الزعيم والخائن والمُجرم والطاغية بنفس الوقت، لستُ أعلمُ كيف وقعت بحب الصالح وهي اُمية لا تقرأ ولا تكتب كما أنها ليست عضوء في حزب المؤتمر ، حتى أنها لا تمتلكُ بطاقة شخصية ولا إنتخابية، هي امرأة ما زالت على الفطرة، كما هطلت من رَحم الجنة ، وجهها مليء بالضوء والتجاعيد وخيوط العنكبوت وصوتها جميلاً كصوت داؤود ، اُمي تكره من يكره علي صالح وتحبُ من يدعو لهذا الرجل بالرحمة وتدعو له بالصلاح في كل ركعة وسجدة . ذات مرة قُلتُ لها ممازحاً بأن علي عبدالله صالح طاغية، قتل الشباب في الساحة، أعدم الكثير وأخفى أكثر من شاب ٍو طفلٍ وامرأة، زج بكثيراً من الأبرياء إلى السجون، أحرق أرواح الكثير وهَدم أفئدة كثيرة، همش الخريجين الذين يمتلكون الشهائد ورفع أبناء القبائل وقام بتقديس القبيلة ، تجاهل القضية الجنوبية وقام بِنهبِ ثروات جنوب الوطن إرضاءاً للقبيلة ، شن ستة حروب على مدينة صعدة فأحرق مزارع الرُمان وتسبب بكثيرٍ من الأرامل . كان له يدٍ بإغتيال زعيم الحزب الإشتراكي جار الله عُمر مباشر على الشاشة وبوجود عبدالله بن حُسين الأحمر الذي لم تهتزُ له شعرة ولن تذرف عيناه دمعة ولم يتحرك من فوق الكُرسي ، زرع تُراب الوطن بالقاعدة والألغام والمسامير والشوك فقطفنا نحنُ الفقراء ثمار كل عهرٍ ورذيلة ، جعل الوطن مليء بالوحوش وكأنه غابة، أرسل رياح الفقر والجوع إلى كل زُقاقٍ و منزلٍ وشارعٍ ومدينةٍ وحارة ، جعل اليمن دولة فقيرة، كان سبباً بإغتراب أبناء الوطن خارج البلد، نهب خيرات الدولة ، لديه أرصدة هائلة في البنوك العالمية ومدينة تشبه صنعاء القديمة في دولة عربية ، قَتل اليمن عندما شارك بإغتيال الحمدي وها نحنُ ما زلنا نبكي ونلعن ونموت ونرثي.. قُلتُ لها هكذا ذات يوم ، تحديداً عند تمام الساعة الثانية عشر ظُهراً، عندما كنتُ جائع في الصالة أنتظر نزول المائدة من المطبخ ، سمعتني اُمي أسرد كل هذا ف حلفت أنها ستجعلني جائعاً عقاباً لي، وفعلاً أوفت بوعدها حتى أنها طردتني من المنزل ثم حلفت أنني لن أدخل البيت إلا عندما أعتذر لهذا الشخص الراحل، تركتُ المنزل وذهبتُ بعيداً، كنتُ أنام في خرابة مهجورة جوار القرية ، في جبلٍ موحشٍ كاليباب ، شحيح بالأكسجين وبدون ضوء، كنتُ أفرشُ كراتين الصابون عندما يأتي موعد النُعاس ، أطرح الهزيل جسدي وأمعائي الجائعة فأشعر بِلهيبٍ حاد في أجزائي، وحين عرف كهل قريتنا بأنني مطرودٌ من المنزل تصدق علي ببطانية صغيرة حتى أنه كان يكرمني بالغذاء عند مجيء موعد كل وجبة . أحببتُ ذلك الإنسان الكهل كحُبي لوالدي ولاُستاذي ، الحُب الذي لا يختلف عليه إثنان، لأن والدي من علمني الأدب وقام بتربيتي في المنزل وأستاذي من علمني القراءة والكتابة وحُب الأدب في المدرسة، كان ذلك الكهل يناديني يا ابني، يا ابني ، إنه كريماً جداً ، يشبه حاتم الطائي، أو بالأصح هو طائي هذا الزمن ، ظليتُ فترة طويلة حتى اُصبتُ باليأس جعلني أكره عيشتي الساذجة بسبب لحظة غضب، شعرتُ بتأنيب الضمير ثم قلتُ الجريمة التي أقترفتها كبيرة وهي جزء من عدم طاعة الوالدين، خطرت في بالي فكرة الإعتذار لعلي عبدالله صالح جعلتني أترك الخرابة وأعود نحو اُمي كي أقدم الإعتذار الذي سيكون كفيلاً بعودتي إلى جوار اُمي والعيش في المنزل . فعلاً ذهبتُ نحو اُمي، في الطريق كنتُ أمشي ب إستحياء كامرأةٍ يمشي خلفها نَبي، وصلت البيت فقبلتُ رأسها وركبتها وأقدامها ثم قلتُ لها أنا أعتذر يا امرأة الزهور، صرخت فقالت : إعتذر ل علي عبدالله صالح الذي رَحل ، الذي أصبح عظام وتُراب ، لا تعتذر لي يا اِبني، حينها شعرتُ بإرتفاع درجة الحرارة في جسدي، فقلتُ يالله هل يُعقل بأن اُمي تحبُ هذا الرجل فعلاً أم تريد أن تختبرني كي تعرفُ أنني على مبدأ أم أنني متناقض، أخذتُ شهقتان وزفرتان بِعمُق ثم لَملَمتني من شتاتي ودعوت الرب أن يمدني بالقوة كي أتغلب على هذه الامرأة الذكية ، فقلتُ لها أنا أعتذرُ للزمن القديم وليس للشخصية الراحلة ..! بهذه الجُملة أمتصيتُ غضبها وفعلاً كانت طريقة صائبة، بعد هذا أخبرتها بأنني أودُ أن أعرفُ ما سبب محبتها ل علي عبدالله صالح، أعتكفتُ جوارها ومن ثم بدأت بطرح الأسئلة ففوجئتُ بأنها حزينة لرحيل زوج اُختها الذي توفى بحادثٍ مروري قبل ثلاثة أعوام ، كان يُدعى علي عبدالله صالح، كان يحملُ اسم الرئيس الراحل ليست حزينة لرحيل الرئيس أبداً، حينها صفعتني صفعة قوية وقُلتُ هل يُعقل بأنني ظليتُ مشرداً أنام في خرابة مهجورة والسبب كان سوء فِهمٍ من قِبلي . 2-11-2020 وثيق القاضي.