أكاديمي: الشرعية توجه الضربة القاضية للحوثيين بعدما ظلت لسنوات تتلقى "ملطام وراء ملطام"    - العليمي يلغي قرارات البنك المركزي في عدن تنفيذا لتقرير مالي مستقل وينشره موقع الأوراق و يكشف عيوب قرارات بنكي صنعاء وعدن    عاجل: هجوم صاروخي على السفن غرب محافظة الحديدة    محكمة حوثية بصنعاء تقضي بإعدام 44 مواطنا يمنيا بتهمة "التخابر"    قيادي بالانتقالي الجنوبي : اليمن على أعتاب مرحلة جديدة من الانتعاش الاقتصادي    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    أعظم 9 نهائيات في تاريخ دوري أبطال أوروبا    بوروسيا دورتموند الطموح في مواجهة نارية مع ريال مدريد    الوزير البكري يشهد حفل افتتاح "طرابلس عاصمة الشباب العربي 2024    - بنك يمني لأكبر مجموعة تجارية في اليمن يؤكد مصيرية تحت حكم سلطة عدن    نجاة رئيس شعبة الاستخبارات بقيادة محور تعز من محاولة اغتيال جنوبي المحافظة    المنتخب الوطني يواصل تدريباته المكثفة بمعسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا للشباب    اوسيمين يخرج عن دائرة اهتمام تشيلسي    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    مواصلة استغلال القضاء.. محكمة حوثية تصدر أوامر بإعدام مدير شركة برودجي عدنان الحرازي    قرارات البنك المركزي الأخيرة ستجلب ملايين النازحين اليمنيين إلى الجنوب    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    مبادرة شعبية لفتح طريق البيضاء مارب.. والمليشيات الحوثية تشترط مهلة لنزع الألغام    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    مليشيا الحوثي تختطف عميد كلية التجارة بجامعة إب    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    الحوثيون يطوقون إحدى قرى سنحان بالعربات العسكرية والمصفحات بعد مطالبتهم بإقالة الهادي    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    تنفيذي العربي للدراجات يناقش أجندة بطولات الاتحاد المقبلة ويكشف عن موعد الجمعية العمومية    شاهد: مقتل 10 أشخاص في حادث تصادم مروع بالحديدة    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    الشرطة تُحبط تهريب كمية هائلة من الحبوب المخدرة وتنقذ شباب عدن من براثن الإدمان!    فرحة عارمة تجتاح جميع أفراد ألوية العمالقة    مع اقتراب عيد الأضحى..حيوانات مفترسة تهاجم قطيع أغنام في محافظة إب وتفترس العشرات    هل تُسقِط السعودية قرار مركزي عدن أم هي الحرب قادمة؟    الهلال بطلا لكأس خادم الحرمين الشريفين    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    شاب عشريني يغرق في ساحل الخوخة جنوبي الحديدة    خراب    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و284 منذ 7 أكتوبر    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    وزارة الأوقاف تدشن النظام الرقمي لبيانات الحجاج (يلملم)    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خبيرة في مجموعة الأزمات تكتب عن الوضع القائم في اليمن: خطوة نحو الأمام وخطوتان إلى الوراء
يجب ان يغادروا..
نشر في يمنات يوم 10 - 11 - 2012


د.ابريل لونجلي ألي
بعد مضي حوالي عام على توقيع الرئيس السابق علي عبد الله صالح اتفاقية نقل السلطة، يواجه اليمن مخاطر كبيرة من العنف المحلي وتجزئة اراضيه. في حين يتحضر الساسة والمجتمع الدولي في العاصمة لحوار وطني، يتخذ المتمردون الزيديون، او ما يعرفون بالحوثيين، والمقاتلون السلفيون ذوي العلاقة بحزب الاصلاح الإسلامي مواقعهم في الشمال للمزيد من المناوشات.
لقد ادت الاشتباكات خلال الأشهر الاخيرة بالفعل الى قتل العشرات من الناس، و الخطابات الملهبة للمشاعر هي نذير العنف المقبل.
في الجنوب لا تزال المشاعر الانفصالية مرتفعة ولا وجود لاتفاق على كيفية الاشراك الفعال في عملية الحوار للحراك الجنوبي، وهو التحالف المفكك والمنقسم على نفسه والذي يدعو الى استقلال الجنوب الفوري او الى المزيد من الحكم الذاتي
كحد أدنى.
الهجمات التي يشنها تنظيم القاعدة وفرعها المحلي، أنصار الشريعة، آخذة في الارتفاع حيث تم اغتيال ما يزيد عن 60 من افراد الجيش والامن في عام 2012 وحده. لقد نجا وزير الدفاع من عمليات اغتيال في ستة مناسبات على الأقل.
ان الازمات الاقتصادية والانسانية المزمنة والمولدة للضغينة تغذي وتقوي الاستقرار. شهد الناس في جميع انحاء البلاد القليل جدا من التحسن في حياتهم اليومية منذ تولي الحكومة الجديدة مقاليد السلطة في شهر فبراير. على المدى القريب فان الوعود الاتية من مؤتمر الرياض و "اصدقاء اليمن" المجتمعون في نيويورك والتي تقدر بحوالي 8 مليار دولار، تعطي الامل بمجيء تحسينات مستقبلية. ولكن هناك قلق حقيقي بان الامور ستكون كما كانت في عام 2006 وان جزءا صغيرا فقط من التعهدات، ستنمح.
ما يعادل هذا القلق هو عدم وجود القدرة الاستيعابية، التي تضاعفت جراء تدمير ونهب المكاتب الحكومية في 2011م.
والجمود السياسي المستمر في عام 2012 والتغييرات العشوائية للهيكل البيروقراطي على أساس الانتماءات السياسية.
كل هذا لا يعني أن مصير اليمن يؤول إلى سيناريو شبيه بالصومال. في الواقع، نجح ساسة البلد تجنب حرب متوقعة دموية في عام 2011 ورسموا مسارا فريدا للخروج من نسختها مما يسمى بالربيع العربي. الاتفاق الانتقالي الموقع بين الحزب الحاكم السابق وكتلة المعارضة يوفر فرصة لحوار وطني شامل لمعالجة مظالم طال أمدها و إصلاح المؤسسات. ولكن تبقى هذه النتيجة غير مضمونة وهناك حاجة الى عمل فوري للحد من التوترات السياسية وبناء الثقة بين الاطراف المعنية ووقف الحركات النابذة التي تدفع البلد الي الصراع والتفتت.
في عام 2011 تجنبت البلد حربا أهلية محتملة عن طريق تسوية نخبوية عرفت بمبادرة مجلس التعاون الخليجي. عرضت الاتفاقية في جوهرها حصانة محلية للرئيس السابق من الملاحقة القضائية مقابل استقالته. اضافت الآلية التنفيذية المدعومة من الامم المتحدة اللحم على العظام عن طريق رسم الخطوط العريضة لعملية من مرحلتين يقوم فيها صالح بنقل السلطة الي نائبه عبد ربه منصور هادي خلال انتخابات مجردة من المنافسة. وفي المرحلة الثانية يكون لدى الرئيس هادي والحكومة الائتلافية (المنقسمة بالتساوي بين الحزب الحاكم السابق المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وكتلة المعارضة, اللقاء المشترك وشركائه)، وخلال عامين ستقوم ، من بين أمور أخرى، بإعادة هيكلة الجيش والأجهزة الامنية ومعالجة مسائل العدالة الانتقالية وإجراء..
حوار وطني شامل من شأنه تمهيد الطريق لصياغة دستور جديد قبل اجراء انتخابات جديدة تجري في فبراير عام 2014.
مضت تسعة أشهر على المرحلة الثانية وقد سجلت اداء متفاوتا أو اذاء مشوشا . وصلت توفقت النخب في العاصمة بنجاح الى تحقيق مؤشرات رئيسية مثل تشكيل حكومة ائتلافية واجراء انتخابات رئاسية مبكرة وبدأ الأعمال التحضيرية للحوار الوطني التي من المقرر بدأها في منتصف نوفمبر تشرين الثاني، ولكن من المرجح تأجيلها. بالنسبة الى القضايا الأكثر موضوعية مثل تحسين الأجواء الأمنية و الحد من التوتر وتوحيد الجيش المنقسم على نفسه وادارة الحكومة المركزية بفعالية فان التنفيذ في هذه النواحي يواجه معضلات أو صعوبات عديدة. في الحقيقة، وفي حين احراز بعض التقدم فان الأعمال التي يرتكبها المفسدون والتنفيذ الانتقائي للاتفاقية والتعيينات السياسية الملهبة للمشاعر تدفع البلاد بعيدا عن التسوية السياسية ونحو تجدد الصراع.
باختصار، فان النخبة تؤشر على ما ينجز في قائمة أعمالها في حين ان التقدم على ارض الواقع يمشي خطوة نحو الامام وخطوتين نحو الوراء.
تتركز معظم الانتقادات الدولية والمحلية على ان صالح ومؤيدوه هم المفسدون الرئيسيون. ليس هناك شك في أن وجود صالح المستمر في البلاد ومشاركته الفعالة في الحياة السياسية يشكل عقبات كبيرة في طريق التغيير السياسي والمصالحة. وجوده مسمم ويخلق أجواء من عدم الثقة والشك لدى مجموعات المعارضة السابقة وكذلك مع هادي وأنصاره. ومع ذلك وفي نواح كثيرة، أصبح الرئيس السابق كمانع الصواعق لاستلام النقد، حيث يبعد الانظار عن المفسدين الاخرين وعن المشاكل المصاحبة لعملية التنفيذ والتي تقوض أيضا هدف التحول الديمقراطي الشامل.
دعم التحول الهش للبلاد يتطلب اكثر بكثير من مجرد وقف الانتهاكات من جانب صالح. يحب ان يكون المفسدون الاخرون، وخاصة الجنرال القوي علي محسن الاحمر، جزءا من المعادلة. يعتمد الكثير أيضا على قدرة الحكومة الحالية ورئيس
الجمهورية تلبية مطالب السكان الأمنية والخدمات الأساسية، والوصول فورا إلى الفئات المهمشة، وخاصة الحراك الجنوبي، من خلال تدابير بناء الثقة.
هناك أيضا حاجة لوقف تزايد المخاوف من اجتثاث الصالحيين من الخدمة العسكرية والمدنية، والذي يصب الزيت على النار من خلال تعميق عدم الثقة واليأس من الوصول الى تسوية سياسية بين النخب المتجذرة.
سواء كان عادلا أم لا، فان العديد من اليمنيين يتطلعون إلى هادي لتوفير رؤية استراتيجية وخلق توازن خلال الفترة الانتقالية.
في حين انه ما زال يتمتع بتأييد واسع النطاق، ويرجع ذلك جزئيا الى عدم وجود بديل، فقد انتهت فترة شهر العسل بالنسبة له
ويشعر المواطنون بالإحباط بشكل متزايد بسبب عدم وجود رؤية وبسبب أسلوب القيادة الذي غالبا ما يؤدي الى تكرار أخطاء الماضي.
تحويل المسار السياسي بعيدا عن العنف ونحو حوار وطني ناجح يتطلب إجراءات فورية على أربع جبهات رئيسية: العودة إلى الأساسيات؛ اتباع سياسة شمولية؛ اقتلاع المفسدين، وإظهار اسلوب جديد للقيادة.
أولا وقبل كل شيء، يجب على الحكومة الائتلافية والرئيس إعادة تركيز الانتباه على الأمن والانتعاش الاقتصادي. من الصعب المبالغة في التأكيد على الشعور بانعدام الأمن الشخصي التي يتغلغل أو ينتشر في المدن الأكثر أهمية في البلد، وخاصة صنعاء وعدن. كلا المدينتين عانتا من هجمات تنظيم القاعدة والإجرام المتنامي. على الرغم من التقدم المحرز في إزالة الحواجز العسكرية المتنافسة، لا تزال صنعاء عاصمة منقسمة حيث قوات الحرس الجمهوري تسيطر على الجنوب، ومحسن والتجمع اليمني للإصلاح يسيطرون على ساحة التغيير وجامعة صنعاء في الشمال الغربي، ورجال قبائل آل الأحمر يحتفظون بحضور قوي في الحصبة في الشمال الشرقي. انتشار رجال القبائل المسلحين في العاصمة ووجود الأفراد العسكريين في أو بالقرب من مناطق مدنية هو تذكير دائم لعودة محتملة الى الصراع. نادرا ما ينتقل الرئيس هادي من منزله، ويقوم رئيس الوزراء بإدارة
شؤون الدولة من منزله، و يبعث هذا برسالة خوف وخشية وضعف الحكومة للسكان.
سيكون من المستحيل على الحكومة الانتقالية حل جميع التحديات الأمنية المتنوعة والمعقدة في البلاد. ولكن من الممكن اعطاء الأولوية للأمن في صنعاء وعدن. في حالة عدم وجود حد أدنى من الاستقرار في هذه المدن الرئيسية، فإنه من الصعب بناء الثقة في الحكومة أو في العملية الانتقالية. والحال هكذا، فان لدى جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين حوافز لتطوير خطة بديلة لحماية أنفسهم تحسبا لفشل الحكومة المركزية أو المزيد من التدهور.
الحكومة بحاجة ماسة أيضا الى خطة طوارئ اقتصادية ذات أولويات واضحة. الحكومة التوافقية منقسمة حيث تتألف من متنافسين سيقومون قريبا، اذا سارت الامور على ما يرام، بالمنافسة في الانتخابات. من غير المعقول أن نتوقع الاتفاق على استراتيجيات التنمية متوسطة أو طويلة الأجل. ولكن من الممكن تحديد أولويات تقديم الخدمات الأساسية، لا سيما الكهرباء والمياه، وتيسير تقديم المساعدة الانسانية الى السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي على نحو متزايد.
لم يحدث هذا حتى الآن. بدلا من ذلك، الساسة مشغولون بتوجيه أصابع الاتهام وتقسيم غنائم الدولة. المؤتمر الشعبي العام يلعب لعبة اللوم، ويصور نفسه كضحية لسياسة إقصائية واحيانا يستمتع بكونه يلعب دور المعارضة الجديدة، وهو وصف اطلقه هو على نفسه.
من جانبها، هاجس أحزاب اللقاء المشترك هو تشخيص حالات تدخل "النظام القديم" ونصب الموالين لها في الوزارات التي تسيطر عليها أحزاب اللقاء المشترك، وذلك كإجراء واضح لتجنب تدخلات المؤتمر الشعبي العام.
معظم المواطنين ببساطة يريدون حكومة فعالة بشكل متواضع وفرصة لبدء المفاوضات والحوار. على الأرجح يلقي المواطنون باللوم على كل جوانب مؤسسات الحزب القديم وأحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام في الفشل من الوفاء لهذه المتطلبات الأساسية.
هناك بعض التحسن في مستويات المعيشة، وبعض الوزراء والتكنوقراط يعملون على توسيع هذه النجاحات. ولكن فإن البيئة العامة التي تسودها منافسة اقصائية وفراغ القيادة على المستوى الحكومي يعيق هذه الجهود. على هذا النحو، فان إدخال تحسينات في الخدمات والأمن متقلب وغالبا ما يعتمد على الإرادة الفردية وتأثير القادة المحليين لحشد التأييد للمدن أو المناطق التابعة لهم. على سبيل المثال، شهدت مدينة تعز بعض التحسن في مجالي الأمن والخدمات بسبب رؤية المحافظ الجديد. نفس الشيء يحدث تدريجيا لمدينة صنعاء مع تعيين أمين عاصمة جديد يركز على النتائج. ولكن على الصعيد الوطني لا وجود لاستراتيجية طوارئ. بدلا من ذلك، فأن النخبة تتكالب على ما تبقى من جسد الحكومة المركزية الهزيلة في الوقت الذي تفقد بقية البلاد.
استندت مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي على روحية "لا غالب و مغلوب" وعلى هدف توسيع المشاركة السياسية من خلال حوار وطني. بعد ما يقارب من عام على التنفيذ، والمسار السياسي ينحرف وبشكل كبير بعيدا عن هذه المبادئ. جو من الخوف وعدم الثقة يتخلل السياق السياسي وينبأ بما هو سيء للحوار الفعال. إعادة توجيه المناخ السياسي نحو مزيد من الشمولية يتوقف إلى حد كبير على عاملين: تنفيذ تدابير بناء الثقة التي تركز على الفئات المهمشة، وخاصة الجنوبيين، وتهدئة المخاوف من المبالغة في عملية اجتثاث الصالحيين. من بين العاملين، الاول هو الأكثر إلحاحا.
مشاركة الحراك الجنوبي في الحوار الوطني هو قضية "حياة أو موت". على الرغم من أن مشاركة كل المجاميع، أو الحركات تحت مظلة الحراك يعد مستحيلا، ولكن مشاركة كتلة وافية من اطراف الحراك يشكل عنصرا أساسيا للتوصل إلى حل وسط وشرعي لبناء الدولة. ولكن تبقى مسألة مشاركة الحراك بعيدة المنال.
قامت اللجنة الفنية المكلفة بإعداد جدول الأعمال وإجراءات الحوار الوطني بجهود متضافرة لمعالجة هذه المسألة، واعلنت ان الأولوية الأولى للحوار سوف يكون القضية الجنوبية أو في الواقع، الحوار حول بنية الدولة: هل تكون وحدوية أم اتحادية أم على نمط آخر.
تدرس الجنة فكرة التمثيل المتساوي للشماليين والجنوبيين في اللجنة الفرعية التي تنظر في القضايا الجنوبية وذلك لمراعاة المخاوف الجنوبية من ان تعدادهم السكاني الاقل سيؤدي الى إضعاف صوتهم في اتخاذ القرار النهائي.
اللجنة هذه نفسها دعت الحكومة الى تنفيذ 20 نقطة لبناء الثقة لتهيئة الأجواء السياسية لحوار فعال، وما يقرب من نصفها تخص الجنوب.
تقوم اللجنة الفنية بعملها، ولكنها تحتاج إلى دعم من الرئيس، والحكومة، والأحزاب السياسية لبناء بيئة داعمة للحوار. و هذا لم يحدث حتى الآن. الى الآن لم تنفذ ولا واحدة من تدابير بناء الثقة التي اقترحتها اللجنة الفنية على الأرض. صحيح ان بعض الطلبات معقدة وستستغرق وقتا طويلا، مثل حل نزاعات الأراضي أو معالجة مسألة فصل الموظفين الحكوميين بصورة غير شرعية في اعقاب الحرب الاهلية في عام 1994 بين الجنوب والشمال.
مع ذلك، فإن الحكومة الحالية لم تبدأ بتشكيل اللجان للبدء في معالجة هذه القضايا، كما أنها لم تستغل الفرص السانحة، مثل اتخاذ خطوات لإعادة فتح ابرز صحف الجنوب المستقلة، صحيفة الأيام، التي تم إغلاقها عام 2009 في أعقاب هجوم على مكاتبها من قبل الحكومة المركزية للاشتباه في دعمها للانفصاليين.
على النقيض من ذلك، فإن بعض تصرفات الحكومة تبدو أنها تفاقم التوترات. على سبيل المثال، أغضب تعيين هادي لمحافظ من حزب الإصلاح في عدن أنصار الحراك الذين ينظرون الى الاصلاح كحزب شمالي ويناهض المصالح الجنوبية. بغض النظر عن السجل الشخصي للمحافظ، فان انتمائه الحزبي يمنعه من لعب دور المصالحة والتقارب. بالإضافة إلى ذلك، فإن المرسوم الرئاسي في شهر رمضان بإضافة خمسة مؤيدين للتجمع اليمني للإصلاح إلى اللجنة الفنية قلل من فرص التواصل مع الجنوبيين الذين كانوا يتوقعون ان تكون التعيينات الجديدة في نهاية المطاف من الحراك.
في ظل المشاعر الانفصالية القوية وفي ظل انعدام اي اجراءات من الحكومة المركزية تبرهن على بدء مرحلة سياسية جديدة، فمن الصعب على القادة المرتبطين بالحراك المشاركة. ولكن مع ذلك، فمن المحتمل إن بعض المعتدلين المنفتحين على خيار الفيدرالية سيرسلون ممثلين عنهم مبعوثين لهم، ستسهل اجراءات بناء الثقة مسألة مشاركتهم.
لا تمثل هذه المجموعة سوى جزء صغير من الحراك والكثير منهم مرتبطون بمحافظة أبين، حيث لهادي بعض التأثير. ومع ذلك، فإنه ليس من الواضح أن المشاركة وحدها كافية لتسهيل قبولهم للقرارات. اتخاذ اجراءات ملموسة لبناء الثقة يمكن ان يفتح المجال السياسي لكسب والحفاظ على مشاركة مجاميع أوسع من المرتبطين بالحراك.
في حين أن القضية الجنوبية هي الأكثر إلحاحا، هناك حاجة أيضا لبناء جو من الثقة لدعم جهود الالتزام الضعيف للحوثيين بالحوار الوطني. ولكن يبدو ان اطرافا في الحكومة تذكي لهيب الصراع مع هذه المجموعة أيضا. قام هادي بتعيين حلقة من المحافظين التابعين للإصلاح حول معقل الحوثيين في صعدة. هذه الخطوة السياسية الغير المتوقعة والمثيرة للمشاعر السياسية زادت من العداء وساهمت في اندلاع اشتباكات مسلحة بين الإصلاح والحوثيين في اواخر سبتمبر ايلول في محافظة عمران.
والآن الحوثيون يقرعون طبول الحرب. انهم يعتقدون ان الحكومة الحالية والرئيس هادي عملاء للولايات المتحدة وللنظام القديم المعارضين لأهداف الثورة.
بالإضافة الى الحاجة إلى ضمان مكان الفئات المهمشة على طاولة الحوار ونظام سياسي جديدة في نهاية المطاف، من المهم أيضا ادراك مخاطر استثناء الموقعين على مبادرة مجلس التعاون الخليجي. بعد أشهر من التغييرات داخل البيروقراطية
والمؤسسة العسكرية التي استهدفت ليس فقط أسرة صالح ولكن أيضا مجموعة واسعة من المتعاطفين معهم، فان العديد في صفوف المؤتمر الشعبي العام قلقون.
قدمت انتفاضة 2011 الشعبية تفويضا من أجل التغيير، وخاصة على مستوى القيادات العليا. إزالة هادي لعائلة صالح وأنصاره المقربين من المناصب العليا في الجيش والقطاع العام كانت ضمن صلاحياته الدستورية وتفويضه. كانت هذه الاجراءات ضرورية أيضا لدعم سلطته ولإعطاء اشارة إلى نمط جديد من السياسة. ولكن التغييرات على المستويات الأدنى من البيروقراطية والمؤسسات العسكرية والامنية لا يمكن الدفاع عنها بنفس القوة ويمكن القول انها جاءت بنتائج عكسية مع عدم وجود حل وسط سياسي مستقر وخطة إصلاح واضحة.
حاليا يتركز قدر هائل من القلق بسبب مكاسب التجمع اليمني للإصلاح داخل وزارات التعليم والمالية والكهرباء والتخطيط والتعاون الدولي والداخلية، بالإضافة الى المجندين الجدد في الفرقة الاولى مدرع التابعة للجنرال محسن.
يدافع أعضاء الإصلاح عن هذه التغييرات على انها ضرورية لتحقيق أهداف الثورة، لضمان تمكين وزرائهم القيام بعملهم على نحو فعال ولتصحيح التحيز الكبير لصالح مؤيدي المؤتمر الشعبي العام السابقين أو الحاليين داخل الخدمة المدنية والمؤسسات الأمنية.
قد تلقى الأسباب المذكورة بعض الصدى، ولكن ادعاء التجمع اليمني للإصلاح تمثيله للثورة محل خلاف مرير بين الشباب المستقل والحوثيين والحراك الجنوبي وحتى بين بعض شركاء الاصلاح في أحزاب اللقاء المشترك.
في هذا الوقت المليء بالاستقرار السياسي العميق، فان التغييرات المبنية على اسس حزبية في الخدمة المدنية والأجهزة الأمنية هي جزء من المشكلة وليست الحل. ليس فقط ان هذه التغييرات في كثير من الأحيان تنتهك قوانين الخدمة المدنية النافذة، ولكنها تخلق جوا من الخوف بحيث تشجع جهات فاعلة مثل الصالحيين والحوثيين والحراك على وضع خطط طوارئ للدفاع عن أنفسهم في حال فشل المفاوضات السياسية. مكاسب الإصلاح على حساب المؤتمر الشعبي العام تعزز الى حد ما الدعم المتبقي للمتشددين في المؤتمر الشعبي العام الذين يجادلون ان الإصلاح عازم على اقصاء الآخرين.
في نهاية المطاف، يجب اختبار نوايا الإصلاح في سياق أدائها في الحكومة. ولكن حتى الآن، لم تكن لدى المواطنين الفرصة لاختيار المؤسسات السياسية الجديدة أو التصويت على حكومة جديدة.
ليست الحكومة الحالية حاملة لشعلة الثورة. بل هي حل انتقالي وسط لحالة طارئة تم تمريرها لتمكين تغييرات أعمق. الى حين فوز الاصلاح، أو أي طرف آخر، في انتخابات تنافسية، فان تفويضها لخلق تغييرات بعيدة المدى محدود. حاليا الحل الأفضل هو التطبيق الكامل للقوانين المدنية النافذة. يمكن القول ان هذه القوانين، لا سيما تلك التي تحكم المؤهلات الوظيفية والتدوير الوظيفي والتحقيق في الفساد، ستسمح بحدوث تغيير، ولو كان أبطأ، أكثر دواما وملائمة مع الرغبة الشعبية لتعزيز سيادة القانون والمهنية.
كان احد أهم عيوب اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي فشلها في إزالة صالح و شريكه الطويل الامد، علي محسن، من مسرح السياسة. إزالة هذين الرجلين لن تحل مشاكل اليمن بطريقة سحرية. كليهما لديهما شبكات ولاء ونفوذ ستستمر حتى لو طلب منهما البقاء خارج البلاد خلال الفترة الانتقالية. ولكن اليمنيين من مختلف ألوان الطيف السياسي مقتنعون أن من شأن خروجهما من الحياة السياسية بناء الثقة على الأقل واعطاء رئيس الجمهورية الجديد مزيدا من الحرية في اتخاذ القرارات البناءة. هناك نقاش على قائمة اطول من المفسدين الذين يجب مغادرتهم للبلاد، والتي تشمل نجل صالح، أحمد علي، أو الشيخ الاصلاحي القوي، حميد الأحمر. ولكن القاسم المشترك الأقل بالنسبة لغالبية اليمنيين، باستثناء المقربين من صالح ومحسن، هو أن هذين الوجهين الكبيرين يمثلان أكثر العقبات الراسخة والهامة في طريق بناء الثقة وتحقيق الإصلاحات. بدأت المناقشات الأولى من اجل تغيير النظام في مارس 2011 باقتراح صالح خروج العلييْن الاثنين من البلاد. مع انحراف العملية الانتقالية نحو تجدد الصراع والغرق في المنافسة بين الأحزاب السياسية القديمة والساسة القدماء، ربما حان الوقت لإعادة النظر في مزايا هذا
الاقتراح الأول. على العلييْن المغادرة.
الرئيس هادي في وضع لا يحسد عليه. انه تولى الرئاسة بعد 33 عاما من مشاهدة صالح يعمل على توطيد السلطة حول افراد عائلته وأنصاره المقربين. في نفس الوقت يحتفظ شريك صالح السابق ومنافسه الحالي، محسن، بمنصبه كقائد للفرقة الأولى مدرع وقيادة منطقة الشمال الغربي. على النقيض من هذين الرجلين، من الناحية العملية ليس لهادي قاعدة دعم موجودة مسبقا
في الجيش أو الحكومة أو المؤتمر الشعبي العام، أو في البنية القبلية المعقدة الولاءات في الشمال. لقد جاء الى السلطة بدعم دولي وعبر استفتاء شعبي صوت فيه اليمنيون ليس له هو بقدر ما كان تصويتا للخروج من الأزمة. يحتفظ الرئيس بمخزون من حسن النية من قبل المواطنين الذين يأملون في تغيير سلمي. على الرغم من ذلك فان فترة شهر العسل قد انتهت، وهناك قلق متزايد من أن أسلوبه في القيادة كثيرا ما يكرر أخطاء الماضي.
أولا، العديد محبطون بشدة من ان هادي يفضل أسرته وقبيلته ومنطقته على حساب اقصاء الآخرين. كان احد المظالم الرئيسية ضد صالح انه ركز السلطة والثروة في أيدي عائلته وكان يعتزم نقل السلطة إلى ابنه أحمد. الشكوى الشائعة الآن هي أن اليمن انتقل من سنحنة الدولة (سنحان هي منطقة صالح القبلية) إلى أبينة الدولة (أبين هي المحافظة التي ينتمي اليها هادي).
في الواقع، أبين ومحافظة شبوة المجاورة تلعبان دورا بارزا في تعيينات هادي المدنية والعسكرية. ولكن مع ذلك فالنقد لا يتجزأ من الواقع القاسي الذي يتحكم بالبقاء السياسي. اليمنيون صبورون ويعرفون حاجة هادي الى الدفاع عن نفسه. ولهذا لا يوجد تذمر من اختيار الرئيس قائدا من أبين لاستلام مهمة حمايته الشخصية. ولا يستفسر اليمنيون عن تجنيد العساكر من منطقة هادي لملأ الفراغ في وحدة الحماية. الأمن الشخصي أمر مفهوم، ولكن عندما يأتي الامر الى التوظيف في المواقع القوية الاخرى، يود الكثيرون رؤية الرئيس تجنب المحسوبية الاقليمية، أو على الاقل شرح خياراته على أساس المؤهلات.
من المفهوم أن هناك أيضا استياء متزايد من ان ابن هادي يلعب دورا بارزا كحارس البوابة للرئيس.
آخرون قلقون بان تحركات هادي التي تقص اجنحة صالح وعائلته ادت عن غير قصد، أو نتيجة تحالف تكتيكي، الى تعزيز يد محسن وحلفائه في التجمع اليمني للإصلاح. ان تحدثنا بالمقارنة ، فإن تضرر غلي محسن أقل بكثير من طرف صالح في عملية اعادة الخلطة العسكرية، بل يمكن القول انه اكتسب القوة حتى الآن. قواته تقوم بحراسة منزل الرئيس وقام بتجنيد ما لا يقل عن عشرة الاف جندي منذ بدء الانتفاضة ويعتقد أن له تأثير كبير في القرارات الرئاسية، مثل تعيين المحافظين التابعين للإصلاح في الشمال.
بالنسبة للمستقلين والحوثيين والحراك والمؤتمر الشعبي العام، وحتى البعض في أحزاب اللقاء المشترك، يعتبر محسن ركيزة خطيرة للنظام القديم، الذي لا يبشر استمرار تأثيره بخير لإصلاحات حقيقية ونفوذه يذكر بقلة ما قد تغير.
فيما يتعلق بالجنوب، هناك أسئلة جدية تحيط بافتقار الرئيس للعمل على تنفيذ تدابير بناء الثقة. بالإضافة الى ذلك، فان تفضيله للكتلة الإقليمية من أبين وشبوة من خلال التعيينات الرئاسية يحبط الجنوبيين من مناطق أخرى وقد يفاقم التوترات التاريخية بين أبين وشبوة ومنافسيهم التاريخيين في محافظتي لحج والضالع
أخيرا، وكما كانت عليه الامور في عهد صالح، هناك نقص في الشفافية في عملية صنع القرار لدى هادي وعدم الرغبة أو عدم القدرة على ايصال رؤية استراتيجية للإصلاحات. يمكن القول انه حتى أكثر من صالح، دوائر هادي الاستشارية ضيقة وهناك تواصل محدود مع المعنيين حول اتجاه التغيير.
في نهاية المطاف، لربما ان ما وضع على اكتاف هادي اكثر من اللازم . حتى ان المؤسسة الوحيدة التي كان بمقدورها مراقبة صلاحياته التنفيذية الغير مسبوقة في إطار مبادرة مجلس التعاون الخليجي، وهي لجنة التفسير، لم تشكل بعد. لا تزال لهادي الفرصة وهو يمضي قدما لصقل اسلوبه القيادي وتوسيع قاعدته من الدعم الشعبي من خلال نمط سياسي مختلف. لا يتوقع اليمنيين قطيعة تامة مع الماضي في هذه البيئة الغير مستقرة. ولكنهم يرفضون تكرار الماضي. من خلال تشكيله للجنة التفسير وايصال رؤية واضحة للتغيير في هذه الفترة الرئاسية المتبقية وتوضيح تعييناته على أساس المؤهلات وتجنب، كلما كان ذ
لك ممكنا، تصور مناطقي أو حزبي متحيز، يمكن لهادي ان يلعب دورا محوريا في تهدئة المخاوف وتسهيل ايجاد سياسة حل وسط تشمل الكل.
استطاع اليمن تجنب الحرب الأهلية، والآن يبدأ العمل الشاق لإشراك الكل والتسوية. في حين أن الوضع صعب للغاية، يقدم الاتفاق الانتقالي إطارا لتجنب الانزلاق في الصراع. ولكن بإمكان هكذا انزلاق ان يصبح حقيقة واقعة إذا لم تتحرك الدوائر السياسية داخل وخارج اليمن على الفور لتسهيل اتفاق سياسي شامل حقا لمعالجة جداول الأعمال السياسية المتنافسة.
في حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق، فان الانحدار العنيف والتفكك مازال في الأفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.