كل ماضي حلو كما يقال فهذه العبارة تتجسد واقع ملموس عندما تعيد شريط الذكريات الى ماض مضى منذ عشرات السنين .. في ذلك الماضي من الزمن الجميل لازلت أستذكر أيام مواسم الحصاد في الأراضي الزراعية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي .. حيث تتجه الأسر الى أراضيها برجالها ونساءها وأطفالها حاملة معها معدات الحصاد من مناجل وقفف الى جانب المواد الغذائية وأدوات الطبخ . ونحن كأطفال في تلك السنون الخوالي نكاد نطير من الفرح منتظرين إنبلاج فجر صباح الحصاد.. ولاتسعنا الفرحة ونحن نشاهدهم وهم يعدوا العده ومن ثم الإتجاه الى الحقل مبكرا". وغالبا"مايبدأ العمل مابين السادسة والسابعة صباحا" وأتذكر عملية حصاد المحاصيل الزراعية من الحبوب كالسمسم والدخن والسنيسلة والذرة الرفيعة (الحيمر) وهي المحاصيل التي تزرع بمنطقتنا .ويتم تقسيم العمل مابين الرجال والنساء فيقوم الرجال بحصد الأعلاف أي عملية (الجزوز) وتقوم النساء بحصد الثمر والسنابل أي عملية (الصرابه) . يتم ترتيب العمال بشكل أفقي داخل الجربه الزراعية أي من جهة العرض وتكون المسافة بين الشخص والآخر قرابة المترين وينطلقوا في عملية الحصاد بكل همة ونشاط ومرددين الأهازيج والموايل الشعبية والتي تحفزهم وتزيدهم معنوية وحماس في عملية الحصاد ويتشرع كل واحد المكان المخصص له أي يقال لهم كل واحد يطلع شرعة وخلال هذه الفترة يتناولوا بين فترة وأخرى الماء والشاي أو القهوة. حتى يحين موعد الأفطار (القراع)والذي يتم طباخته في الطين من قبل أحد النساء أو من قبل أكثر من أمرأة حسب عدد العمال. يتم الطهي علي الطبيعة بحطب السمر أو الظبيان وعلى ثلاثة أحجار غالبا"ماتوضع أدوات الطبخ..وبعد إن تتم طباخة الفطور يتم تجهيزه تحت ظلال شجرة السدر وغالبا مايكون مابين الساعة الثامنة والتاسعة صباحا"وتقدم الوجبه لكل فريق على حده النساء في مكان والرجال بمكان آخر بينما نحن الأطفال نتجول بين الفريقين كأطفال أبرياء نأخذ لقمة من هنا ولقمة أخرى من هناك.. وبعد أستراحة قصيرة من تناول الفطور يبدأالعمل بنفس الهمة والوتيرة الى وقت الظهر فيتوقف العمل ويستعدوا لتأدية صلاة الظهر .ثم يجلس الفريقين كل منهما في مكانه الخاص به إستعدادا"لتناول وجبة الغداء وكان أول أيام الحصاد دائما" ماتتم فيه الذبائح تيمنا"وبركة راجين الخير الوفير من رب العالمين ويقدم الحساء للعمال (المرق) ويرتشفوه وهم يتضاحكوا ويتجاذبوا أطراف الحديث ناسين تعبهم وكدهم ومن ثم يقدم لهم الطعام ومن ثم الشاي والقهوة وبعد برهة من الوقت يعاودون العمل الى صلاة العصر..ثم يعودون منازلهم بعد عمل وجهد يوم طويل .. ورغم الجهد والتعب ولكن تجد الناس مبتهجة مسرورة وراضية وقنوعة بماكتب لها الله من رزقه.. حقا" إنهاذكريات حياة بسيطة وجميلة وراسخة في الفكر والوجدان ماحييت على وجه البسيطة.. رعى الله أيأم زمان..وسلامة الجميع...!