قبل خمسين عامًا بالتمام من هذا اليوم الثامن والعشرين من أغسطس، ألقى الزعيم الأمريكي الأسود الدكتور مارتن لوثر كينج كلمته العصماء، مواجهًا نصب لينكولن التذكاري أمام مبنى الكونجرس في العاصمة الأمريكيةواشنطن، في ظل حضور جماهيري حاشد ملأ الساحة المقابلة، وبلغ تعداده 250 ألف مواطن أمريكي، جُلّهم من السود، لكن كثيرًا منهم كانوا من البيض، بدأ تجمعهم بمسيرة ضخمة سُمّيت (مسيرة واشنطن العظيمة). في كلمته التي خلّدها التاريخ، فأسماها "لديّ حلم" أشار الدكتور كينج في البداية إلى 100 عام من الاستعباد الذي عانى منه السود، والعنصرية التي مُورست ضد مَن تحرروا منهم بعد عقود من الزمان، والتمييز الذي كُتب عليهم في كل شؤون الحياة. كان كينج يقرأ من ورقة، حتى ناداه أحدهم قائلاً: (أخبرهم عن حلمك يا مارتن!)، فألقى بالورقة جانبًا، وذهب يردد النصّ الذي خلّده الأمريكيون، فقال: (لديّ حلم أن يومًا ما ستنهض هذه الأمة، لتعيش حقيقة ما تؤمن به من معاني الحرية والمساواة. لديّ حلم أن يأتي اليوم الذي نشهد فيه على التلال الحمراء لجورجيا جلوس أبناء العبيد السابقين مع أبناء أسياد العبيد السابقين على طاولة الأخوة. لديّ حلم أن يأتي يوم حتى في ميسيسيبي، الولاية التي تفوح منها حرارة الجور، ويفوح منها لهيب الاضطهاد.. أن تتحوّل إلى واحة من الحرية والعدالة. لديّ حلم أن يعيش أطفالي الصغار الأربعة في بلد لا يُحاكمون فيه بناءً على لون بشرتهم، بل بمضمون أخلاقهم وشخصياتهم.. لديّ اليوم حلم
ومضى كينج يسرد أحلامه التي بدت مستحيلة آنذاك، لكن المستحيل لم يقاوم طويلاً، فاستسلم أمام محاصرة الحق له. كان الرئيس يومها هو جون كينيدي، الذي استمع إلى الخطبة من شرفة البيت الأبيض، وقال حينها: (كانت كلمة رائعة)، وهي شهادة لرئيس عُرف عنه سحر البيان، وجودة الإلقاء، وقوة الحضور. وبعد مصرع كينيدي غيلة، هبت نسائم الحرية على السود في عهد خلفه الرئيس ليندون جونسون، الذي ناشد الكونجرس تمرير قانون منح السود حرية التصويت سواء بسواء مع البيض. وكان للسود ما أرادوا بعد أكثر من 100 عام من الظلم والاستعباد والتمييز.