أستيقظ الفتًى من سُباتهُ بعد ليلة لم يغمض له جفنٍ بها كان كلما أراد الاستسلام للنوم تذكر تلك الفاتنة تَرَنَّمًا قائلًا "سرقت النوم من داخلي عيوني". هَمَّ للنهوض إذ تمر به أُمهُ قْالة: "سير و تخبر" لعلك تلقى نبأ من ابن خالك يغير حالك يا بُني.. ضممتهُ إليها: هذا الحُب "ماحسبنا حسابه" تناولت الأسرة وجبة الإفطار بينما الأب يُجهز نفسه للنزول إلى المزرعة أخبر ابنه بنبرة حادة: استعجل في نفسك و الحق بي ولا تَشْكُوَ إلى امك "بأنني فضلت" ابن اخي عليك. تدخلت الأخت الصغيرة ذات اللسان الفصيح "سيبوه" غدًا يذهب بنفسه و يحرث الأرض بيداه. هتف الجد ساخرًا "دون يا قلم" حفيدي هذا الصباح لا ينْبِسْ بأي كلمة.... أقترب الجد و بنظرة خبث مخاطبًا: "يا سهران ليه السهر" ذهبت الأم تتفقد رضيعهم، وودعت الأب، والأخت الصغيرة تلَهْوّ مع صديقاتها.... جلس الجد بجوار الفتى رَبَّتَ على كتفِهِ قائلًا: "عادك إلا صغير بدري عليك الهوى". يا بُني لو كان بيد المرء منا لجعلنا من نهواها نصيبنا ،لكنها الدنيا تضعهم أمامنا نهواها بكل جوراحنا نُضَحِّيَ بفؤادنا ثم نُصبح فارغين تمامًا لا نشتهي شيء سواهم بعدها نستسلم للقدر؛ خذ هذه النصيحة من جدك العجوز الكهل فقد "غزاني الشيب" و مازلتُ عاشقًا.. حتى اني "أحتفل بالجرح" كل عام "في ذكرى هوانا". نظر إلى جدهُ و الحسرة تأكل عينيه الذابلتين "الصبر لا جاوز حدوده" يطفئ الفؤاد، كل ما أريده من هذا الحياة "ساعة صفاء" أو لقاء "بحي الربوع" آه يا جدي بات قلبي "كما الريشة"، رغم الجفا" ... "موقفي صعب" إني واقف في الوسط لا اقدر على الرجوع للوراء و اعيش كما كُنت مرتاح البال أكبر همي الأرض و متى نزول المطر ، ولا أملك قدرة مواصلة الحياة دونها. ارتفع رأسه نحو الأعلى كان" في السماء غيم" تنهد : "أنت وينك أدور منك يومين يا زين"، إذ بصوت الهديل يرن يأذنيه جدي: هذه الحمامة ستكون" رسولي قوم" "شلنا يابو جناحين لعند المحب حتى في الشهر ليلة".. قّبل جبين الجد : عليّ الذهاب الآن وإلا جاء ابنك ليسمعني كلام يكسر الخاطر يكفي ما بي. إلى اللقاء يا بُني تذكر جيدًا "ما علينا" من تلك الفاتنة، التي عيناها أَصَفَا من "عسل دوعن"، "كثر الله خيرك"يا جدي لكن "حجة الغائب معاه". قالها بدُعابة : أذهب أيُّها العاشق أذهب. تمتم الفتى "امتى أنا شوفك يا كامل وصوفك". كان الطريق طويلًا، و شاقًا على عاشق مثلهُ نظر إلى الشمس بتحدي رغم سطوعها القوي تذكر عينيها العسليتين أَبتسم قائلًًا: " لا أنت شمس" خاف بعض الشيء؛ الآن الأسرة من صغيرها إلى كبيرها يعلمون بسري ، يعملون بأن الفؤاد قد هوى. رفع يداه داعيًا "يارب سألتك تخلي سرنا مكتوب" عندما وصل إلى المزرعة قبل أن يرى الأقران لفتت انتباهُه شتلات ورد جوري ؛ تذكر وجنتيها وتمتم :" يا ورد محلى جمالك بين الورود" ضحك بصوت "أعود لهُ" و مدح حُبه لها بكل فخر "أصيل والله أصيل". مضى النهار كلهُ بين الأرض، البذور و ذكرها. آه لو ادري كيف " فهمك لمعنى الحُب" ؛ لتعلمت كيف تفهم الحب عساها تأتي الآن" سلم حتى ولو بكف الإشارة" سأكون ممنونًا لهم بحياتي..أو حتى عتابًا أعلم بأن" عتابك حلو". مرت بهم إمرأة و طفلها هتف الطفل أماه: " عنب في غصونه" أقتربت الام من المزارعين قاله: " يازارعين العنب ما باتبيعونه"؟! بدأ الغسق بالظهور، الشمس تنحدر نحو الأسفل تعلن رحيل يوم كشف سر صاحبنا، جاء القمر بمنتصف الشهر من حوله هالة ؛ تذكر وجهها الممتلئ الدائري الجميل .. زمجر :" سر حبي فيك غامض" _اخبرهُ صديقًا لهُ: "حان وقت اللقاء"... " يا صاحبي ما خاب ظني فيك" ستكون لك و ستكون لها... _يا صديق: "أقول له إيه أن قال مالي نفس تهواك" _يا عزيزي: " المشكلة في الناس" _شرد بذهنه" لو خيروني" اقسم بأني ساختارها للمرة الألف. _ أنتم العُشاق ما حال ليلكم! تحبون في "سكون الليل" و بضوضاء النهار "وصفولي الحب" هكذا إذًا يكون؟ _" أنا المتيم".. "شوف لي حل" قضيت مدة طويلة لا أنام لليل " خلي أسر قلبي" _يصيح بهم صديق ثالث: " يالله مع الليل بانسهر بنحكم الشرح و فنونه" _" لا تنادي" ؛لدينا صديق "مجروح" ضاعت عليه "فرصة من العمر" _حسنًا: قادمون لقد"تصافينا" _هيا بنا لنشعل "نار الشوق" أَبتسم.. مكث هو و مجموعة من الشباب يَتَسَامَرُونُ أشعلوا الأخشاب شبت النار لتبعث لهم بالدفى... _" يا سُمار" ما حالكم؟ .." طاب الهناء" برفقتكم الليلة. _" مرحيب" بالرفاق. هذا يحكي حكاية، و ذاك يُمِازِحَ من بالجوار، و آخر قادم إليهم نبأ سيفرحهم. و أثنين منهم يتبادلون نكات فكاهية ظريفة ، كان المرح يضج المكان إلا هو إلا هو... كان يحدق بالنار؛ نظرات وتأملات شاردة و فؤاد يخفق بشدة" آه من نار حُبك" ايقضهُ صديقهُ:" يا حامل الأثقال" إنها خلفك.." أقبلت تشمي رويدًا" ضحكوا جميعًا من نظرة عيناه الغائِرة حولهم، يتخبط مكانهُ كغريق يحاول إنقاذ نفسه من الهلاك؛ ما هذا الهُرَاء السَخِيف؟ قالها بوجه غاضب. أنا ذاهب. حسنًا يا صديقنا ، مكثوا يتهمسون عليه صديقنا ابتلى بالهوى. " زمان كانت لنا أيام" جميلة برفقة مزاجهُ و نشاطهُ كان يسير بخطوات مثقلة، عَزَمَ السفر و هجر القرية بأكملها "أنا لولا عيونك ما عمري ما حبيت، لا سافرت، ولا دورت ولا ناديت إِنتِ وين" " باشل حبُك معي بالقيه زادي و مرافقي في السفر" نظر إلى إنعكاس وجهه في البئر.." اسكني ياجراح" "واويح نفسي" من هذا الهوى. طارت فكرة السفر بلمح البصر. وصل البيت متاخرًا اخيرًا و الدمع خالط الرمش" و العين لولا الرموش جمالها مخدوش" " اشكي لمن منك و من اللي تفعله بي اشكي لمن"... " ما حبيت غيرك" لكنها الدنيا مثلما قال جدي. مضت "اربعة و عشرون ساعة" "يا غصن البان" إلا ياليت تأتين حلمًا.... أستسلم للنوم و هو يردد" لما يغيب القمر و العقل به مربوش تسأل عليه العيون لي فوقها منقوش، قال السحاب في أسى من امس ما شفتوش شل النجوم و أختفى وجه السماء موحوش" الذكرى الثالثة لرحيل عميد الدان الحضرمي الفنان أبو بكرا سالم بلفقية. 10_12_2017 10_12_2020