مما لا شك فيه بأن عملية اختيار أفضل (الحلول) السياسية المتاحة ما بين الأمس واليوم بشأن القضية الجنوبية ، تستدعي أجرأ مقارنة واقعية بين جملة (مخرجات) حوار صنعاء ، ومفاوضات جدة ، خلال مرحلة ما قبل حرب الانقلابيين وما بعدها ، وعلى ضوء نتائج (المخرجات) المقترنة تتبلور أفضلية الحل السياسي المتاح و الأنسب والأقل كلفة من حيث الخسائر السياسية والبشرية في كلا المرحلتين الزمنية ... ومن ذلك المنطلق لابد من استعراض الحقائق بكل شفافية ومصداقية دون رتوش و بطولات جنوبية زائفة ، لا يقبلها العقل والمنطق السليم وعلى هذا الأساس ، نوجز خفايا سياسية بشأن قدوم المناضل محمد علي أحمد (ابوسند) في مطلع مارس من العام 2013 إلى العاصمة الجنوبية عدن ، وفي مضض وسباق مع الزمن ، وقد كأنت تقف خلفه دولة عظمى دفعت *بالصريمة* كغطاء مالي يمول تكلفة أنشأ مكون *مؤتمر شعب الجنوب الوطني*
وقد كأنت غلطة بن علي أحمد التي لن يغفرها لنفسه ، بأنه ارتكب خطاء فادح حين أعتمد على أساس التمثيل الوطني من كل المحافظات الجنوبية ، دون الأخذ بالمعيار الشرطي بأن يكون إختيار الممثلين من الفئات الثورية التي لذعتها حرارة شمس المطالبة بنيل الحرية والاستقلال للجنوب ، لأن تلك الفئات الثورية لديهم إيمان راسخ بعدالة القضية الجنوبية التي يناضلون من أجل الانتصار لها ، و لن تغريهم المكاسب الشخصية مقابل المرابحة والمساومة في تخلي عن المضي خلف القرارات السياسية المصيرية التي أقرتها قيادة مكون مؤتمر شعب الجنوب ...
ولا يستطيع ان ينكر اي جنوبي بأن محققه ابو سند من مكاسب سياسية للقضية الجنوبية ، تكمن في انتزاع القرار الدولي رقم (2041) لسنة 2014 كعتراف ضمني بأن *الحراك الجنوبي السلمي* الحامل السياسي للقضية الجنوبية بكل فصائلة ، وليس تمثيل حصري وحيد لمكون مؤتمر شعب الجنوب ، وحقق حوار ندي (8) جنوبيين مقابل (8) شماليين ، وفي هذا الصدد أتذكر بأن ابوسند رفض أن يجلس أحمد عبيد بن دغر الجنوبي على طاولة الحوار الندي ضمن فريق الشماليين كمندوب عن حزب المؤتمر الشعبي العام ...
أما بشأن الحصة السلطوية فقد انتزع من ذلك الحوار سلطة المناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية ، بواقع (50٪) وعلى أن تكون نسبة (75٪) من حصة الجنوب السلطوية *للحراك الجنوبي* وما دون تلك النسبة لفروع الأحزاب اليمنية في الجنوب ، حيث حقق كل تلك المكاسب السياسية دون خسائر دموية على الرغم من أن الساحة الجنوبية من باب المندب إلى حوف تبسط عليها الجيوش الشمالية ..
إلا أنه لم يتنازل عن حق تقرير المصير لشعب بعد خمس سنوات الذي قوبل بالرفض من الطرف الندي الشمالي ، وعلى أثر ذلك أعلن انسحابه من حوار صنعاء ، ولم يخشى موقف الدولة العظمى التي تقف خلفه ، لكنهم *خذلوه* مكاوي والقنع وشطارة بعدم الامتثال للانسحاب والاستمرار حتى تمكن الحوثيين من الانقلاب على شرعية هادي الجنوبي..
في حين أن عملية القيام بإنشاء مكون *المجلس الانتقالي الجنوبي* جئت في ظل تحرير المحافظات الجنوبية من الجيوش الشمالية بستثاء وادي حضرموت والمهرة ، وبعد إعفاء *عيدروس الزبيدي* من منصبه كمحافظ للعاصمة عدن تحت كنف الجمهورية اليمنية بتاريخ 27 / أبريل/2017 ، بدعم عسكري وتمويل مالي من دولة الإمارات العربية المسؤلة عن الملف الأمني في المحافظات الجنوبية المحررة في إطار التحالف العربي الداعم للشرعية الدستورية لرئيس عبدربه منصور هادي ..
وحينما لم تنال أبوظبي ماربها الاقتصادية من شرعية هادي ، كرست جهودها إلى تشيكل ضغط سياسي بنفود إنقلاب عسكري ، حيث مكنت التشكيلات العسكرية التي أسستها إلى موالة الانتقالي ، والقيام بتنفيذ أول معركة جنوبية في أواخر يناير من العام 2018 ، وسيطرت على معسكرات شرعية هادي الجنوبية في العاصمة السياسية المؤقتة عدن ، لكن إعلان قوات العمالقة في الساحل الغربي بالانسحاب ، أجبر الامارات على الانصياع بإخراج تلك التشيكلات العسكرية من معسكرات الشرعية وإعادة تسليمها ، مما استدعى من الامارات أن تأتي *بطارق عفاش* وإسناد له مهمة تأمين المناطق المحررة في الساحل الغربي في حال فكرت بدعم إنقلاب آخر على معسكرات الشرعية في عدن والجنوب ..
وبعد ان نجحت في تمكين طارق عفاش من تأمين المناطق المحررة في الساحل الغربي ، دعمت التشكيلات الموالي للانتقالي بتنفيذ إنقلاب عسكرى ثاني في مطلع اغسطس من العام 2019 ، بسيطرة على معسكرات الشرعية في عدن ، تم توجيهها صوب أبين وشبوة حتى أفضت المعركة من ذلك الحين إلى يومنا الراهن قتال دائر بين تشيكلات الانتقالي وقوات الشرعية في خنادق قرن مكلاسي والشيخ سالم والطرية ...
وعلى ضوء كل الدماء الجنوبية المهدرة ، ذهب الانتقالي إلى مفاوضات جدة التي تمخض عنها ، وثيقة اتفاق الرياض المزمنة بين الانتقالي والشرعية بتاريخ 5/ نوفمبر /2019 ، ومن هنا تأتي أهمية استعراض ما حققه مكون الانتقالي من مكاسب سياسية للقضية الجنوبية من مفاوضات جدة ، حيث حقق امضاء على الاتفاق من قبل طرف جنوبي يمثل الشرعية *الخنبشي* الحضرمي ، أما على المستوى العسكري إعادة تنظيم التشيكلات العسكرية تحت قيادة وزارة الداخلية والدفاع ، حيث ستكون القوات المنضوية في مؤسسة الجيش العسكرية تحت قيادة الوزير المقدشي الشمالي ...
أما المكاسب السلطوية حكومة المناصفة بين المحافظات الجنوبية المحررة والمحافظاتالشمالية االمحتلة ، حيث سيكون عدد (12) وزير شمالي ، و مثله لوزراء جنوبيين ، مع اختلاف نسبة التوزيع الجنوبي ، اذا افترضنا أن مكون الانتقالي يمكن توصيفه ضمن إطار فصائل الحراك الجنوبي ، إلا أنه لم يحصل على نسبة ال(75٪) من نصف السلطة المحددة للجنوب ، التي يفترض أن تكون بعدد (9) حقائب وزارية ،
بالإضافة إلى أن الوزراء الذين شرحهم الانتقالي لشغل تلك الحقائب الوزارية ليس من ثوار الحراك الجنوبي. لم تلذعهم حرارة شمس الحرية ، فما الذي يضمن مصداقيتهم بالعمل لخدمة القضية الجنوبية ، إن لم يطلعوا أشبه بمكاوي والقنع وشطارة في تخلي عن قرارات قيادة مكون الانتقالي ، كما تخلوا هولائك عن محمد علي ، و من نتائج المقارنة نترك الاختيار للحل السياسي الافضل دون سفك الدماء للقارئ الجنوبي فيما أستخلاص من *مقارنة(سلطوية) بين نصف (ابوسند)ونصيف(ابوقاسم)!!*