وصول باخرة وقود لكهرباء عدن مساء الغد الأربعاء    هجمات عدة في خليج عدن وإعلان للقوات الأوروبية    قولوا ل "الصغير الغير عزيز" من لم يحافظ على جنبيته لن يعيد الجنوب إلى صنعاء    طلاب تعز.. والامتحان الصعب    جرعة قاتلة في سعر الغاز المنزلي وعودة الطوابير الطويلة    العثور على جثة ''الحجوري'' مرمية على قارعة الطريق في أبين!!    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    كوريا الجنوبية المحطة الجديدة لسلسلة بطولات أرامكو للفرق المقدمة من صندوق الاستثمارات العامة    صاعقة كهربائية تخطف روح شاب وسط اليمن في غمضة عين    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يعود إلى العاصمة المؤقتة عدن    مليشيا الحوثي توقف مستحقات 80 عاملا بصندوق النظافة بإب بهدف السطو عليها    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    تهامة.. والطائفيون القتلة!    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني .. والعملات الأجنبية تصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    الرئيس الزُبيدي يبحث مع مسئول هندي التعاون العسكري والأمني    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    أول تعليق أمريكي على الهجوم الإسرائيلي في مدينة رفح "فيديو"    وتستمر الفضايح.. 4 قيادات حوثية تجني شهريا 19 مليون دولار من مؤسسة الاتصالات!    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    حقيقة فرض رسوم على القبور في صنعاء    العثور على مؤذن الجامع الكبير مقتولا داخل غرفة مهجورة في حبيل الريدة بالحج (صور)    بأمر من رئيس مجلس القيادة الرئاسي ...الاعدام بحق قاتل في محافظة شبوة    شاهد.. صور لعدد من أبناء قرية الدقاونة بمحافظة الحديدة بينهم أطفال وهم في سجون الحوثي    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    الرئيس الزُبيدي يطالب بخطط لتطوير قطاع الاتصالات    البرلمان العربي يحذر من اجتياح رفح جنوب قطاع غزة    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    الذهب يصعد متأثراً بآمال خفض اسعار الفائدة الأميركية    السياسي الوحيد الذي حزن لموته الجميع ولم يشمت بوفاته شامت    عودة نجم بايرن للتدريبات.. وحسم موقفه من صدام الريال    التشكيل المتوقع لمعركة الهلال وأهلي جدة    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    «كلاسيكو» الأهلي والهلال.. صراع بين المجد والمركز الآسيوي    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالله بن شيهون .. شاعر مجيد يجمع بين العامية والفصحى
نشر في عدن الغد يوم 25 - 06 - 2013


جمع وتحقيق وتقديم - د. علي صالح الخلاقي

نشأ شاعرنا القدير محمد عبدالله بن شيهون (أبو فضل) في بيئة اجتماعية, تجل الشعر وتتفاخر بالشعراء, وهو حفيد شاعر, فقد كان جده لأبيه شاعراً مرموقاً, ومع ما له من أرث أسري مجيد, إلاَّ أنه لم يتسلق على سلم هذا الإرث ليقول لنا ها أنا ذا ابن فلان الفلاني, لأن الشعر ومجالات الإبداع الأخرى ليس ورثاً يتنازل عنه أو يوصي به السلف للخلف, وإنما يصدر عن موهبة, ولا ننكر تأثير مثل هذا الإرث في توجيه وصقل ملكة الإبداع الشعري وتنميتها لدى أي شاعر أو مبدع. وشاعرنا محمد عبدالله بن شيهون نشأ على ما تشربه من قيم آبائه وأجداده, وأضاف تعليمه الأساسي في مدرسة قعطبة وثقافته الذاتية المكتسبة بالاطلاع والتثقيف المستمرين وتجاربه الخاصة, كل ذلك أضاف الكثير إلى شعره الذي يحمل بصماته المميزة التي لا تخفى على من لديه ذائقة شعرية.

حين تعرفت على أولى أشعاره ومساجلاته التي تبادلها مع الشاعر المرحوم شائف الخالدي مطلع الثمانينات من القرن الماضي, وجدت نفسي منجذباً إليها بقوة, وكأنني في حضرة شاعر مجرب, خبر الشعر ونظمه باقتدار وله باع طويل فيه منذ وقت مبكر من حياته, حتى بلغ هذا الشأن وهذه المكانة الرفيعة بين أنداده ومعاصريه من فرسان الشعر الشعبي.. وأنه ربما أخفى قصائد البدايات وما تلالها وفضل عدم نشرها لغرض ما في نفسه, أو أنه يحتفظ فيها لينشرها في الوقت الذي يراه مناسبا.. هكذا كنت أعتقد وأذهب مذاهب شتى.. ولكنني كنت مخطئاً.. فالقصائد الرائعة التي فتنتي وفتنت كثيرين غيري ممن استمعنا إليها بصوت الفنان القدير حسين عبدالناصر, هي بذاتها البدايات الإبداعية لهذا الشاعر ولا شيء سواها,لسبب بسيط وهو أنه بدأ قول الشعر في سن متأخر, وبالتحديد حينما طوى الأربعين من عمره, وكأنما أنضج أشعاره على نار هادئة فجاء قطافها يانعاً بعيداً عن شطحات الشباب ونرجسيتهم.

وحين سألته عن الباعث لقول الشعر في هذه السن, وهل هناك إرهاصات أو محاولات سابقة, قال:" كنت أتذوق الشعر بنوعيه الفصيح والشعبي, فبقدر ما أعجبت بإيليا أبو ماضي وغيره من شعراء العربية منذ كنت طالباً في مدرسة قعطبة, أعجبت أيضاً بالشعر الشعبي, خاصة أشعار الخالدي وبالذات مساجلاته الشعرية مع الصنبحي وغيره, ولم يدر في خلدي أن أنظم القصائد أو حتى مجرد التفكير بذلك, طوال الأربعين عاماً الأولى من حياتي, ولذا لم تكن لي محاولات سابقة, وكل ما في الأمر إنني وجدت نفسي ذات يوم, وكنت حينها في مهجري بالسعودية, وفي موقف عائلي حزين, مضافاً إليه كآبة الغربة, وكأن أحد يجذبني من أذني ويدفعني دفعاً لقول الشعر ومن حينها بدأت نظم القوافي, وإلى اللحظة لا أنظم قصائدي إلاَّ عن معاناة أحسها أو أعيشها, فالشعر عندي هو معاناة " ..

هكذا ولدت أولى قصائده, ثمرة معاناة.. نعم.. لكنها قبل كل شيء نتاج موهبة ظلت حبيسة لعقود أربعة,حتى استوت وتفجرت بعد تمام مخاضها واكتمال نضجها, مثلها مثل الينابيع الكامنة في أعماق الأرض, لا ترى لها أثراً وقد تتفجر فجأة فتروي ما حولها وتكسيه الاخضرار والحياة اليانعة.. وهكذا شاعرنا.. لم يقرض الشعر إلاَّ حين زاره "شيطان الشعر" في تلك اللحظة, ليفجر مكامن الموهبة الحبيسة ويطلقها من إسارها, وشيطان الشعر, هو (الحليلة) باللهجة الشعبية, أو الهاجس أو الإلهام الشعري, أو بمعنى أدق ما نسميه (موهبة) وهي نعمة وهبة ربانية يهبها الله لمن يشاء من عباده وقت يشاء.

ومثلما كانت بدايته في لحظة انفعال شديد باعثه الحزن الذي دهمه في موقف معين وكابده بكل جوارحه, فأن قصائده لا تسلم له قيادها إلا في لحظة معاناة يجد فيها نفسه أسير هاجسه الشعري, ونستطيع القول أن شعره في مجمله نتاج معاناة ومكابدة, ومن هنا سر تأثيره القوي, وصدق عواطفه, وعمق رؤاه ومعانية التي تجلو ما غفل من أسرار الحياة وتستشرف بنبوءة الشاعر ما تخبئه الأيام.

إنه وبحق شاعر متميز, تجد في شعره شيئاً من شخصيته, من تفكيره, من مخزونه الثقافي, من القيم التي تشربها صغيراً ويعض عليها بالنواجذ في سلوكه وعلاقاته وفي شعره أيضا, وجل شعره لا يخلو من القيم التي يجلها ويتمثلها قولا وعملاً في حياته وفي علاقاته مع محيطه, وقد استطاع أن يخترق دواخل الناس ويغوص في أعماقهم, فبمجرد قراءة شعره تحس أنك في حضرة شيخ حكيم يملك أسرار الحكمة, أو شاعر يمتلك حكمة الشعر, ففي شعره فلسفة للحياة وقيمها الإنسانية التي حمل مشعلها كبار الفلاسفة والشعراء, ومن يعرف نشأته والإرث الثقافي الذي يتكئ عليه لا يستغرب هذا الاتزان وهذه الرصانة والحكمة وعمق المعنى في شعره.

إن الشاعر المجيد كالسحابة الممطرة تخصب كلماته في وجدان المتلقين, وشاعرنا يستنطق الكلمات فتنقاد لملكته الشعرية طوعا, فتغدو روائع منظومة, تحمل فرادة الشاعر المقتدر, تقرأ شعره فتجد فيه المتعة والفائدة, وتتوافر فيه صفة التجانس بين اللفظ والمعنى, فهو يحسن اختيار الألفاظ, وقد كان النقاد القدامى يقولون "الألفاظ أثواب المعاني" ولهم في هذا كل الحق, فالمعاني مثلها مثل الأشخاص تحتاج إلى أن تلبس من الألفاظ ما يناسب المقام وينسجم مع الموضوع, وشاعرنا برع في انتقاء ألفاظه, بحسب موقعها وصلتها بموضوعاته, فنجدها قوية وعنيفة في مواطن القوة والعنف, ورقيقة في موضع الرقة, وفي شعره عذوبة تكاد تُرشف وسلاسة تمتع النفس وتبهج القلب, وهو كشاعر مرهف الإحساس يتلبس المواقف, ويعبر عن عواطفه وبصور بديعة نعجب لجمالها الفني, حتى وإن كانت صوراً لمآسي ونكبات, كما في تناوله للأحداث الدموية في منعطفات مختلفة, داخل الوطن أو في محيطه العربي, وهو عنيف في المواقف التي لا تعرف غير لغة العنف والقوة, حسب رؤيته, كما نجده يحرث في الحزن حين يكابد آلام الغربة ويجتر الأشواق والحنين لمهد الصبا, حتى يكاد يبكينا. وهذا التلبس تحكمه العاطفة الشعرية المنطلقة من إسار العقل في لحظات الحب والكراهية والخوف والرضا والشوق والحنين غيرها من المفاهيم المتناقضة.

إن ما يميز قصائده هو موسيقاه الشعرية التي تشنف الأذن وتحرك الوجدان وتحدث فينا لذة عقلية وتأثير وجداني, ولا تقتصر الموسيقى على التزامه في معظم أشعاره بقافيتين للصدر والعجز وإنما في إيقاعات الألفاظ وإيحاءاتها وأنغامها التي تحدث فينا الإطراب. كما خرج عن الاستهلال التقليدي في قصائده الفصيحة والعامية, ونستثني من ذلك مساجلاته الشعرية التي وجد نفسه فيها مقيداً بالنمط التقليدي مجاراة لنظرائه من الشعراء الذين تبادل معهم المساجلات. وتحتل الصورة الشعرية مكاناً بارزاً في شعره, وكأن قصائده صورة صادقة أو رسم صامت, وتتعدد الصور الفنية في شعره فقد تأتي على شكل استعارة أو تشبيه أو دلالات ورموز لا تخفى. فالشعر لديه ليس مجرد كلمات مرصوصة أو أوزان منظومة تثير الجلبة أو الحماسة الآنية بلا طائل, بل إن الشعر لديه يزخر بالعواطف والصور الفنية والذوق الشعري السليم.

يميل الشاعر في قصائده إلى الفصيح, وهو ما يعكس ثقافته الدينية والأدبية, وهذا ما نجد شواهد له في عدد من قصائد الفصيح العصماء التي أجاد في سبكها, وتفوق فيها على قصائده العامية,رغم بعض الهنات النحوية التي تُغفر له, ونعذره فيها لأنه لم يدرس اللغة والصرف والنحو, ولو أنه درس ذلك لتخلص ببساطة من مثل هذه الهنات ولكان له شأن كبير بين شعراء الفصيح. وحتى لا يتهمني البعض بالمغالاة, أحيل القارئ إلى قصيدته الرائعة "الغريب اليمانيا", ولنمعن في هذه الأبيات المختارة منها:
نسيم الصبا لو هب يوماً ذكرتها
وسالت لذكراها دموع المآقيا

يهيم لها روحي إذا عسعس الدُّجى
وتهفو لها حين البكُور فؤاديا

نذرتُ لها حبِّي بمحراب عزها
وآليت أن أحيا لها العمر وافيا

وفي هجرها أفنيتُ عشرين حجة
من العُمر لم يُحْسَبْنَ ضِمْنَ زمانيا

فصَيَّرتني كَهْلاً أسير بهامتي
إلى الشيب مما رمت خالٍ وفاضيا

ولستُ أهاب من مشيبي وإنَّمَا

أخافُ لقاه نائياً عن دياريا

فيا شيب مهلاً لا تزُرني بغربتي
ويا دهر رفقاً بالغريب اليمانيا

والقصيدة من بحر الطويل الذي يتناغم إيقاعه مع المشاعر الجياشة والصادقة, وهذا ما نجده وبنفس البحر وبقافية مشتركة ردفا ورويا وخروجا في كثير من عيون الشعر العربي قديمه وحديثه. ففى مرثية عبد يغوث لنفسه, لمَّا أسرته بنو تيم في يوم "الكُلاب" عندما وقعت الحرب بين بني تيم وقوم عبد يغوث في أيام الجاهلية, وكان فارسًا وشاعرًا يمانياً, فشدُّوا على لسانه نسعة خوفًا من أن يهجوهم قبل موته, فقال لهم: إنكم قاتلي ولا بُدّ, فدعوني أذمُّ أصحابي وأنوح على نفسي, فقالوا: إنك شاعر ونخاف أن تهجونا, فعقد لهم أن لا يفعل. فأطلقوا لسانه وأمهلوه حتى قال قصيدته المشهورة الرائعة,التي يقول فيها:
ألا لا تَلوماني كَفى اللَومَ ما بِيا
وَما لَكُما في اللَومِ خَيرٌ وَلا لِيا

أَلَم تَعلَما أَنَّ المَلامَةَ نَفعُها
قَليل وَما لَومي أَخي مِن شمالِيا

فَيا راكِباً إِمّا عَرَضتَ فَبَلَّغَن
نَدامايَ مِن نَجرانَ أَن لا تَلاقِيا

أَبا كَرِبٍ و َالأَيهَمَينِ كِلَيهِما
وَقَيساً بِأَعلى حَضرَ مَوتَ اليَمانِيا

وفيها يقول :
وَتَضحَكُ مِنّي شَيخَةٌ عَبشَمِيَّةٌ
كَأَن لَم تَرَ قَبلي أَسيراً يَمانِيا

وَقَد عَلِمَت عَرسي مُلَيكَةُ أَنَّني
أنا اللَيثُ مَعدُوّاً عَلَيَّ وَعادِيا

ونجدها فى غزلية قيس بن الملوح (مجنون ليلى) في رائعته التي يقول مطلعها:
يقولون ليلى بالعراق مريضةٌ
فيا ليتني كنت الطبيب المداويا !
ونجدها في قصيدة مالك بن الريب التميمي التي يقول في مطلعها:
أَلا لَيتَ شِعري هَل أَبيتَنَّ لَيلَةً
بِجَنبِ الغَضا أُزجي القَلاصَ النَواجِيا

ونجدها فى "ليلة الوداع" للأديب الشاعر عباس محمود العقاد:
أبُعدا نرجَّى أم نرجى تلاقيا
كلا البعد و القربى يهيج ما بيا
تعمدت إيراد هذه المقارنات, للتدليل على أن شاعرنا بن شيهون ينهل باقتدار من فيض اللغة والتراث بأساليب فنية تجعل من يقرأ قصيدته يظن أنه أمام أحد أساطين الشعر العربي.
والآن إلى هذه الرائعة الشعرية لبن شيهون بعنوان الغريب اليمانيا
قالها بعد أن أفنى عشرين عاما من عمره في مهجره بعيداً عن وطنه, وهي غير محسوبة من (زمانه) كما يقول. نشرت في جريدة "السياسة" الكويتية في عددها الصادر يوم 18 يونيو1989م

تذكرني الأيام ما كنتُ ناسيا
وما ليس يُنسى تنتسيه اللياليا

وما صار مكشوفاً توارى لناظري
وأضحت ترى عيناي ما كان خافيا

وإنْ مَرّ حظِّي مرة وأطاعني
مراراً يمُرُّ من أمامي مجافيا

وكم ليلة من سعدها نمت هانئاً
ومِنْ نحس أخرى بتُّ سهران باكيا

وكم نلت ما لا تشتهي النفس والذي
له تشتهي نفسي وتهواه قاصيا

غريبٌ وأحلامي بدربي تبعثرت
وتاهت بأعماق السنين الأمانيا

بعيدٌ وأن ناديتُ لا رجع للصدى
ومن يُسمع الأموات صوت المناديا

ومن يُسمع الأحياء آهاتي التي
لو أسمعتها جلمودَ صخرٍ صغى لِيَا

أأشكو لمن بثِّي؟ سوى الله فالذي
شَكُوتُ له مثلي وجدته شاكيا( )

وناءٍ عن الأوطان طارحني الجوى
وجدت الذي في فيه كمثل الذي بيا( )

فقلت شريكي في همومي وغربتي
كلانا عن الأوطان يا صاح نائيا

كلانا على درب البُعاد مسافرٌ
وَلَجْنَا بحورَ الاغترابِ سواسيا

رحلنا بلا زادٍ ومن دون مُرْشِدٍ
يحاذي بنا عصف الرياح الذواريا

رحلنا ولم نأخذ سوى ذكرياتنا
وما دونها مما تركناه ماضيا

على سُفن الهجران تمضي حياتنا
رويداً وأنواء الحياة عواتيا

مراسي لا تأبه لمن أبحرت به
سفينتهُ أو بالذي ظلَّ راسيا

سقى الله أرضاً كان للحب موضعاً
على شاطئيها بالسنين الخواليا

بها كنت مثل الطير أشدو مغرداً
على فنن الأغصان حول السواقيا

وأغدو إلى حيث الذي اشتهي بلا
رقيبٍ ولا آمر عليَّ وناهيا

نسيم الصبا لو هب يوماً ذكرتها
وسالت لذكراها دموع المآقيا

يهيم لها روحي إذا عسعس الدُّجى
وتهفو لها حين البكُور فؤاديا

نذرتُ لها حبِّي بمحراب عزها
وآليت أن أحيا لها العمر وافيا

عزفتُ لها لحني بأوتار مهجتي
واسمعتها من وحي شعري أغانيا

وأهديتها نظمي ونثري محرراً
ولو تفتدى أفدي ثراها بعينيا

وفي هجرها أفنيتُ عشرين حجة
من العُمر لم يُحْسَبْنَ ضِمْنَ زمانيا

فصَيَّرتني كَهْلاً أسير بهامتي
إلى الشيب مما رِمْتُ خالٍ وفاضيا

ولستُ أهاب من مشيبي وإنَّمَا

أخافُ لقاه نائياً عن دياريا

فيا شيب مهلاً لا تزُرني بغربتي
ويا دهر رفقاً بالغريب اليمانيا

ومن مساجلاته التي تنبأ فيها بالأحداث نقدم قصيدة بدع للشاعر محمد عبدالحافظ بن أسعد العيسائي مرسلة إلى الشاعر محمد عبدالله حسين بن شيهون مطلع عام 2007م

يا من بحمدك كل شيءٍ سَبَّح
وأمْر القدر والغيب لك مفتاحه

يسِّر أمُوري واعف عنّي واصفح
والطف بحالي يوم طَيْ اصْفَاحَهْ

وأزكى صلاتي عد ما أمسى يذلح
سيله قفا راعد وبرقه لاحه

على المشفّع ذي بذكره نربح
يشفع لنا يوم الحُمم لفّاحه

العيسائي قال الفؤاد اتأوَّح
والقلب هايم في عميق اجراحه

والفكر بيَّت في خياله يسبَح
وأمسى يكيل الهم لي بأقداحه

ساعه بيجمعها وساعه يطرَح
وكم أماني ذي رسم بالواحه

والنفس مِنْ مَطْرَحْ معه لا مَطْرَحْ
تتبع خيوط الطيف لا قد لاحه

وعادها في كل حاجه تطمَح
وأحيان بتْرُوم الفضاء تجتاحه

وقلت يا قلبي كفا لا تَجْنَحْ
دُنيا دَنِيِّة ما عليها راحه

ما حَدْ على الدنيا تخلد وأفلح
ولا حَدَا قد ضَمَّها بإصْحَاحَهْ

كُلاً رحل منها ودمعه يسفح
عالخد وانظُر كم خلايق راحه

ها بعد يا الهاجس في الصوت اصدح
طاب السمر والليل مَدّ اجناحه

نسّم على من ضاق صدره وافسح
له في خيالك للقوافي واحه

واقطف معي من زهر شمّه ينفح
علّه يخفف للعليل اجراحه

وانت يا من في جناحه جَنّح
شمّر وطِرْ جو السماء لك ساحه

لا دار بن شيهون با تتروَّح
حيث النَدَى واقداحه النضّاحه

واسأل على شاعر يُفاعه لَفْصَحْ
بُو فضل مَوْلى الكفَّه الرجَّاحه

ذي كفِّته عن كل كفَّه ترجح
وله بمحراب القوافي باحه

وابلغ سلامي له عدد ما يَرْوَحْ
شذا عبير أزهاره الفوَّاحه

لا اتنشَّدك حسب العوايد تشرح
له علم صافي واعتنه بإيضاحه

كادح على أرض السعيده يكدح
تسعه خساير والعشير أرباحه

بأربع بنينا ماهُدِمْ واتزحزح
وأعقب بِمَسْيَل رَدّ أبُوها ضاحه

وبعد خمساً يا بناء بالمَضْوَحْ
شداد ياكم نفس فيها ناحه

وسبع فيها كل فلاّح أفلَح
هذا زرع فرسك وذا تفّاحه

وما حصدنا من ثمرَّها روَّح
جانب ذري وآخر شَقا فلاّحه

وعاد سبعاً فجرها ما شوّح
يالله عسى ماهي عجاف اشحاحه

ثُمَّ عسى يا الله بعامٍ يَنْضَحْ
كأس الرخاء لو هُمْ بشر نصّاحه

والاَّ فقُل من ضاق صدره يقرح
في داهيه لو كل أبُوها طاحه

لا تأخُذك رأفه بنايح يَنْوَحْ
أو ترحمه لاشفت دمعه ساحه

كذَّاب من مثله بظلمه صَرَّح
شُوفه منافق يستحق اجراحه

وقبّح الله كل خاين قبَّح
من هان نفسه ما يلاقي راحه

ومن فَسَلْ ذَبْح البهايم يُذبَح
من ذَلّ سَلَّم مَنْحَرَهْ ذَبَّاحه

أما الشرف ثوبه حَظِيْ لن يُمْنَحْ
الاَّ عزيزاً عزته بِسِلاحه

ذا منطق التاريخ ذي به لوّح
والوقت يكفي للحليم افصاحه

هذا وبالله ظنّنا لن يبرح
يا رب محزون استعاد افراحه

فالنحل من دَيْوَلْ سقطري تقدح
صافي عسل حالي حلا بِجْبَاحَهْ

هذا كلامي ذي به القلب أفصح
وِنْ شِيْ خطأ مسموح لك صِحَّاحَه

وأختم واصلي عالنبي ما يلوح
بارق سيوله صبّحت ذلاحه

وهذا جواب الشاعر محمد عبدالله حسين بن شيهون
على الشاعر محمد عبدالحافظ بن أسعد العيسائي وفيه نقف أمام تنبؤاته التي حدثت فعلا بين أطراف الصراع في صنعاء

يا من لمعصيات عبدك تصفح
لو جاك تائب يرتجيك اسماحه

ومن طلب منك الهدايه أفلح
واطلقت من سجن الظلال اسراحه

وارشدت من للذنب نفسه تجمح
والجمت في عفوك كباح اجماحه

يا حافظ اثقال الجواري تسبح
بين المراسي غاديه روّاحه

من بعد ذا فنِّي سمعته يصدح
مثل البلابل بالبكر صَدَّاحه

بيردد ألوان الغناء وطَرًّح
أنغام تجلب للنفوس الراحه

وقلت يا ليته بلُقْيَا يسمح
إشكي إليه من نفسي المياحه

ذي عذبتني بالزمان الأكلح
زمان تولد من دجاه أشباحه

زمان به لأهل السوابق مسرح
وفيه لأرباب الجرائم ساحه

يمثلوا فيهن خَطَاهم والصَّح
بيطمسوا بلاغته وايضاحه

ها بعد يا فارس على مُهر اسرح
بالرَّد سابق بالأصيل ارياحه

لاعند ذي بدعه وصل وَتْوَضَّحْ
بالقافيه والوزن والرَّجَاحه

العيسائي من قوم قاسم لَشْبَحْ
الوقت سَجَّل جُودهم بألواحه

ذي نارهم للضيف سرمد تقدح
دايم يمدُّوا له كفوف الراحه

واهده سلامي سَعْف عُوداً ينفح
بكل مجلس ريحته نفاحه

وقال لي كادح شقيه يكدح
خسران تسعه والعشير أرباحه

من قال له ان اليمن يتصَلَّح
عليه يقطف من قَرَضْ تُفاحه

من قال انه باليمن يتربَّح
يروح ماله قبل جني أرباحه

وأي واحد باليمن يتبرطح
للمشرقي وأعوانه الذباحه

با يذبحونه من مَتَمّ المَذْبَحْ
وعند قبره تسمع النواحه

أهل الحمايه حاميين المطرح
يا ويل وادي تسرقه شُرَّاحه

فرسان هَجْدَهْ كمَّن أشطح أنطح
ذي يرفدون الجعفري بِسَلاحه

وقت الضحى مملوكيين الملمح
والليل أيوبين في نصاحه

وللطمع مذهب معاهم أفسح
من مذهب القطاع والسفاحه

لهم سوابق من زمن ما شَوَّحْ
نجم الثريا واشتعل مصباحه

لله يا هذا الزمان الأجلح
فيك العزيز مُكَسَّرات اجناحه

والنذل عالي الرأس بك يتبجَّح
وسعره أدْنَى مِنْ ثمن نِبَّاحَهْ

وأهل الشرف وَطَّوا الرؤوس الشُطَّح
وأهل الشجاعه ضيعوا القواحه

وهكذا إبن اليمن يتلوَّح
رَبَّوْه أسياده على اللواحه

وهم ترى كلاً وهو يتمرقح
في قصر عامر عاليات اصراحه

وفي مواخير الليالي رُدَّح
يتلذذوا بالرَّاح من أقداحه

مع الغواني آنيتهم تنضح
من ما حوى فيها من الوقاحه

متى متى سيول وادي مَذبح
تدهم بليلاً دامسات اجناحه

ومتى شماريخ النقيل يسلح
تسلح حُمَمْ تَهْدُمْ قصور الساحه

ختامها بالهاشمي ما تَدْوَحْ
نُوب العسل ذي تشرعه بَأجْبَاحه

أوحى إليها الله والوحي أصبح
للنحل سورة أكرمت نجاحه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.