حُبنا كجنوبين في الوحدة لم يكن مبنياً على عمق فلسفي ينطلق من فكرٍ متأزمٍ مشوهٍ، لكننا أقمنا اولوياتها على كثير من أبجديات الوطنيةِ والأنتماء القومي العربي، وبدليل أن نحن كنّا من دعاتها أكثرَ بكثيرٍ من الشمالين، وما أن تم لنا بلوغها حتى أصبحت وأمست تُغذيها عقد الظلم التي طالتنا وتفشت فينا، فحولتنا من شُركاء رئيسين لهم كامل الحقوق في صنع مستقبلهِم ومُستقبل هذا الوطن، إلى شركاء تعيش على الهامش منتضرون فقط ما سُيطلب منّا ننفذهُ ودون أبطأ او ملل. وبذلك صارت كراهيةً تُعمق من سياسة الإقصاء التي مارسها نظام صنعاء بشقيه معارضةً وسلطةً وعلى مختلف مشاربهِ مؤتمر، مع إصلاح وأحزاب رجال دين وطوائف قبائل تجار أدباء، ومثقفون، ورواد، لتجعلتنا نفكر بماضينا نحلم بالعودةِ إليه وبما حَملنا عنهُ من ذكرياتٍ سعيدة، وأليمة وحين نتذكّر مليّاً في حالنا نكفرُ بِقادتنا وبيومٍ توّجوا إعلانها فيه وحدة مع نظام لا يفهم من أبسط معانيها الساميّة شيئاً.
فمن وقع ما أصابنا، لذلك من الطبيعي أن تبقى الثقةُ منزوعة والخوفَ متسرباً إلى كل قلبِ إنسانٍ ناله قسطاً من ويلات ذلك العهد البائس، خشيةَ مؤمرةً ثانية تُعيد تكرار المشهد من جديد.. فالمسألةُ حينها ستغدو لنا ليست بذات معنى وجودي نعيش فيه على أرضنا بكرامةِ وحرية إلا إلى إنحداراً لمستنقعٍ آخرٍ أشدُ فضاعةً من سابقهِ، سيأخذ منّا ردح من الزمان حتى نُعيد تشكيل روح إنتعاشا،ونهوضاً جديداً يُحيّنا.
ومما نلاحضه عن تقديراتنا أسوأ ما يمكن وصفهُ ومن بعد إندلاع حرب مارس 2015م وبخلطِها لجميع الأوراقِ فحولت جزءً كبير من حاملي لواء النضال السلمي إلى مسارات اخرى غير متوقعة، وليُصدّر لهيبها حولنا كم كذا مِن ثائرٍ فاسدٍ يسيرُ على طريق التحرير وإستعادة الدولة المنشودة.
أعتقد القضية هنا يتحمّلها كلُ من ذات الأنتماء الجنوبي بصفتهِ، وشخسهٍ داخل الشرعية الحالية من رئيس جمهورية إلى أدناهُ ثم أدناهُ بما فيهم الانتقالي نفسه، والأخير يقع عليه اكبر المسؤلية وبقبضهِ الراية بأسم الحراك الجنوبي في 5/4/ 20116 على أنه الوعاء الحافض لأهداف قضيتهِ العادلة، ومن حينها أخذ يشيع أن بإمكانهُ يجعلَ الطموح واقعاً ملموساً، مع معرفتهِ الأكيدةِ أن الطريق شائك ومليئ بالمطبّاتِ، والحفرِ وعلى المفترقاتِ والجنباتِ كثيراً من الكمائنِ والمُغرياتِ، وما ينتظر الجميع ليس أسهل من ما قد مرَ، ولنا في صنعاء وأهل صنعاء من الماضي عبر وتجارب وعن إجادتهم لألعاب خفة الحركة وفن الخداع، وبحكايات بهلوانية تُديخ متابعيها البعيد والقريب، يتعاملون بها كالسحر وقد طبقوّها مرارا وتكراراً على من ساندهم وأزرهم وتوهم إصلاحهم، ساعتها وإن حصلت الإنتكاسة وتعثرت معه الأهازيج، والأفراح، واليالي الملاح ولم يتمكن أولئك من توفير الحد الأدنى من الهدف المقنع للشعب الجنوبي ستكون هي الكارثة بعينها.
فإن لن ينتبهَ اليوم قادتنا الضاهرون للمسألة المعقدة هذه، والتي لم يُعد الخوف فيها فقط من حساب خمس الحوثي وحده، بقدر ما هي أن ندخلَ في لحضة غامرة بالسعادة مزهوون بالنصر، ونمضي ولا ندرك أننا نُجرُ إلى إستعباد بالمطلق من جديد، وتحت مضلة الشرعية نفسها والتي قد تتحول ودون سابق إنذار بوجهٍ زيدي قشيب إذا ما أوصلناها للهدف المحدد (القضاء على الإنقلاب )، حينها لن يرحم التاريخ كل جنوبي عِمل في إيجاد صناعة هذا المناخ، وسيتحمّل جميع من شارك وزر ما أُقترف بحقنا من جرائمٍ وعلى المراحل السابقة واللآحقة من عام تسعين إلى ذلك اليوم.