عندما تبني مستقبلك على خيالٍ واسع، يتهدّم ذلك الحلم في أول ليلة. لا تخبرني بأنك ارتبطت بفتاة تعيشُ في أسرةٍ عالية الدخل، وبأنها وأنها ..!! دعني أخبرك .. الحُكمٌ مُستبد، والسلطةُ هشة، والوطن يسوده الخراب، والأهل أشداء عليك، رُحماء بينهم ..!! إذا أردت أن تحيا، تزوجها فقيرة .. لأن الفقراء مصانع السعادة والحب ..!! تزوجها فقيرة .. تعيش معك في صقيع الغربة وعراءاتها، في الأماكن المهجورة وتحت شمس الضحى؛ تقتسم معك الزاد القليل، والفراش الضيق وأرصفة المطر والغبار وعواطف الموت، ومرارة المنفى وصرخة الجوع. الموت أهون عليها من التخلي ذرةً واحدة عن مبادئها. حلمها محصورٌ على سعادتك، ضحكتها توقف الزمن؛ حروفها من سلالة السكر، نظراتها بريئة، طلباتها بسيطة، قلبها نقي، وعملها متقن. تُقدس الحب، تعانق قلبك قبل جسدك، تمضي معك حتى الهزيع الأخير من الليل، لا تملك ساعةً تحدد بها الوقت سوى جسدها عندما يتعب. تحب حتى الموت، تسمع صوت الزمن فتجيء، تهمس في أُذنيك حباً فتنسى آلام عمرك، تخافُ عليك من رذاذ المطر وبرد الشتاء. تعيش البساطة لا التأنق، لا تهتم بالموضة؛ فنصف همها السعادة، وكل حلمها أنت. تُحبك بصدق، تغار عليك من ضوء الشمس، تكون وطنك وسكنك، وتكون وطنها وحلمها الأبدي. تشاركك أفراحك وأحزانك، أعمالك وفراغك، تنير منزلك ليلاً ونهاراً، تخرج بفرح وتعود إليها بفرح. تزوجها فقيرة .. لأن الفقراء أجدر بتحمل المسؤولية والثقة؛ لأنهم يعلمون جيداً أن السعادة تكمن في الوفاء والتفاهم لا الخيانة والعناد. يعلمون أن الزواج مكرمة الرحمن وهديته. يعرفون قاعدة الحب، وقانون المحبة، وسلطة السلام، وجمهورية السعادة. تزوجها .. حتى لا تعرفك مطاعم الحي، وجيرانك الأربعين؛ حتى لا يسمع أنينك وصرخات وجعك الماضين على حواف الطريق ...