عبر سبعة وعشرون مجلد من اسفار اصحاحنا الجنوبية قاربنا المساوى والإشكاليات والانتقادات الأبرز في محاكمة التاريخ السياسي الحديث لجنوب اليمن منذ استقلاله وصولا للحظة الراهنة وعندما نقول مجلد فنحن نعني به كناية "المقال" وعندما نقول سفر فنحن نعني بها و كناية أيضا "المرحلة و المنعطف و اوجه السلبيات التي تخللتها و انتجتها". وفي "سفر إصحاحنا الثامن و العشرون" نقارب الجوانب الإيجابية و المضيئة للدولة الجنوبية في شكلها و مضمونها و من زاويا نقدية تكاد تكون مغايرة ومختلفة عن التفصيل و الاستطراد المتخم بالتشعب الذي لا جدوى من تكثيف صور اسهابه واستطراده و ذلك سعيا منا في ان يكون عملنا النقدي المتواضع مادة نقدية مستقلة تعبر عن رأينا و منظور رؤيتنا الشخصية و التي حرصنا و منذ البداية على ان تكون محددة و مختصرة و جامعة لأبرز محطات التاريخ الحديث لليمن الجنوبي شكلا و موضوعا. و إذا كانت هناك من جوانب مضيئة و إيجابية تستحق المقاربة و الطرح فإننا نحيلها إلى مرحلتين من مراحل تشكل مفهوم الدولة و إن مازلنا نحاجج على رأينا بأن الجنوب لم يعرف مفهوم الدولة و ان الذي كان سائدا كان عبارة عن انظمة سياسية متصارعة و ذات خلفيات عسكرية و جهوية و مناطقية بحته و لكن ليس هذا مثار اهتمامنا و مقامنا و عليه فإن تلك المرحلتين التي شهدت إزدهارا و تطورا و يمكننا ان نصفها بأنها انتجت جوانبا ايجابية و مضيئة في التاريخ السياسي الحديث لليمن الجنوبي هي كالتالي : "المرحلة الأولى 1967-1978" و هي مرحلة الاستقلال الأولى و ماتلاها من احداث و تطورات و لقد اتسمت بالتشاركية و التواصل بين النظام السياسي و فئات الشعب في كل المجالات و تجسدت و بشكل كبير مع الطبقة العاملة و طبقة الفلاحين و المزراعين . و قد اعطت تلك المرحلة للنظام السياسي الحاكم في الجنوب زخما شعبيا مؤيدا لحكمه و سيطرته على مقاليد السلطة و بالذات بعيد إقدام الرفاق على الحركة التصحيحية في"1969" .. و لم يكن معهودا ان يجلس رموز النظام السياسي و قادة الدولة الوليدة مع البسطاء من المزارعين و الفلاحين و العمال و يلتقطون الصور التذكارية معهم في الارياف و القرى و المناطق النائية البعيدة عن اضواء العاصمة و المدن الرئيسية . و في الحقيقة لم يكن ذلك السلوك من باب الدعاية السياسية بل كان توجها صادقا و مؤمنا بكل شعارات و تأثيرات إيدلوجيا المرحلة في ذلك الوقت و هو ماساعد على ازدهار عملية "الانتاج الزراعي" و ذلك عبر تقديم القروض و المنحات المالية للمزارعين و توفير المعدات الزراعية الحديثة و لم يشهد عهد ازدهرت فيه زراعة القطن كذلك العهد و تلك المرحلة و قد كانت محاصيل القطن تصدر للخارج و تدر العملة الصعبة للخزينة العامة وان نال بعض المزارعين الضرر جراء قانون الاصلاح الزراعي حينها فإن تلك الاجراءات التعسفية كانت انتقائية و تحمل دوافعا شخصية و لم تكن تعبر عن وضع عام ولا تلغي حقيقة حركة الازدهار التي استفادت منها فئات واسعة من طبقة المزارعين و الفلاحين . واضافة لذلك الازدهار فقد كانت القطاعات الاقتصادية و التجارية تشهد اضطرادا انتاجيا و يحظى العاملون في صروحها بامتيازات خاصة كقطاع المصافي و مؤسسة صناعة السفن التجارية و مصانع المواد التموينية الوطنية و المؤسسة التجارية و قطاعات صناعة المشروبات الغازية و مصنع الغزل و النسيج ومصنع المواد البلاستيكية و هي قطاعات حظت باهتمام النظام السياسي في تلك الفترة و شكلت قفزة نوعية و نستطيع ان نقول بان تلك الفترة هي التي اسست للمرحلة الثانية و التي كان مستوى الازدهار و التقدم فيها و على مختلف الصعد اوسع و افضل .