عبر الزمن تم ضخ مفاهيم عميقة لمجتمع لا يدرك كنهها ويتعامل معها كمفاهيم عميقة، وهو في الواقع قد فرغها من معناها لتصبح مجرد كلمات للاستهلاك وتلميع الصور الباهتة، لذا نجد هذا السقوط الشنيع عند أصحاب الشعارات عندما وضعوا على المحك ووجدوا أنفسهم ملزمين بتطبيق ما كانوا ينادون به، ولكنهم يستمرون بالكذب لأنهم أبناء هذا الشعب ويعلمون أنه لو غضب أفرغ غضبه في كتابة كلمات عبر وسائل التواصل المختلفة، ومن تحمس أكثر ذهب لقتل يمني مثله ولم يغير هذا القتل ولا الكتابة من الواقع شيئاً للأفضل بل يذهب به للأسوأ. ويعمل الفرد على الفصل بين المفاهيم التي يرددها وبين السلوك الخاص أو العام، فيقبل المفهوم ونقيضه حسب مصالحه، وليس من خلال تجارب الحياة التي مر بها والتي جعلته يرى أموراً لم يكن يراها، فمن الطبيعي أن نجد هذا الجنون في سبيل تحقيق مصالح من بيدهم زمام الأمور مهما كان الثمن. ويظل أكبر خطأ نرتكبه في تنشئة الأجيال هو تعليمهم القيم والأخلاق كمفاهيم مجردة غير مرتبطة بالسلوك اليومي، لذا نجد مثلاً: من يناقش بأن الغش في الاختبارات مساعدة وليس غشاً، بل نجد أن المعلم الذي يمدح الأمانة ويحببها لهم في الحصة هو نفسه من يطلب منهم المال قبل الاختبار لتمر عملية الغش بسلاسة. ومن غير المفيد التحدث عما يجب وما لا يجب مع أفراد لا يجدون قوت يومهم، فالجوع سيلغي العقل وسنجد القتل بطولة، والسرقة شطارة في عين من لم يمد له الآخرون يد المساعدة. وإن لم يراجع المجتمع جذور مشاكله وفحصها بدقة ليعرف أسبابها وآثارها ووضع لها حلول تتلاءم مع إنسانية الفرد سيظل يدور في نفس دائرة الاستبداد، ومن امتلك مطرقة سيرى البقية مجموعة مسامير لا تستحق إلا الضرب على رؤوسها.