يروى أنه بينما كان حماراً يسير في الغابة ظهر له أسد فأرتعب الحمار خوفاً وهم بالفرار إلا أنه تفاجأ بهروب الأسد، وفي اليوم التالي رآه ثانية فتوسل الأسد بالحمار ألا يقتله وحاول الهروب مرة أخرى إلا أن الحمار أمسك به وأقتاده إلى القطيع.. فابتهجت الحمير بهذا الإنجاز ورُفع من قدر الحمار ونصبوه زعيماً عليهم لما أبداه من شجاعة، وتباحث القطيع فيما يجب عمله مع الأسد.. فقال أحد الحمير أقتلوه، وقال آخر أسجنوه، وقال الحمار الذي أمسك به لا بل سأستخدمه عاملاً لدي يقضي حوائجي.. وبينما كان الحمار مقيماً في مقره إقامته والأسد يقوم بخدمته، كان الأخير يأكل حماراً تلو الآخر إلى أن نفذ كل القطيع؛ وخرج الحمار صباح ذات يوم وهو يعيش نشوة القائد المنتصر كي يتفقد الرعية فلم يجد أحداً وتساءل أين القطيع؟ فرد الأسد ضاحكاً “هلك القطيع بذكاء الحمار لسنا بحاجة (في هذا الوقت تحديدًا) لطبول تقرع، وصيحات تطلق، وألسنة زائفة تدلق مديحًا مبالغًا فيه حد التأذي لمن يسمع أو يقرأ.. لا نريد أن نصنع أبراجًا عاجية، ثم نندب حظنا حين لا يمكننا الوصول لصاحب البرج! فعندما يصبح الحمار زعيماً، ستجد من مصلحة الحمار أن ينتشر الغباء، وأن يختفي الأذكياء من الوجود، لذلك ستجد هجرة العقول والشرفاء في ذروتها، وستجد غالبية المسئولين وأصحاب الحظوة من فصيلة الحمار لا غير حين يصبح الحمار زعيماً، سترى بعينيك كيف يتحول القبح المركب إلى مقياس للجمال، وكيف يتبارى الناس في إظهار حموريتهم لينالوا رضا الزعيم الحمار سترى “الحمورية” منهجاً فلسفياً يدرس في أعرق الجامعات بجوار منهج الشك لديكارت، سيدرسه الطلاب على أنه الطريقة المثلى للتفكير، وسترى الأذكياء النابهين يحاولون إظهار أكبر قدر ممكن من الحماقة والغباء لكي لا توجه لهم تهمة الإساءة للذات الحمارية، أو محاولة تغيير العقيدة الحمارية للأمة، أو إنكار معلوم من الحمورية بالضرورة حين يصبح الحمار زعيماً، تصبح حيازة العقل جنحة، واستخدامه جناية، وتعظيمه خيانة عظمى عقوبتها الإعدام ما زلت أعتقد أن أسوأ الإدارات إنجازًا تلك التي تعتقد أن التطبيل والمدح الزائف يساهمان في السيطرة على عقول الناس وفي توجيههم. ولنا في تجارب الحمار دليلاً