الشعر لا ينتقل بالوراثة، وإلا لكان أحفاد المتنبي هم ملوك الشعر العربي، ولكان أحفاد بوشكين هم من يتربع على عرش الشعر الروسي..وقس على ذلك المنوال في بقية الأقطار.. ومع ذلك نجد بعض الاستثناء حيث تشتهر بعض الأسر بنظم الشعر. وهكذا فقد نبغ من آل بن لزنم عدد من الشعراء وكأنهم توارثوا الموهبة الشعرية أباً عن جد . فالشاعر أحمد حسين بن لزنم، والد الشاعر ناصر أحمد، كان شاعر العولق بدون منازع. توفي أواخر القرن التاسع عشر وكان مشهوراً على مستوى كثير من المناطق المجاورة. يقول في أحد زوامله يخاطب فيه أحد السادة: نَا قُول من شل العمامه منكم له عُشْر خوره كلها لمَّا يموت وان كان يا ساده تبون المعرفه باب الشريعه عندكم في حضرموت - ومن زوامله الشهيره قوله: إنْ با تصلي بي على دين النبي وبا يصلي صاحبك وانته وَنَأ وِنْ حَدْ يقول أيْدَهْ علينا طايله أيْد الله العليا علينا كلنا واشتهر من بعده نجله الشاعر ناصر أحمد بن لزنم وهو من أبرز الشعراء الذين فاخر بهم زعماء العوالق ضد خصومهم بحكم العلاقات القبلية والتبعية السياسية، وكان يلقب كوالده بشاعر العوالق، وجسد في شعره الوطني مواقفه الواضحة ضد الاستعمار البريطاني ومخططاته. ومن شعراء شبوة المعروفين الشاعر محمد أحمد بن لزنم، شقيق ناصر، وقد اشتهر بزوامله في المواكب القبلية والمناسبات ووقف منذ البداية إلى الصف المناهض للوجود الاستعماري منذ الخمسينات وتعرض للسجن ثم لجأ إلى المملكة المتوكلية اليمنية عام 1957م وبقي على موقفه المناهض للاستعمار حتى تحقيق الاستقلال الوطني. توفي يوم 8 أكتوبر1990م. وله زوامل متبادلة مع الشاعر جازع مسعود البحيث الفطحاني من قبيلة "عله" في عام 1948م تتحدث حول قدوم الانجليز إلى منطقة دثينة، وينتقد تهاونهم وعدم اعتراضهم على قدوم القوات اابريطانية. بدأ الشاعر محمد أحمد لزنم معاتباً جازع لصلته بالقوات الاستعمارية،وكأنه خرج عن دين نبيه محمد، كما في قوله: يا محمد تقول ويش بجازع سار يكتب صحيح امْسَوادي كان يتبع نبيه محمد وِشْ يبا له عِيَال الهنادي لا شك أن الشاعر بن لزنم أبدى هنا تخوفه من اقتراب خطر قدوم الانجليز من مسقط رأسه العوالق بقواتهم التي تتكون في غالبيتها من الهنود (عيال الهنادي). ويرد جازع الفطحاني متباهيا بالتحاقه ضمن قوات السلطة البريطانية التي يصفها بقوته(زجاه ونون عينه)، يقول: يا محمد رَعُونا كتبنا وِشْ لبا له بلاد امشوادي الحكومه رَعُوها زجانا نُون عيني وحَبَّةْ فؤادي ويقول الشاعر محمد أحمد بن لزنم أن الحكومة الاستعمارية لن تترك لأحد أن يرفع رأسه: الحكومه مُبَنِّنْ بُنَيِّهْ تغمُتْ العَاقبه في الرقادي([1]) لا رفع راسه ادَّوْه كونه وانت دائم تحب العوادي - ويعترف جازع الفطحاني أن سبب موقفه ناتج عن معانته من بلاء الفتن والحروب القبلية التي جرت بين العوالق وقبيلة "عله"التي ينتمي إليها، وهي الحروب التي عانى منها ولم تتح له أن يهنأ بنومه ساعة واحدة، يقول: من بلاكم ومِنْ ما عسمتوا بعتها يوم نادى المنادي كل ما جيت با نام ساعه وانَّهَا فوق راسي بوادي - ويرد محمد أحمد بن لزنم مشيراً أن الضابط الإنجليزي "سيجر" قد كسبهم بالحيلة وبالأموال (قهوة وفيها حلاوي)، يقول: عرفوني طريق المجازع واظْهروني بروس العلاوي يوم (سَيْجَر) سَجَرْكُمْ بحيله جاب قهوه وفيها حلاوي ويقول جازع الفطحاني أنهم وأن ارتبطوا مع الانجليز فأنهم يلتزمون حدودهم ولا يقبلون أن يعتدي عليهم: لا كتبنا وسرنا وطعنا عادنا عند تاك المراوي وان سرفتوا علينا بسرفه رَعْ خليل امْغَويات غَاوي ويرد محمد أحمد بن لزنم على جازع يقول له أنك اتبعت الطريق الخطأ بتقربك للانجليز (النصارى) وأن لم تراجع نفسك وتتوب فأن العوالق لك بالمرصاد: يوم قرَّبت قوم النصارى والله انّك جزعت الرهاوي وِنْ ما طعت عاد العوالق للوجع ينجحون المكاوي وللشاعر محمد أحمد بن لزنم عشية الاستقلال أبيات يطالب فيها برحيل العجوز الكاهنة، ويقصد بها الاستعمار البريطاني. يقول: اليوم عيد الله عَيّدنا ما الصبح عيد الدوله الكُبرى عيد الوطن والشعب متقدم لا إله إلاَّ الله مَحْسَن المَهْرى با لنتقم من كل مستعمر الشعب لازم ينتقل جهرى أما العجوز الكاهنه ترحل بَرَّى كلفتي مننا برَّى ويخلد الشاعر محمد أحمد بن لزنم مآثر مناطق شبوة وانتفاضاتها المجيدة ضد الاحتلال البريطاني في واحدة من أروع قصائده، يعدد فيها بكل فخر واعتزاز الانتفاضات القبلية في أرجاء شبوة .يقول: تاريخنا قد تسجل وافتح الدفتر حطيب والكور با يشهد على ذي كان زمان ثاروا على خائن ومستعمر وصاحب إنجلترا من هدَّة الرُّميان في الكور هَلْ بوبكر دخانهم غتَّر هدَّات في الشُّمخ العاليه والوديان هدلتهم مثل رعد الصيف لا ثوَّر في الكور والحيد لسود رعدها حنَّان واصحابهم معن ما حد منهم قصَّر حيشا على الجيد ما يجي منه القصران والسيد الجفري اتكلَّم من المنبر من جامعة مصر يصدر كل يوم إعلان ذي صلَّح الساس للثوره وذي فكَّر واهل الجنوب استجابوا حضر والبدوان وفي حطيب الربيزي بن علي معور ذي في بلاد العوالق أعلن العصيان قاوم وقاموا معه خُوته بني محجر وكم معارك عنيفه كل شي قد بان ذي قال ما لقبل النصراني الكافر ثلاثتعشر سنه تصميمهم ما لان وكل ليله تقع هدّه على العسكر وفي سعادة زَجَم رعده وفي محدان والعام في خوره امسى طعن يا خنجر ثاروا على عسكر الدوله بني ديَّان وأصحاب مرخه بقيّت أرضهم محجر ولا دخلها بريطاني ولا سلطان والحارثي والمصاعب علمهم يذكر ثاروا وكانت لهم هدَّات في بيحان وفي غتيّه وفي ناطع وفي الميزر وفي عسيلان والعليا وفي ريدان ومن خليفه ومن عَرْمَا ومن حِمْيَر يا ذي تبوا تدفنوا تاريخنا دفَّان لقد كانت أشعار بن لزنم وغيره من الشعراء من العوامل المهمة لاستنهاض الهمم وإيقاظ الوعي التحرري لرفض ومقاومة الاحتلال، وما أحوجنا لتوثيق تراثهم الشعري ونشره لتتعرف الأجيال على تلك المواقف الوطنية الخالدة في سفر تاريخنا المجيد. [1] - العاقبة: الطفل الصغير.