بعد أن فقت من صدمتي بخبر رحيلك .. تذكرت حديثك المليء بالكثير من الألم والوجع على عدن وما وصلت إليه الاوضاع هنا، وتعليقك الدائم " ايش بانعمل؟ لنا الله" وقد كان ذلك أثناء وقفة مظاهرة من أجل الكهرباء. قلبك الكبير لم يتحمل كل هذا الوجع ، رغم ما قدمته للناس والاصدقاء وأنا شخصياً، فقد كنت دائم السؤال عني وإن غبتَ تعتذر. كنت إنساناً كبيراً، حتى في عز مرضك وتعبك، كنت قريباً جداً من اصدقائك والناس . لم تكن تمتلك سوى وجه واحد .. وجه كريم، محب للخير، مسامح، جدع ، واضح وصريح .. لم تنافق ابداً وهذا ما جعلك محبوباً عند الجميع، حتى ضحكتك هي ذاتها، سواء على خشبة المسرح أو في حياتك اليومية، متقناً لعملك و صاحب صاحبك. ضميرك اليقظ أوجع قلبك او ربما شوقك لوالدك بعد رحيله أوجع قلبك كثيراً، لقد كنتُ متأكدة أن التعب سينال منك، بعد رحيل والدك، فما سمعته منه ونحن ننتظرك في ساحة الانتظار بمطار القاهرة الدولي وأنت تجهز لنا إجراءات السفر، كان كافياً لمعرفة ما ينتظرك بعد رحيله. أتذكر ملامح وجهه وهو يقول " أنا زوجت رائد لعندي في البيت ... ما أقدر أبعد عنه"، ثم أتذكر كلامك وأنت تقول "يا أمل فراق أبي تعبنا كثير". ورحيلك يا رائد اتعبني كثيراً.. اتعبني وانا اتذكر تلك اللحظات الحلوة التي تزرعها حيثما تكون بين أحبائك .. ماتزال ملامحك أمامي، عندما التقيتك في (الحسين) في قاهرة المعز، وانت سعيداً بنجاح عملية والدك . لقد كنتَ فرحاً أيضاً لنجاح عمليتي ، وقلت "خلينا نجلس ونضحك ونفرح"، كان ذلك بوجود أمل بلجون وضياء سروري وكثير من الاصدقاء. حينها أخذت ( الطبلة) الإيقاع و أطربتنا بأغاني فيصل علوي يا ورد يا كادي وغيرها من اغاني كثير من فنانينا الكبار وانعشت الحسين كله. أشياء كثيرة اتعبت قلبك يا رائد.. فراق احبتك، والدك وهشام الحمادي .. الوضع المعيشي، وازمة الكهرباء كلها كانت معاول تدق في قلبك المتعب. بقدر ما أضحكتنا يارائد سنبكي عليك، كنت روح مفعمة بالحب والود والبشاشة. ما زلت اتذكر عندما ذهبنا إلى ألمانيا لتقديم عروض مسرحية (معك نازل)، بعد البروفات ونحن نمشي بالشارع وأنا وأنت تارة نترنم بأغانينا العدنية.. وتارة نتذكر وجباتنا العدنية ، وقلت لك يومها بأن عدن تعيش فينا حيثما رحنا . اعذريني سأبكيك هنا يا أم منى واحمد وهشام. قال لي حينها "تصدقي يا أمول فقدت لزوجتي كثيرررر" وهذه ليست المرة الأولى .. ففي مصر كنت تستعجل علاج والدك كي ترجع لعدن لأنك لا تريد أن تلد زوجتك وأنت بعيد عنها، كم كنت تحب أسرتك .. الله يصبرهم على فراقك آه يا رائد لمن سأشكي همومي بعد رحيلك ؟ فقد كنت ابني الذي لم ألده، لقد كنا نفتقدك وأنت تعيش بيننا؛ فكيف قد تركتنا في رحيلك الأخير والأبدي؟ لكن يظل عزاؤنا هو أن تكون عدن بخير وخير دليل انظروا لصورته في مظاهرة الكهرباء التي حمل شعار (لن ينسانا الله). عزائي لعدن والعالم برحيل القلب الكبير التي انكهته الظروف القاسية التي تمر بالبلد وكان وجوده في حياة الناس يوفر لهم مساحة من الضحك والسعادة والتخفيف من همومهم. لن يضحكنا مرة أخرى وإنما ترك رسالة بالغة الأهمية وتحمل معانٍ كثيرة، تحمل أوجاع عدن بأكملها، صورة رائد رافع ورقة ناصعة البياض كاتب عليها " لن ينسانا الله" ويحمل بيده الأخرى حقنة (الكانيولا). وكل ما أستطيع أن أقوله الآن هو "لن ينسانا الله".