في رحلة غريبة الأطوار، وعرة التضاريس، تعيسة الملامح، كثيرة الحفر، مليئة بالغبار، ومكتظة بالفقر والعذاب. إلى مدينة غاب حاميها وتشيطنت أحفادها، فلم يذروا للسلم آية، بل جعلوا منها لوحةً مرسومةً بالدماء ومخضبة به، راسموها الحكام وجمهورها المواطن وهي الوطن. نحو تلك البلاد البعيدة توجهنا .. ولم تكن رحلتنا للتنزه فقط، بل للبحث عن الوطنية والمواطن الصابر المغلوب على أمره، المشرّد في نواحي البؤس، المتعب من كل أمر، الباكي في كل قول، الشقي في كل فعل. وصلنا على دموعهم لينقلب الهدف رأساً على عقب، وجدنا التعب منهم وفيهم، ولكنهم كوّنوا معه صداقة حميمية فأصبح من أهل دارهم. كل شيء من الممكن حدوثه .. لا غريب في ذلك، ما دمت في اليمن السعيد لفظًا الشقي دومًا ، المغلوب على أمره دائماً وأبداً. كنا نتحدث عن الوطن وعن الحُكام وعن عذابنا وجوعنا. عندما شارفت الساعة على 2:00م بدأ حديثنا عن الجوع الذي سيطر علينا في تلك اللحظة، ونحن لا نملك بحوزتنا سوى الماء؛ ولأننا في منطقة نائية لا يوجد أي شيء سوى وجه الله .. إذا بذلك الطفل ذي 7 أعوام يسألنا: هل تجوع الحُكام مثلنا ؟! سؤال أوقف الحروف، وفرّت الكلمات من بين يدي.. سألنا هذا السؤال، لأنه تبين لنا أنه لم يجد ما يأكله منذ البارحة. كيف تجوع الحُكام يا صغيري؟ وهي تمسك زمام ثرواتنا المهدرة في الإعلام، الموجودة في خزائن البنوك؛ كيف تجوع ونحن نعمل من أجلها ليل نهار، كيف تجوع وإيرادات بالمليارات تحت تصرفهم؟ وحدك من تجوع ؟!! لأنك الوطن.. ومن عادة الأوطان الصادقة والشامخة أن تجوع، ولأنك تحمل الوطنية الحقيقة في صدرك.. ستجوع .. لأنهم أبوا إلا أن يصنعوا من جراحنا وطنهم الهش كما يزعمون.. ستجوع.. لأنهم فقراء العدل وجاهلون المعارف. ستجوع.. لأن الحاكم شابع. هل تجوع الحُكام ؟!! أظنها جاعت يا صغيري .. وبدأت تأكلنا ونحن أحياء، لأن ديننا يُحرم أكل الميتة.