المركز الاقليمي للدراسات الإستراتيجية كتب / سعيد عكاشة عقب تمكن القوات الحكومية السورية من استرداد مدينة "القصير" التي احتلتها قوات المعارضة في شهر مايو الماضي، علق وزير الشئون الدولية والاستراتيجية والمخابرات الإسرائيلي "يوفال شتاينيتز" على هذا التطور بقوله إن "الغلبةَ في الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من عامين ربما كانت من نصيب الرئيس "بشار الأسد" المدعوم من إيران وحزب الله اللبناني". كما عقّب الوزير الإسرائيلي ردًّا على سؤال عما إذا كانت وجهة نظره تلك تعد تغيرًا في رؤيته للأزمة السورية قائلا: "كنت أفكر دائمًا في أن اليد العليا ربما كانت في النهاية للأسد بدعم قوي من إيران وحزب الله". وأعرب عن اعتقاده بأن انتصار الأسد ممكن، مؤكدًا أن هذا هو رأيه منذ فترة طويلة. وأضاف إن: "حكومة الأسد ربما لا تبقى فحسب، بل وربما تستعيد مناطق من مقاتلي المعارضة". نغمة الارتياح البادية في تعبيرات الوزير الإسرائيلي، ربما تعبر ضمنًا عن شعور مماثل لدى الحكومة الإسرائيلية، ولكنها غير معلنة في ظل السياسة الإسرائيلية الرسمية بعدم التدخل في الأزمة السورية، وهو ما حرص مكتب رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" على تأكيده بإصدار توضيح قال فيه إن تصريحات "شتاينيتز" تعبر عن وجهة نظره الشخصية، وليس عن موقف أو رؤية الحكومة الإسرائيلية. يعتبر ارتياح إسرائيل للتطورات الأخيرة في الأزمة السورية ردَّ فعلٍ متوقعًا في إطار استراتيجيتها التي تستهدف إطالة الحرب الأهلية الدائرة هناك لمدى زمني بعيد، مع توسيع نطاق الحرب، ومدها إلى لبنان، وصولا إلى تكريس حرب المحاور بوضع المحور الشيعي (إيران، حزب الله، سوريا) في مواجهة المحور السني (مصر، الأردن، الخليج العربي)، ليكون إضعاف كلا المحورين الهدف النهائي للاستراتيجية الإسرائيلية. أما الهدف المرحلي فهو استنزاف حزب الله في جبهة واسعة تمتد من سوريا وحتى لبنان دون أن تتكلف إسرائيل ثمنًا لهذا الاستنزاف، تاركة المواجهة العقائدية بين السنة والشيعة لتقوم بهذه المهمة. تأثير الأزمة السورية على حزب الله حرص حزب الله منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011 على إخفاء دعمه العسكري لنظام الأسد، مكتفيًا بالتأييد السياسي العلني، ولكن مع توسع جبهة القتال بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة (التي تشكل فيها الجماعات السلفية الجهادية، والإخوان المسلمون العمود الفقري لهذه القوات)؛ لم يجد الحزب مفرًّا من الاعتراف بوجود قوات تابعة له تقاتل إلى جوار قوات الأسد، وخاصةً بعد أن وجه السيناتور الأمريكي جون ماكين حماسًا لتدخل أمريكي مباشر في الأزمة السورية في السادس يونيو الجاري، متهما حزب الله اللبناني بالقتال إلى جانب قوات الأسد. يترتب على التورط العسكري العلني لحزب الله في سوريا وفقًا لتقدير موقف نشره المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي في 21 مايو الماضي ثلاثة تحديات تواجه حزب الله، وقد تتعمق هذه التحديات في المستقبل القريب لتشكل خطرًا وجوديًّا على الحزب، وتتمثل تلك التحديات الثلاثة في: 1- تزايد الانتقادات لدور حزب الله اللبناني في الأزمة السورية داخل لبنان، وبالتحديد من جانب القطاع السني. 2- فقدان الجناح السياسي للحزب للتأييد الذي كان يحظى به حتى من خارج الطائفة الشيعية، وهو ما قد يؤثر على مكانته في الخريطة الحاكمة. 3- إثارة الانشقاقات الطائفية الكامنة في لبنان. ودعم كاتبا التقدير "برلوف عوريت و"ديكل عودي" استنتاجاتهما بالإشارة إلى صعود شعبية بعض الدعاة السنة في لبنان المعروفين بانتقاداتهم الحادة لحزب الله، مثل الشيخ "أحمد الأعسر" في صيدا، والشيخ "سلام رافع" في طرابلس، ودعوتهما الطائفة السنية اللبنانية لمقاتلة النظام السوري وحليفه حزب الله، واعتبار ذلك واجبًا دينيًّا. وهو ما أكدته أيضًا مجلة "The Times Of Israel" حيث كتبت "باربارا سورك" في 29 مايو الماضي قائلة: "إن تغير صورة حزب الله في العالم العربي ذي الأغلبية السنية من البطل الذي يقود المقاومة ضد إسرائيل إلى صورة الحزب الشيعي التابع لإيران الذي يناصر نظام بشار الأسد ويقتل السنة السوريين؛ هو تحول استراتيجي سيخدم إسرائيل على المدى الطويل ضد واحد من ألد أعدائها، وأن الحزب قد يغرق داخل لبنان نفسها بعد أن ظهرت مؤشرات على استعداد سنة لبنان لقتال حزب الله في الداخل انتقامًا من تأييده للنظام السوري". رغم أن إسرائيل قد أعلنت بوضوح أنها لن تسمح للقتال الدائر بين قوات الأسد ومعارضيه من الاقتراب من خط وقف إطلاق النار القائم بينها وبين سوريا منذ عام 1974، إلا أن المعركة التي دارت بالقرب من هذا الخط في معبر مدينة القنيطرة السورية يوم 6 يونيو الجاري قد بينت أن إسرائيل قد تنازلت عن موقفها المعلن عندما وقفت ساكنة أمام المعارك الضارية التي دارت من حول المعبر، ولم يتغير موقفها حتى عندما استولت المعارضة على المعبر لوقت قصير، قبل أن تفقده في اليوم التالي بعد إرسال الأسد لتعزيزات عسكرية كبيرة تمكنت من استعادته. الحرب السورية تتمدد نحو لبنان في 30 مايو الماضي أعلن الجيش السوري الحر أنه قصف مواقع لحزب الله داخل الأراضي اللبنانية بصواريخ من طراز جراد، وحذر من أنه لن يتوقف عن قصفه لكل مواقع الحزب ما لم يسحب الحزب قواته من داخل الأراضي السورية، كما هدد الجيش السوري الحر بجر حزب الله إلى معارك كبيرة في الداخل اللبناني إذا لم يستجب للتحذير السالف. وفي التاسع من يونيو الجاري تمكنت جماعات مجهولة في قرية مرجعيون بالجنوب اللبناني الذي تتمركز فيه قوات كبيرة لحزب الله من كتابة شعارات على بعض جدران المنازل تتوعد حزب الله بقرب زواله عن الساحة اللبنانية. ورغم رمزية هذه الأحداث إلا أنها تصب في أهداف وتوقعات الحكومة الإسرائيلية، التي تعود مجددًا للمقاربة التي تبنتها إبان الحرب العراقية-الإيرانية (1980 – 1988)، حيث اعتبرت إطالة الحرب بين الطرفين -وكلاهما في حالة عداء معها- يخدم الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية. عقبات أمام الاستراتيجية الإسرائيلية سعي اللوبي الإسرائيلي داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية للضغط على صانع القرار الأمريكي لدفع واشنطن نحو تسليح المعارضة السورية عبر التنسيق مع السيناتور الجمهوري "جون ماكين" برهن على السعي الإسرائيلي الحثيث لإطالة أمد الأزمة السورية، حيث أوضح ماكين في 6 يونيو الجاري أن على إدارة أوباما تغيير موقفها الثابت نحو الأزمة السورية، والداعي إلى عدم تسليح المعارضة السورية. وبالفعل أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" إمداد المعارضة بالمساعدات العسكرية المباشرة. مع الدعم الأمريكي العسكري المباشر لقوات المعارضة السورية تتجلي خطوط الاستراتيجية الإسرائيلية بوضوح، واحدة وراء الأخرى، ولكن إطالة أمد الحرب في سوريا وتمددها إلى لبنان ليس بالضرورة هدفًا من السهل تحقيقه، فحتى مع دعم واشنطن المعارضة عسكريا فإن هذا لا يعني مدها بالضرورة بأسلحة نوعية تمكنها من حسم المعركة مع نظام الأسد، كما أن ذلك قد يحفز حلفاء الأسد في إيران وروسيا والصين على موازنة التغير في السياسة الأمريكية والأوروبية بتقديم مزيد من الدعم العسكري للنظام السوري. ولأن العقدة الفيتنامية ما زالت ماثلة في الذهنية الأمريكية حتى الآن، وأيضًا الفشل القريب الذي منيت به السياسة الأمريكية في العراق وأفغانستان؛ فلا يتوقع أن يكون تغير السياسة الأمريكية حيال الأزمة السورية بالأمر السهل، كما أن حزب الله يمكن أن يعيد حساباته عن حجم انخراطه في الأزمة السورية إذا ما تطورت الأمور على نحو يهدد وجوده على الساحة اللبنانية، حيث يظل هدفه الأول الحفاظ على بقائه، وحماية الطائفة الشيعية في لبنان قبل إنقاذ النظام السوري. إن الحسابات المتغيرة لأطراف الأزمة السورية تجعل من الصعب الجزم بمدى إمكانية نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية لإطالة أمد الحرب في سوريا، ومدها للداخل اللبناني، وبالتالي فعلى الرغم من أن كافة المؤشرات تذهب أو تصب في صالح التصور الإسرائيلي فإن ذلك سيبقى مرهونًا بمدى قدرة النظام السوري على الانتصار في المعارك التي يحشد لها حاليا في حمص وحلب. (*) متخصص في الشئون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية