إيفرتون يصعق ليفربول ويوجه ضربة قاتلة لسعيه للفوز بالبريميرليغ    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    الثالثة خلال ساعات.. عملية عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر وتدمير طائرة    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا كان أيام الجوع يذهب المزارعون إلى التجار ويرهنون الأرض مقابل الحصول على الحبوب ليسدون به رمق جوع أولادهم ؟
نشر في عدن الغد يوم 21 - 12 - 2019

(عدن الغد) تنفرد بنشر مذكرات ( الطريق إلى عدن ) الرئيس علي ناصر : الحلقة ( الثاني والعشرون )
متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :
مغالب للتجار عند جدب الأرض
حول الزراعة وشؤونها في ولاية دثينة ما زلنا مع مذكرات ( الطريق إلى عدن ) التي نستشف من خلالها تلك الأيام الخوالي التي عاشها الأوائل بولاية دثينة فيقول الرئيس علي ناصر عن تلك الحقبة الزمنية :" اخذ العم سليمان يضحك قلت له:
مالذي يضحكك ياعم.
قال: تذكرت قصة عن الجوع والجدب
قلت له: ماهي؟
قال: مر علينا قحط ورفض التجار ان يدينوننا حبا حتى موسم الحصاد لانه لا توجد بشاير للمطر فقام عمي عبدالله علي واخذ ماء وعجنه مع التراب وذهب في الليل الى تاجر اسمه حيدرة وهو بعيد عن منطقتنا فقال له: انا الان جيت من "رشنة" (اسم منطقة زراعية) وقد جاد الله عليها بالمطر ورويت فاعطني حبا لبذارها وعندما نحصد سوف ارد لك القيمة ضعفا فاعطاه الحب وعند الصباح ذهب الى سوق السبت يسأل عن المطر وهل رشنة شربت فقالوا له ان المطر لم يسقط وان رشنة لم تروى فعرف ان عمي عبدالله ضحك عليه فسكت. وبعد فترة ذهب عمي عبدالله اليه للحصول على حب فقال انتظر الى ان نتعشى فوعندما احضر العشاء وكان "كعدة" (وعاء من الخشب) "زاد" (عصيدة) قال التاجر حيدرة هذا الشعر:
من هو قبيلي لا يكلم حيدرة في حب عيشة دي يقع كعدة وزاد
لابا نسلف حد ولا با نستلف لما نشوف الخير في هذ البلاد
فقام عمي عبدالله ولم يكلمه في الحب.
تجرأتُ على مقاطعة العم سليمان الذي أخذ الحديث قبل ذلك من برطم مستأذناً منه مواصلة الحديث عن الزراعة لأهميته قبل الانتقال إلى حديث الشعر, توقف العم سليمان قليلاً عن الكلام وهو يمعن النظر في وجهي وربما ليزن كلماتي..
واستوى في جلسته محكماً ربط حبيته (1) حول ظهره وعلى ركبتيه.. وبعد أن سحب بعض أنفاس رشبته الأثيرة (المداعة) تنحنح ثم قال:
- شف يا بر ناصر محمد وأنتوا اسمعوا يا جماعة كلكم, رعوني با قول لكم دي أعرفه عن الزراعة والجوع وخير الدنيا وشرها.

المزارعون وأيام الجوع

شعرت بالارتياح الكبير لتجاوب عمنا سليمان مع طلبي.. وحولت حواسي كلها إلى آذان صاغية لما سيقول، وكان مما قاله:
إن المزارعين أيام الجوع يذهبون إلى التجار أصحاب المدافن يطالبونهم بفتحها ليشتروا حبوبهم- التي سبق أن باعوها للتجار- من جديد، ويرهنون الأرض مقابل الحصول على حفنة من الحبوب يسدون بها رمقهم ورمق أولادهم الذين يتضورون جوعاً. أو يستدينون الكيلة مقابل كيلتين من المحصول أو الخير المنتظر كما يسمونه.

رهن الأرض مقابل كيلة من الحبوب

وكان المزارعون يحرثون الأرض بانتظار المجهول، ويسمدون الأرض بمخلفات الأغنام والأبقار "الروث" والدمن الذي يجمعونه من الحظائر، يكومونه أمام المنازل.. ويسمون كومة المخلفات هذه "امكدمة". والبعض يستخدمه سماداً لأرضه، والبعض الآخر يبيعه على ملاك الأراضي، وهم يرددون في أثناء الحرث قول الحميد بن منصور (2):

"عليت يا مشتري الطين
ولا علي دي يبيعه
أو قوله:
"قريب الطين ظنّي
والبعد رحمة بلا ظن".
أو قوله:
لُعِنْت وَا بَايِعْ الطِّيْن
لا ترهنه لا تبيعه
الرَّهن مثل العليله
و البيع مثل الذي مات

وقوله أيضاً:
"بوصيك يا بني محمد
بوصيك أربع وصايا
الأولة بر نفسك
وأخرج مع الصوت لول
والثانية في ابر عمك
قاتل معه قبل يقتل،
والثالثة في دخيلك (3)،
عجّل بأكله ولا قل(4)
والرابعة حُرمة الويل(5)
طلاقها قبل تحبل.

من أفضل الأكل " المخلم " الخبز الحامض

وعند حديث العم سليمان عن "الدخيل"(الضيف) والأكل، تذكرنا الأكلة المفضلة في دثينة، وألحينا على العم سليمان وبرطم أن يحدثنا عن "المخلم" (نوع من الخبز الحامض) ويسمى أيضا "الرهي" فربما ينسينا الحديث الجوع، فاستهل برطم قائلاً:
والله ذكرتمونا بأقراص المخلم الذي يصنع من حب "الحيمر" والسنيسلة، ولو أن حب الذرة أفضل لرهي المخلم، وطريقة إعداد أقراص المخلم تبدأ بسحق الحبوب بعد أن يتم نقعها في الماء وتليينها لتسهل عملية سحقها إلى معجون سميك ناعم يسمى الرهي، وتسمى هذه العملية ب"القشر" تليها عملية الطحن الناعم "السدف" وتتم عملية السحق بمرحلتيها على المرهاة وهي قطعة مستطيلة من الحجر شبيهة بالرحى تسحق عليها الحبوب بواسطة عمود اسطواني مصنوع من الحجر ذاته الذي تصنع منه المرهاة ويسمى "العالي"، وبعد الانتهاء من عملية الرهي يضاف الحويج لمعجون الحبوب وهو عبارة عن بصل وثوم وزموتة (نوع من النبات) ويوضع في وعاء مصنوع من ثمرة القرع الجاف يسمى "الجحف" ويترك ليتخمر حتى اليوم الثاني، حيث تقوم النساء بإيقاد الميفى" (التنور) حتى يحمر، وتوضع الأقراص فيه، ويغلق جيداً حتى تنضج أقراص المخلم التي تقدم مع المرق واللحم للضيوف ويحفظ في "التورة" ليحتفظ بحرارته لساعات حتى يقدم للضيوف واصحاب المنزل كما يحفظ في التورة اللحم بعد خروجه من الميفى ليحتفظ بحرارته واتذكر ان الصديق هيثم محمد مشدق (أبو نبيل) رحمه الله نقل لي اللحم "الحنيث" و"الخبز المخلم" في تورتين من أبو ظبي الى دمشق على طيران الامارات (حوالي ست ساعات) من خروجه من منزله الى دخوله الى منزلي وعندما فتحنا التورة وجدنا البخار يتصاعد من اللحم والخبز وكأنه خرج من التنور.

مخلم لحج

أما في لحج فا المخلم يكون مكون من حب أحمر ودقيق و بصل وثوم وحبه البركة ويخبز بالطريقة التقليدية المعتادة، ويتميز “المخلم” بخفة السمك و صغر الحجم نوعاً ما مقارنة بخبز “الطاوه” و يأكل منه الإنسان بمقدار قرص أو قرصان فقط
يقدم “المخلم” في مائدة العشاء على الأغلب وليس الإفطار ويقدم بجانبه مكملاته وعاده ما تكون الحلبة والسمك والصانونة.

وجبة الزاد " العصيد "

كما تشتهر بعض مناطق دثينة وايضا في عبدان وبيحان ويشبم والصعيد بوجبة "المَعْصَوْبَةْ" التي تصنع من دقيق "البر"(القمح) وتؤكل مع السمن البلدي والعسل وزيت السمسم، وأيضا وجبة "الزاد" وهو نوع من العصيدة الحامضة المصنوعة من دقيق الذرة، وأيضا "اللهوبة" وهي نوع من العصيدة المصنوعة من الدُخن وغيرها.

اهازيج واشعار أثناء الزراعة الحصاد

وحتى يعود رفاق الرحلة إلى الواقع بعد أن حلقوا بخيالهم في عالم اللحم والمرق, سألت العم سليمان عن الأهازيج والأشعار التي يرددها الناس أثناء الزراعة والحصاد فقال:
الناس عند نزول المطر يرددون:
"ألاّ وين المبشر يبشرني بسومش (6)
ألاّ يا جربة الخير هذا اليوم يومش "(7)
وأيضاً يقولون:
"ألا يا ليلة النور خيلنا مخيلة (8)
ألا يا لله على وجر(9) دي يعجل بسيله"

توقع نزول المطر عقب اتقطاعه

وينتظر الفلاحون المطر أحياناً لسنوات طويلة، وعندما يشاهدون السحب تتجمع "يخيلون المطر" أي يتوقعون أن تمطر على جبل وجر أو "لبيس" أو الحمام و"رشنة" وبعض الجبال الأخرى، وكانوا إذا رأوا البرق في جهة المشرق يستبشرون خيراً ويقولون: إذا برق من الملح اتشلشلين يا امجلح ومعنى ذالك إذا برق الرعد من منطقة المشرق حيث جبال الملح فعلى النساء ويسمونهن "امجلح" ومفردها "جلحاء" أن يقمن بإدخال الحبوب والأعلاف والحطب وكل ما يمكن أن يتأثر بالمطر إلى البيوت حتى لا يبلله المطر، أما إذا رأوا البرق في جهة الغرب أو الجنوب فلا يأملون أن يسقط المطر على أراضيهم ويقولون "إذا برق من لخلاف شل ابنك على لكتاف" أي إذا رأيت البرق من جهة الجنوب أو الغرب فخذ ابنك على كتفك واذهب أينما شئت ولا تخشى المطر. وكانوا يتنبأون بنزول المطر بالنظر في
"المقاحف" (10) ويحدث في أحيان كثيرة بعد أكل اللحم أن يتبادل المقحفة العرافون والخبراء في هذا العمل، والذين يقومون بقراءة الخطوط المرسومة على عظمة الكتف ويتنبأون من خلالها بالمطر والموت وغيرها من أمور الغيب والمستقبل، وأحياناً يقولون إن المطر سيهطل على وادي وجر أو لبيس أو رشنة أو الحمام.. بل إن بعضهم- لشدة يقينه بصحة ذلك- يستعد لحراثة الأرض، أو لإعادة تسوية العبر (11) أو السوم المكسور أو المقطوع. وعند التنبؤ بالموت فإن "المقحِّف" يقول إنه يشاهد تجمعاً من الناس في المقبرة، أو في قرية من القرى، فيبدأ الناس بالتشاؤم من هذا الخبر ويتوقعون حدوث موت أو قتل.

الأعتقاد بالمقحفة " عظم الكتف "

وفي بعض المناطق والقرى، بلغت درجة إتقان البعض لهذا الإلهام الذي لا أحد يعرف مصدر معرفة البعض به، أن شاهد أحدهم ويدعى منصور الوحيش في "المقحفة" رجلاً نائماً في بيته، فإذا به يقطع رحلته حيث كان متجهاٌ إلى عدن سيراً على الأقدام وتوجه إلى بيته فوراً وصدره يغلي بالغضب، ظناً منه أن زوجته تخونه مع رجل آخر.. وما إن طرق الباب، حتى قالت له زوجته قبل أن تفتح الباب حتى لا يرتكب جريمة في حقها:
-هذا خوي عندي يا امقحف ابن امقحف..!
وتقول رواية أخرى على لسان خالد حيدرة محمد منصور الوحيش ابن حفيد منصور الوحيش أن الذي رأى في المقحفة هو محمد حيدره في حين كان الذي عند المرأة هو أخوها
وهذه الحكاية يتداولها الناس حتى اليوم.. كدليل على مقدرة هؤلاء البعض على رؤية بعض الأمور التي لا يستطيعها غيرهم من الناس وهذا يذكرنا بقراءة الخطوط في فنجان القهوة أو قرأة الكف.
الأشجار والنباتات الموجودة في بيئة ولاية دثينة . هل كانت ذات اهمية للناس ؟
التعاون بين الناس في موسم الحصاد

ويشير الرئيس علي ناصر مواصلاً سرد مذكرات حياته في طريقه إلى عدن بقول :" وبعد ذلك الخروج المؤقت للعم سليمان عن حديثه حول مواسم الزراعة ودخوله في حديث التنجيم والمقاحف أخذ برطم الحديث ليواصل ما بدأه العم سليمان عن الزراعة فقال:
- يبدأ الاستعداد لزراعة الدخن ويسمونه في شبوة "أبو علي" بعد حصاد السمسم وفي مناطق أخرى يبدؤأون بالاستعداد لزراعة الذرة بعد السمسم، فما يصلح من الأرض للذرة لا يصلح لزراعة بعض المحاصيل الأخرى كالدُخن.
وأهم ما يميز الفلاحين في دثينة كما قال لنا الحطاب، هو التعاون فيما بينهم عند الاستعداد للزراعة وعند الري والحرث. وبعد الري وخاصة عندما ينكسر سوم أو عبر أحدهم فهم يقدمون ثلاث أو أربع "ضميد" (12) دعما له حتى يحين موسم السداد. كما أن "الرفدة" أو "امسيف" وهي من عادات الزواج التي تعرفنا عليها في السابق, هي من أوجه التعاون بين أهل دثينة.. ويمتد التعاون والتآزر إلى حالات الموت أيضاً, كما يتعاون الفلاحون ويشتركون في الحصاد، بما في ذلك النساء اللائي يشتركن في الصراب وفي نقل المحاصيل على رؤوسهن إلى "الوصر", ويتحايل الفلاحون على المرابين بأن يسرقوا محاصيلهم ليلاً, خوفاً من دفع معظم المحصول لصالح التجار المرابين والحكومة. أما "القصب" (أعواد الذرة) فيقومون "بتشوينه" بعد جفافه في "شونة" (كومة كبيرة من أعواد الذرة) خارج الاراضي الزراعية او يخزن في "الجلب" (13) أو فوق العلوب (14) لحفظ هذا القصب بعد أن تجف لاستخدامه كعلف للمواشي في موسم الجفاف.
ويردد المزارعون عند دوامة الحبّ (درسه):
"واهيبوه.. واهيب هيب
واهيبوه.. يا ثور لَشْعب
واهيبوه.. لا تأكل الحب
واهيبوه.. دم الخضر دم
واهيبوه.. دم ابن عباس
واهيبوه.. لنا وللناس
وأيضا:
اليوم يا الله.. واليوم دايم
وا شارح الخير بين الغنايم

يرددون الفلاحون في الصراب :
يالله اليوم يا مطلوب يا خير مطلوب
يالله اليوم صبحنا عسل من جنى النوب
ألا يا هذالا لبتال لا تنسون ذكر النبي
من طلعة الشمس لما يدني المغرب
ألا يا الشمس غيبي وباسي (15) لش عصيدة

ويرددون أثناء "جز" القصب (قطعه):

ألا يا أهل السبول أطلقونا "آبت" الشمس (غابت)
ألا من شان بكرة نجيكم طرحة الشمس

وفي الحصاد يقولون :

سقاك اليوم يا ودن سموك (16) الدشيني (17)
وحبك للمزارع.. وقرصك للدخيلي" (18)
(القرص: الرغيف، والدخيل: الضيف)

وأيضاً:
"يا مصلى على الشيبة الهادي
دي قرأ في دثينة وفي الوادي
يا مصلي على الشيبة الطاهر
دي قرأ في دثينة وفي الضاهر (19)

وأيضا:
وراك(20) اليوم يا عاقل الشبان تالي
ولا نا تالي أول النمارة (10) عيالي.
ولا دناك(21) الليل يا الظاهري حلة (22)
ولا كسب (23) قرشين ما عاد تبدل له (24)

سيل وجر مع خيره وشره
ويأتي سيل وجر بخيره وشره. إذ يأتي شديداً فيجرف الأرض والتربة ويكمن الشر أحياناً عندما يبدأ إطلاق الرصاص من أعلى الوادي إلى أسفله بين أهل منصور وأهل زامك وأهل باجعم وأهل حسين وأهل ناصر حسين وأهل محكل وبين أفراد القبيلة الواحدة نفسها. وبسبب الحروب القبلية وشدة تدفق السيول وعدم وجود سدود أو قنوات للري يذهب الماء إلى البحر بأحور على ساحل البحر العربي.

فاكهة الدوم والارناق والمضار

كانت هذه القبائل تعيش على ما تنتجه الأرض. وفاكهتهم الدوم والأرناق والمضار (قصب الذرة)، وخضارهم القرع والدجر والألفق والأوبار، ولبنهم "الحقين" (اللبن الرائب) أو القطيب كما يسمونه في عدن. ويصنعونه من حليب الابقار والاغنام. أما أخشابهم فيؤمنوها من أشجار الصرح والعِلْبْ والمضاض والأثل والضبيان والسُمر والصر.

المقطب اشهر لباس سكان دثينة

وسكان دثينة كغيرهم من سكان الجنوب يعيشون على ما تنتجه الأرض وتجود به السماء ولديهم اكتفاء ذاتي إذ لا يستوردون إلا البُن والملابس القطنية البيضاء المسماة بالكار والتي تستخدم كفناً للموتى، ولكن الفرق بين ملابس الأحياء والأموات هو أن الأحياء يصبغون كارهم بالصباغ الأسود الذي يجري تلميعه ويستخدمونه إزاراً للجزء السفلي من جسد الرجل ووسطه ويوضع على الكتف أو يلف على الرأس كعمامة، وشعورهم طويلة كشعر "الهبيين" تتدلى على وجوههم وعلى أكتافهم أو يلفونها إلى أعلى برباط، أو يجدلونها في جدائل على طريقة شعور النساء المجدولة، وهم يتباهون بذلك ولا يخجلون. وأشهر الرجال الذين اشتهروا آنذاك بشعرهم الطويل (ويسمى القصلة) ناصر سليمان الثور ويسكن قرية المقاصر وهو رجل طويل القامة ونحيف ومرح خفيف الظل.

من بيحان الى لبنان

وعلمت أن الشيخ ناصر كان في طريقه الى بيحان لزيارة صديقه الشريف حسين الهبيلي امير بيحان وكان ذلك في عام 1960م. وكان يحمل معه بندقيته ومداعته (النرجيلة)، وفي مطار عدن اعلن عن قيام الرحلة المتجهة الى بيحان. ولكنه بدلاً من ركوب طائرة Aden Air WAYS المتجهة الى بيحان استقل الطائرة Middle East المتجهة الى بيروت، وبعد اقلاع الطائرة اكتشف الطاقم ان هناك شخصاً مسلحاً يجلس في مؤخرة الطائرة فاخبروا الكابتن الذي كان يتكلم العربية (وهو مصري الجنسية) فاقترب من الشيخ واستفسر منه عن رحلته، فرد عليه الشيخ ناصر أنه في طريقه الى بيحان وعندما اعلمه الكابتن انهم سيصلون الى بيروت بعد قليل طلب منهم اعادته الى عدن، واثناء ذلك قام طاقم الطائرة باخبار ادارة مطار عدن بذلك, وان هناك شخصاً مسلحاً صعد الطائرة عن طريق الخطأ، فتواصلت السلطات البريطانية مع قنصلها في بيروت لمتابعة هذا الموضوع، فتوجه القنصل البريطاني الى المطار واستقبل الشيخ ناصر ورحب به واستضافه ونظم له برنامجاً لزيارة بيروت وبعض المناطق في لبنان حتى يحين موعد أي رحلة متجهة الى عدن.
شجرة العلب

غير أن أهم حديث سمعناه هذه الليلة كان عن شجرة العِلْبْ (25) أو كما قال لنا الحطاب إن هذه الشجرة هي من أهم الأشجار في حياة سكان المنطقة وقد حباها الله بأن جاء ذكرها في القرآن الكريم "{وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ : 16]".
إنها شجرة تعمر طويلاً وتعطي خيراً كثيراً، فشهدها ألذ شهد في الدنيا. وعدد كبير من السكان يعيشون على العسل العالي الجودة الذي تنتجه هذه الأشجار، ويتخذ النحل غذاءه منها.
ومن هذه الشجرة يأتي الدوم الذي يؤكل في المواسم ويخزن بعد تجفيفه ليؤكل في مواسم القحط والجفاف. وبذرته عندما تكسر تستخرج منها النواة "الفرقوص" وتحمص مع الدخن وأحياناً مع السمسم ويسمى المغليّ الغلمة..
وورق العلب وثمره المتساقط هو طعام للأغنام والأنعام التي تعطي لبناً جيداً ولحماً لذيذاً، وكذلك للنوق التي تدر حليباً شهياً وتتخذ منها العصافير والحمام مأوى وملاذاً لها من الصقور والطيور الجارحة كل مساء، فتغرد بأصواتها الجميلة ويتراءى للسامع أن هذه الأصوات صادرة من قلب تلك الشجرة الحنون.
وتتحول هذه الشجرة المتعددة المنافع وجذوعها إلى مستودع لحفظ القصب من الأبقار والأغنام.

قطع شجرة العلب عند الضرورة

ولا تقطع هذه الأشجار أو جذوعها إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، كأن تصاب بالنخر أو لحاجة الفلاحين الماسة إليها. ومن خشب العلب يصنعون المعصرة التي يعصرون فيها السمسم ويستخرجون منه السليط, يدور بها جمل المعصرة معصوب العينين. ويستخرج من بقايا السمسم "العصار" الذي يأكله البعض بعد إخراجه من المعصرة. ويقول المثل الشعبي "جمل يعصر.. وغيره يأكل العُصار" ويضرب به للرَّجل الذي لا يعمل ولكنه يأكل جهد غيره. كما يخزنون العُصار طعاماً لأيام المجاعة والأيام الصعبة ويؤكل بعد تسخينه. وأحياناً يكسرونه ويعجنونه مع بعض الذرة ويحولونه إلى عصيد يتسبب في الإسهال. وفي الأيام المريحة يعطى العصار علفاً مغذياً للغنم والجمال.

من شجرة العلب تصنع الأواني الخشبية

ومن جذع هذه الشجرة تصنع الأواني للقهوة (الأرفة) أو المطيبة والمخصرة للمرق، والصحفة للعصيد والقدح للمرق والمنحاز للبُن كما تصنع من خشب العلب الملاعق والأمشاط. وتصنع منه أيضاً الأبواب الخشبية التي تعمر مئات السنين، كما تستخدم أخشاب العلب لأسقف المنازل وتعمر لسنوات طويلة (26). كما أن النوافذ الجميلة بنقوشها الرائعة كانت تصنع من خشب العلب، وتعمر ما عمرت هذه المنازل في وجه عاتيات الزمان.

أوراق العلب يغسل به شعر النساء

ومن السدر ومن أوراق العلب تصنع النساء "الشامبو" الذي يغسلن به شعورهن التي لا تعرف أي نوع من أنواع الكيماويات، وقشر هذه الشجرة ولحاها يوضع على شعر النساء وضفائرهن مخلوطاً بالطيب فيعطيها رائحة زكية ويمنح شعورهن القوة ويساعده على النمو..
ومن ورق شجرة السدر يصنع مسحوق يشبه في مفعوله الصابون المعروف لنظافة الجسم إن لم يكن أفضل منه لعدم احتوائه على المواد الكيميائية الضارة. ومن خشب العلب كانت تصنع الامشاط لتصفيف الشعر وكانت تسمى "مخرش".

الأستفادة من شجرة العلب في أدوات الحراثة

وقال العم سليمان إن المواطنين يستفيدون من شجرة العلب وغيرها من الأشجار في صنع أدوات الحراثة: الزهاب، الهيج، المذراة وغيرها. ولان الحاجة أم الاختراع فقد أدت الحاجة بالإنسان إلى أن يصنع من الشجر والصخر والأرض كل ما هو جميل.. وكل ما هو في حاجة إليه لاستمرار حياته.
أظن أن الحطاب اختصر لنا قصة الزراعة أو الفلاحة على هذه الأرض. ووجد من المدهش، ووجدنا نحن كذلك، أن يحدثنا عن شجرة العلب في صمودها التاريخي وتعدد أغراضها واستخداماتها للإنسان والحيوان كرمز للخصب، وللعلاقة الأزلية بين الأرض والإنسان وبعد عشرين سنة من هذه الذكريات و تحديدا في مدينة شبوة القديمة شاهدت في قصرها الملكي الذي اكتشفته عالمة الأثار الفرنسية جاكلين بيرن خشب من السدر تحت الأنقاض وقد احترق جزء منه وأثار الحريق في أطرافه ولكن الباقي لايزال صامدا منذ أكثر من ألف سنة قبل الميلاد وحتى اليوم .

المبيت في أرض صلدة

استمتعنا بتلك القصة بكل ما حملته من دلالات، إذ كنا نجلس على قطعة من الأرض الصلدة فوق جبل عال لا ينبت فيه شيء يذكر، وكانت أضواء السيارات تتراءى لنا وهي تبتعد وتمضي في غمار أضواء الليل والنجوم.. بينما نحن نستعد للنوم، وللسفر مع أول خيوط فجر الغد.
ولا يفوتني وأنا أتحدث عن استفادة الناس من الأشجار والنباتات الموجودة في البيئة المحيطة بهم أن أذكر أن أهل دثينة كانوا يصنعون الحبال من شجرة السنا وهو نوع من أشجار الصبار ذو رأس مدبب وتسمى عملية صناعة الحبال سحاجة والفعل سحج يسحج ومن أشهر من عرف بسحج الحبال وصناعة الأوضاف في قريتنا الحاج ناصر حجيري وشقيقه سالم.
----------------------------------------------------
هوامش /

1- الحبية طوق مصنوع من القماش المتين وهي تشبه الحزام لكنها ليست حزاماً.. يستخدمها البدو عندما يجلسون القرفصاء لشدّ الجسم أثناء الجلوس على الأرض دون تعب.
2-الحميد بن منصور: حكيم وشاعر ومزارع, وهو شخصية شعبية معروفة في اليمن وقد تجاوزت شهرته الآفاق وهناك خلاف في تحديد منطقة معينة بذاتها كمسقط لرأسه,ويقول البعض أنه مزارع من شرق مدينة البيضاء سكن أسفل منطقة صرُوم بين البيضاء ومنطقة خورة, وهناك من يذكر أن الحميد بن منصور يرجع أساساً إلى أسرة بني هلال وموقع سكناها تحديداً في "مرخة" ناحية من نواحي شبوة حالياً. وقد تنقلت أسرته في المناطق اليمنية وسكنت في كثير من المناطق اليمنية فيما بعد. ويشتهر الحميد بن منصور بإقواله الحكيمة في تدبير شئوون الحياة وعدم الغفلة عن الزمن والحث على الزراعة والعمل والسعي لكسب الرزق والتخلق بالاخلاق الحسنة.
3-الدخيل: الضيف
4 - ولا قل: لا تبخل باطعامه ولو بالقليل
5- حرمه الويل: المرأة السيئة
6- بسومش: بسومك، والسوم حاجز من الطين
7 - يومش: يومك
8- خيلنا مخيلة: تنتظر المطر.
9- وجر: اسم جبل.
10-عظمة كتف الغنم ومفردها (مقحفة).
11- السواقي.
12- ضميد: كل ضمد يتكون من ثورين .
13-مخزن لعلف المواشي في موسم الجفاف.
14 - شجر السدر ومفرده (علب).
15-أصنع لك عصيدة.
16- - سموك: اسموك
17-- الدشيني: اسم
18- الدخيلي: الضيف
19- الضاهر: الكور، أعلى مرتفعات مكيراس.
20 - وراك: ما بك.
21- النمارة: النمور.
22 - ولا دناك الليل: اقترب الليل.
23- حلة: وقته أو أوانه.
24 - ولا كسب: اذا ربح.
25 - ما عاد تبدل له: لا يساوي جهده.
26-السدر.
27- وقد شاهدت بعض أخشاب العلب فيما بعد في القصر القديم بمملكة شبوة, وكانت تبدو وكأنها صنعت اليوم وعلى أطرافها آثار بعض الحريق الذي آتى على هذه المملكة التاريخية العظيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.