"لقد ذهب زمنك يا مفتاح" بهذه العبارة، أو قريب منها، كان الرد الرئيس صالح للأخ اللواء مفتاح عبد الله عوض حينما قابله بمعية الرئيس هادي الذي رتب له هذه المقابلة شخصيا خلال شغله نائبا للرئيس قبل أكثر من عشرين عاما، وقد اعتذر صالح عن تعيين مفتاح في منصب محدد، وقال إن فيك من الصفات والطباع ما لا يناسب الموجود اليوم، ومن الصعب أن تتأقلم مع ذلك الواقع المليء بالممارسات والسلوك الخاطئ، واكتفى بإعطائه جزءاً من الحوافز المادية التي كانت تصرف للقادة. صالح كان يعرف ويقرأ في عيني مفتاح شهامته -وأمثاله، لكنه لا يريد زحزحة ذلك الطوق الملتف حوله وتغييره، ومن ذلك الوقت تغيرت أمور كثيرة وذهبت أقوام شريرة وجاءت أخرى أشد منهم بطشا وفتكا.. ذهب صالح وجاء هادي، وتجزأت الدولة اليمنية وانهارت أركانها وخارت قواها، كل ذلك كان سببه بلوغ الفساد مراحل متقدمة دون حسيب أو رقيب. مرت السنون الطوال وشاءت الأقدار أن يقعد اللواء مفتاح على كرسي متحرك، بعد أن أصيب بطلق ناري من قبل أحد حراسات الموت التي جاءت من أقصى الشمال، لتجوب عدن ليلا نهارا ولتحرس منشآت ومرافق في مدينة السلام عدن، وهم لا يعرفون شيئا عن هذه المدينة، ولا عن أهلها، وقد جعلوا من هذه المدينة الساحرة ساحل للابتزاز وعرض العضلات، ولتجريب أسلحتهم، وكانوا يبطشون ويقتلون الناس لأتفه الأسباب هكذا، ولأن الباطل لا يستمر طويلا فقد ذهبوا وبقية عدن، وبقي مفتاح حيا يرزق. اللواء مفتاح كان يعمل لسنوات طويلة نائبا لمدير الدائرة المالية بوزارة الدفاع، وارتبط اسمه بهذه الدائرة ولم يصل كل الذين تعاقبوا على إدارتها إلى مستوى الصرامة والهيبة التي كانت تظهر على ذلك القائد، فهو من الشخصيات العسكرية النادرة التي استطاعت أن تحفر اسمها في جدار التاريخ، فقد أدار ظهره لحطام الدنيا، ولم ينحن لمغريات الحياة، أو أن يمد يده للأكل غير الشرعي والسحت الذي غرق فيه الكثيرين، بعد انهارت بهم القيم ولم تستطع الثبات أمام متطلبات الحياة، ومن ذلك النبع الصافي شرب الأخ الرئيس هادي وتشبع منه، حتى أننا ندرك ونعرف جيدا أنه يعرف قيمة مفتاح كثيرا وثقله، وقد رأيناه يشيد به وبسجاياه عندما ذهب به إلى الرئيس صالح لتمكينه من منصب يليق به -كما أسلفت في بدء المقال-، وعلى هذا نطلب من فخامته النظر في حال ذلك الرجل الإنسان، وأن يعمل له ما يمليه عليه ضميره وواجبه الإنساني، من خلال تصحيح وضعه المالي وعلاجه بالخارج، وأن يعطي أمرا صريحا للمالية له بصرف كل الحوافز والمكافآت التي تصرف لبقية القادة الموجودين، وهم صغار السن والتجربة فقد كان ذلك ضمن أولويات الرئيس هادي، ولا عذر له من الإيفاء بتلك الالتزامات، وهو الآن رئيساً!