حظيت انتخابات الرئاسة الإيرانية التي أُجريت في 14 يونيو الجاري باهتمام دولي وإقليمي واسع، لا سيما بعد أن انتهت بفوز رجل الدين "المعتدل" الدكتور حسن روحاني، الذي يسعى إلى تبني سياسة مرنة مع الخارج، ربما تساعد في تنفيس حدة الاحتقان والتوتر الذي فرضته السياسة المتشددة التي تبناها الرئيس أحمدي نجاد، والتي أدت إلى اتساع نطاق العزلة المفروضة على إيران، وأثرت ليس فقط على علاقاتها الدولية والإقليمية، وإنما أيضًا على الصورة الذهنية لها بشكل عام لدى الرأي العام العالمي. ومن هنا تعقد العديد من القوى الإقليمية والدولية آمالا على الرئيس الجديد لتغيير سلوك إيران الخارجي، بتوجهاته المعتدلة، وخطاباته الإصلاحية التي بدأ بها حملته الانتخابية، وأكد عليها عقب فوزه بمنصب الرئيس. لكن قدرته على تحقيق ذلك ما زالت غير واضحة، في ضوء غموض موقف المرشد والمؤسسات الأخرى، لا سيما الحرس الثوري، من السياسة الجديدة التي يسعى روحاني إلى تبنيها. جاءت نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "بيو" للأبحاث خلال الفترة من 2 مارس وحتى أول مايو 2013، حول توجهات الرأي العام العالمي إزاء إيران، وشمل 39 دولة حول العالم، لتعبر بشكل واضح عن مدى انخفاض شعبية النظام الإيراني لدى جمهور الرأي العام في العديد من الدول، لا سيما عند الحديث عن عدة قضايا، جاء على رأسها، الملف النووي، والحريات العامة، والتدخل في شئون دول الإقليم.
فطبقًا لنتائج الاستطلاع، يلاحظ أن ثمة توافقًا عامًّا بين آراء الجمهور في الدول التي شملها الاستطلاع، وبين سياسات هذه الدول تجاه إيران. فعلى سبيل المثال، عبر 88% من المستطلعة آراؤهم في فرنسا عن رأي سلبي تجاه إيران، كما جاءت النسبة في كل من بريطانيا، والولاياتالمتحدة، وكندا، 59%، 69%، 70% على التوالي، أما روسيا فجاءت نسبة من ينظرون لإيران فيها بصورة سلبية 49%. وفي المقابل، فإن العلاقات الجيدة التي تصل إلى درجة التحالف بين إيران وعدد من دول أمريكا اللاتينية، انعكست إيجابيًّا على توجهات الرأي العام فيها تجاه صورة إيران، حيث بلغت نسبة من ينظرون للنظام الإيراني بصورة سلبية في كل من السلفادور وبوليفيا وفنزويلا 36%، و35%، و51% على التوالي.
بينما تعود النسبة للارتفاع في العديد من دول الشرق الأوسط، مثل: إسرائيل، ومصر، والأردن، وتركيا، حيث بلغت 92%، و78%، و81%، و86%، على التوالي، وهي الدول التي فاقت فيها نسبة كراهية النظام الإيراني مثيلتها في الولاياتالمتحدة، رغم النزاع المحتدم منذ سنوات بين البلدين على خلفية أزمة الملف النووي، والعقوبات التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد إيران، وهو ما يمكن تفسيره بأن دول الإقليم تعد الأكثر تأثرًا ودراية بممارسات إيران في المنطقة.
روحاني.. وجه "معتدل"
يبدو أن فوز حسن روحاني بالانتخابات الرئاسية، سوف يساهم في تحسين هذه الصورة السلبية لإيران لدى الرأي العام العالمي، لا سيما في ضوء التصريحات الإيجابية التي أدلى بها وكشف فيها عن سعيه إلى تحسين العلاقات مع دول الجوار، وخصوصًا دول مجلس التعاون الخليجي، وربما إجراء مفاوضات مع الولاياتالمتحدة.
وبالطبع فإن ما يعزز ذلك أن خبرة الرئيس الجديد واسعة في بعض الملفات التي تسببت في تصاعد التوتر في العلاقات مع الخارج، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، إذ تولى روحاني ملف المفاوضات النووية مع دول "الترويكا" الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) خلال فترة حكم الرئيس السابق محمد خاتمي بين عامي 2003 و2005، حيث استطاعت إيران خلالها تخفيف حدة الخلاف مع الغرب بشأن ملفها النووي. كما شغل روحاني منصب أمين مجلس الأمن القومي خلال الفترة من عام 1989 وحتى عام 2005، وقع خلالها اتفاقًا مع المملكة العربية السعودية، أنهى بموجبه الخلافات التي كانت قائمة آنذاك. كما أن تاريخه يشير، حسب اتجاهات عديدة، إلى أنه لا يميل إلى التفكير في التدخل بالشئون الداخلية للدول الأخرى، ولا سيما دول الخليج.
ورغم ذلك، فإن احتمال تحسين صورة إيران لدى الرأي العام العالمي بعد فوز روحاني، ربما يواجه صعوبات عديدة مرتبطة بحدود التغيير الذي يمكن أن يفرضه فوز روحاني بالانتخابات الرئاسية على السياسة الخارجية الإيرانية، وهي حدود ما زالت غير واضحة، فبالنظر إلى منصب الرئيس داخل هيكل النظام الإيراني والصلاحيات التي يكفلها له الدستور، يلاحظ أن السلطة التنفيذية التي يتولاها الرئيس تعد في النهاية أداة لتنفيذ السياسات التي يضعها المرشد الأعلى للجمهورية، خصوصًا تجاه القضايا الأكثر أهمية مثل الملف النووي الذي يقع في مركز اختصاصات المرشد.
ولذلك يبدو من غير المتوقع أن يحدث تغيير ملحوظ في السياسة الخارجية لإيران إزاء الملف النووي تحديدًا، وإنما على الأرجح سيكون التغيير في طريقة التناول وأسلوب الخطاب، ومن الجدير بالذكر أن البرنامج النووي قد تطور خلال حكم الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، اللذين تبنيا خطابات نبذ التوتر وبناء الثقة مع الخارج. كما يبقى موقف الرئيس الجديد تجاه بعض القضايا الشائكة على غرار الصراع في سوريا غامضًا، خصوصًا في ظل الأهمية الخاصة التي توليها إيران للعلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وحزب الله اللبناني.
ومن هنا، ربما تَبقى صورة إيران سلبية، أو مهتزة، لدى الرأي العام العالمي، إلى حين وضوح رؤية الرئيس الجديد، وتبلور ملامح السياسة الخارجية التي سوف يتبناها في فترة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي أحمدي نجاد.